هل الناسخ والمنسوخ دليل على ان القرآن من تأليف البشر؟

سؤال: من أدلة بشرية القرآن: معضلة النسخ (التبديل، التعديل، التصحيح)، (نُجرّب، ثم نُعدّل)، فكيف لكلام الله الأزلي في اللوح المحفوظ أن تعمل فيه ممحاة التصحيح؟ إلا إذا كان من تأليف بشري ينقصه العلم والخبرة، فيتعلم من رجوع التجارب (feed back).

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

أولاً: هناك أنواعٌ من النسخ قال بها أهلُ السنة ورفضها الشيعة، مثل نسخ الحكم والتلاوة، أو نسخ التلاوة وبقاء الحكم، ولم يقبل الشيعةُ إلا نسخ الحكم مع بقاء التلاوة، وقد عقد السيد الخوئي بحثاً مفصلاً في تفسير البيان ولم يقبل من الآيات التي ادعيَ نسخها إلا آية واحدة، حيث أشار في بداية بحثه بالقول: "وقد عقدنا هذا البحث لنستعرض جملة من تلك الآيات المدعى نسخها ولنتبين فيها أنه ليست - في واقع الأمر - واحدة منها منسوخة، فضلا عن جميعها.. وقد اقتصرنا على "36" آية منها، وهي التي استدعت المناقشة والتوضيح لجلاء الحق فيها، وأما سائر الآيات فالمسألة فيها أوضح من أن يستدل على عدم وجود نسخ فيها". والآية التي قبل السيد الخوئي بنسخها هي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ۚ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) حيث نسخت بقوله تعالى: (أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

ثانياً: النسخُ في الاصطلاح هو رفعُ أمر ثابت في الشريعة المقدسة بارتفاع أمدهِ وزمانهِ، أي أنّ الأحكام تتبع موضوعاتها وجوداً وعدماً، فمتى كان الموضوع موجوداً كان معه الحكم، ومتى ما ارتفعَ الموضوع ارتفعَ معه الحكم، أو كما عبّرَ الفخر الرازي بقوله: "أن الناسخ هو اللفظ الدال على ظهور انتفاء شرط دوام الحكم الأول". وعليه فإنّ التبدل في الحكم ليس بسبب جهلِ المشرع وإنما بسببِ علمهِ بتبدل موضوعات الأحكام.

ثالثاً: قال البعض باستحالةِ النسخ استناداً إلى كونه يستلزم اجتماعَ الحُسنِ والقبح في موضع واحد؛ وذلك لأنّ ثبوت حكم إنما يكون عن مصلحة فيه، فإذا نسخ فإنما ينسخُ لمفسدة فيه، وبذلك يجتمعُ الصلاح والفساد في آنٍ واحد.

وأجيب عنه: بأنّ الحسن والقبح في الأشياء ليس بالضرورة متعلق بذات الشيء، وإنما قد يكون بحسب العناوين الطارئة على الموضوعات، فيكونُ الشيء الواحد ذا صلاح في زمان وذا فساد في زمان آخر، وذلك مثل شرب الأدوية وأكل الأغذية الذي قد يكون فيه مصلحة في زمان ومفسدة في آخر، ومواردُ النسخ من هذا القبيل.

واستدلّ البعض الآخر بأنّ النسخ فيه إزالةٌ للحكم الثابت وهذا لا يكون إلا بالبداء الناشئ عن الجهل، وهذا لا يجوز في حقّ الباري سبحانه وتعالى فلا يتصوّرُ فيه الجهل لأنه بكلّ شيء عليم.

وأجيب عن ذلك: بأنّ النسخ من الله ليس بداءً وإنما إبداء، وليس رفعاً وإنما هو دفع للحكم بعد أن أنقضى أمده، فالمشرّعُ الحِكيم يراعي بتشريعاته حال من وضعت لهم التشريعات.

رابعاً: القرآن ليس كلاماً أزلياً كما تصوّر صاحب الإشكال، وإنما هو مخلوق بحسب ما يعتقده شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، فالله أوجد القرآن لهداية الإنسان، وكما لم يكن الإنسان موجوداً من الأزل فإنّ القرآن الذي خوطب به لم يكن موجوداً من الأزل أيضاً، وهناك بحوثٌ متعددة حول خلق القرآن يمكنه مراجعتها في مصادرها.

خامساً: كون القرآن محفوظاً في اللوح المحفوظ لا يتعارض مع كونه خطاباً للإنسان، فمن المعلوم أنّ الإنسان محكومٌ بمجموعة من الظروف الطبيعة والاجتماعية، ولذلك ينزلُ القرآن بالشكل الذي يكون فيه مناسباً لطبيعة الإنسان وطبيعة الظروف التي تحكمه، ومن هنا تعتبر أسبابُ النزول من أهمّ بحوث علوم القرآن، فحقيقة القرآن كنور شيءٌ، وحقيقته كخطاب مباشر للإنسان يراعي ظروفه الخارجية شيء آخر، يقول تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا)، ويقول: (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ).