هل يمكنُ أن تكونَ الآيةُ المنسوخةُ التي نُسخَت في صدرِ الإسلامِ آيةً ناسخةً في العصورِ القادمةِ أو في زمانِنا؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،النسخُ بحسبِ ما اصطلحَ عليهِ أهلُ العلم، هو رفعُ أمرٍ ثابتٍ في الشريعةِ المُقدّسةِ بارتفاعِ أمدِه وزمانِه، سواءٌ أكانَ ذلكَ الأمرُ المُرتفعُ منَ الأحكامِ التكليفيّةِ أم الوضعيّة، وسواءٌ أكانَ منَ المناصبِ الإلهيّةِ أم مِن غيرِها منَ الأمورِ التي ترجعُ إلى اللهِ تعالى بما أنّه شارعٌ. [البيانُ في تفسيرِ القرآن، السيّدُ الخُوئي، ص ٢٧٧]. فعلى سبيلِ المثال: في قولِه تعالى: { وَمَا جَعَلنَا القِبلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيهَا إِلَّا لِنَعلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيهِ} [البقرة : 143] يتّضحُ أنّ النبيَّ (ص) كانَ يتوجّهُ في صلاتِه وعباداتِه نحوَ بيتِ المقدِس، بأمرٍ منَ اللهِ تعالى لمصلحةٍ كانَت تقتضي ذلكَ، ثمّ لـمّا جاءَت الآيةُ {قَد نَرَى تَقَلُّبَ وَجهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلَةً تَرضَاهَا فَوَلِّ وَجهَكَ شَطرَ المَسجِدِ الحَرَامِ وَحَيثُ مَا كُنتُم فَوَلُّوا وُجُوهَكُم شَطرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّهِم وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعمَلُونَ} [البقرة : 144]، نُسِخَ ذلك الأمرُ، وأصبحَ مكانَه الأمرُ بالتوجّهِ نحوَ بيتِ اللهِ الحرام، فالأمرُ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ بأن يتوجّهَ النبيُّ (ص) نحوَ بيتِ اللهِ الحرام يُعـدُّ ناسِخاً للأمرِ السابقِ له بالتوجّهِ نحوَ بيتِ المقدِس. فأصبحَ الأمرُ بالتوجّهِ نحوَ بيتِ المقدسِ منسوخاً، والأمرُ بالتوجّهِ نحوَ بيتِ اللهِ الحرام ناسِخاً، وأنتَ مِن خلالِ سؤالكَ تريدُ أن تفرضَ أنّ ما كانَ منسوخاً ممكنٌ أن يكونَ ناسخاً في العصورِ القادمةِ أو في زمانِنا؟  وبعبارةٍ أخرى: إنّ التوجّهَ نحوَ بيتِ المقدسِ بعدَما كانَ منسوخاً ، هل يمكنُ أن يكونَ ناسِخاً في العصورِ القادمة؟ فالجوابُ أنّه لا مانعَ مِن ذلكَ بحسبِ الإمكانِ إن توفّرَت المصلحةُ في ذلكَ وِفقاً لمعيارِ النسخ، ولكن مِن أينَ لنا أن نعرفَ ذلكَ خصوصاً أنّ آياتِ القرآنِ العظيمِ قد خلَت مِن هكذا موردٍ، وكذلكَ الأحاديثُ عن النبيّ (ص) قد خلَت مِن ذلكَ أيضاً، والمعروفُ بينَ أهلِ العلمِ أنّه لا نسخَ بعدَ النبيّ الأكرمِ (ص)، وأمّا الأخبارُ الواردةُ عن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام فهيَ في مقامِ كشفِ النسخِ الواردِ على لسانِ النبيّ (ص). [ينظرُ مقباسُ الهدايةِ في علمِ الدرايةِ للمامقانيّ ج1/ص375]. ودمتُم سالِمين.