ما رأيُ علماءِ الشيعةِ في كتابِ (فصلِ الخطاب) للمُحدّثِ النوري الذي أوردَ فيه مئاتِ الرواياتِ في تحريفِ القرآن؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : هناكَ إجماعٌ مِن مُحقّقي الشيعةِ وعلمائِها على صيانةِ القرآنِ منَ الزيادةِ أو النقصان، ومعَ أنَّ مسألةَ حفظِ القرآنِ منَ التحريفِ منَ المُسلّماتِ عندَ جميعِ المُسلمين، إلّا أنَّ هناكَ الكثيرَ منَ الرواياتِ التي وردَت عن طريقِ أهلِ السنّةِ والشيعةِ يظهرُ مِنها وقوعُ النقصِ في القرآن، وقد أشكلَت هذهِ الرواياتُ على حشويّةِ أهلِ السنّةِ واخباريّةِ الشيعةِ، وما قامَ به المُحدّثُ النوريّ هوَ تتبّعُ هذه الرواياتِ مِن جميعِ مصادرِ المُسلمينَ ووضعِها في كتابٍ واحدٍ وهوَ كتابُه فصلُ الخطاب، الأمرُ الذي جعلَها ظاهرةً بعدَ أن كانَت مخفيّةً وضائعةً وسطَ الكُتبِ والمصادر، ففصلُ الخطابِ في حقيقتِه ليسَ فيه غيرُ الرواياتِ التي جمعَها مِن مصادرِ المُسلمين، وحينَها ينحصرُ الخلافُ بينَ قبولِ هذهِ الرواياتِ أو رفضِها، وقد تعرّضَ الميزرا النوريّ لهجومٍ شديدٍ لقيامِه بهذا العملِ، معَ أنَّ البعضَ نفى أن يكونَ قصدُه مِن هذا الكتابِ إثباتُ تحريفِ القُرآن، كما نقلَ تلميذُه المُحقّقُ أغا بزرُك الطهراني في كتابِه الذريعةُ عندَ ترجمتِه لكتابِ فصلِ الخِطاب بقولِه: (فصلُ الخطابِ في تحريفِ الكتابِ لشيخِنا الحاجّ ميرزا حُسين النوريّ الطبرستانيّ ابنُ المولي محمّد تقي بنِ الميرزا علي محمّد النوريّ.. ثمَّ يقولُ بعدَ ذكرِ ترجمتِه: أثبتُّ فيه عدمَ التحريفِ بالزيادةِ والتغييرِ والتبديلِ وغيرِها، ممّا تحقّقَ ووقعَ في غيرِ القُرآن، ولو بكلمةٍ واحدة، لا نعلمُ مكانَها، واختارَ في خصوصِ ما عدا آياتِ الأحكامِ وقوعَ تنقيصٍ عن الجامعين، بحيثُ لا نعلمُ عينَ المنقوصِ المذخورِ عندَ أهله؛ بل يعلمُ إجمالاً منَ الأخبارِ التي ذكرَها في الكتابِ مُفصّلاً، ثبوت النقصِ فقط) وبذلكَ لا يكونُ كتابُ فصلِ الخطابِ في موردِ إثباتِ تحريفِ القُرآن الذي بينَ أيدينا، فما هوَ موجودٌ كلُّه قرآنٌ مِن غيرِ أن يزيدَ فيهِ حرفٌ واحد، ولذا عندَما كتبَ الشيخُ محمود الطهراني رسالةً في الردِّ على فصلِ الخطابِ تحتَ عنوان (كشفُ الارتيابِ عن تحريفِ الكتاب) علّقَ عليهِ الميرزا النوري في رسالتِه بقولِه: (إنّ الاعتراضَ مبنيٌّ علی المُغالطةِ في لفظِ التحريف، فإنّه ليسَ مُرادي منَ التحريفِ التغييرُ والتبديل، بل خصوصُ الإسقاطِ لبعضِ المنزلِ المحفوظِ عندَ أهلِه. وليسَ مُرادي منَ الكتابِ القرآنُ الموجودُ بينَ الدفّتين، فإنّه باقٍ علی الحالةِ التي وضعَ بينَ الدفّتين في عصرِ عُثمان، لم يلحقهُ زيادةٌ ولا نقصان، بل المرادُ الكتابُ الإلهيّ المُنزَل) وعليهِ فإنَّ الميرزا النوري لا يعتقدُ بوجودِ زيادةٍ في القرآنِ الذي بينَ أيدينا ولكنّه لا يستبعدُ حدوثَ النقيصةِ بسببِ هذه الرواياتِ التي عملَ على جمعِها، وهذا ما لا يمكنُ قبولهُ والتسليمُ به، فالقرآنُ كما هو محفوظٌ منَ الزيادةِ كذلكَ محفوظٌ أيضاً منَ النقيصة، والرواياتُ التي جاءت على خلافِ ذلكَ إمّا ضعيفةٌ وإمّا قابلةٌ للتوجيهِ وإمّا ناظرةٌ للتّحريفِ في تفسيراتِ القرآنِ ومعانيه وليسَ في ألفاظِه. وإذا رجَعنا لكتابِ فصلِ الخطاب نجدُه قائماً على إثني عشرَ دليلاً، عشرةٌ مِنها مِن رواياتِ أهلِ السنّة، واثنانِ فقَط على مرويّاتِ الشيعة، ومعَ كثرةِ الرواياتِ التي تمَّ حشدُها في هذا الكتابِ إلّا أنّها لا تخلو جميعُها منَ الإشكالاتِ، وأفضلُ مَن تتبّعَ هذا الأمرَ هوَ العلّامةُ جعفر مُرتضى العاملي في كتابِه (حقائقُ هامّةٌ حولَ القرآنِ الكريم) حيثُ تتبّعَ هذهِ المرويّاتِ وقامَ بتفنيدِ كلِّ ما يدلُّ على تحريفِ كتابِ اللهِ تعالى، وبذلكَ أثبتَ بما لا يدعُ مجالاً للشكِّ صيانةَ القرآنِ مِن كلِّ نقصٍ وزيادة. وفي إجابةٍ على سؤالٍ حولَ كتابِ فصلِ الخطابِ يقولُ المُحقّقُ مُرتضى العاملي: بالنسبةِ لكتابِ فصلِ الخطابِ للمُحدّثِ النوري نقول: لقد خُدعَ هذا المُحدّثُ ـ أو فقُل انبهرَ ـ برواياتِ غيرِ الشيعةِ، فقد وجدَها مدوّنةً في أصحِّ الكتبِ عندَهم.. وكتابُه خيرُ شاهدٍ على ما نقول.. فإنّه يتألّفُ مِن إثني عشرَ دليلاً، عشرةٌ مِنها مأخوذةٌ مِن كتبِ أهلِ السنّة، ولربّما يوردُ منها نزراً يسيراً مِن كتبِ الشيعةِ.. ودليلانِ فقط مأخوذانِ مِن كتبِ الشيعة، ولربّما يوردُ مِنها نزراً يسيراً مِن كتبِ أهلِ السنّة. ويمكنُ تلخيصُ أدلَّتِه على النحوِ التالي: استدلَّ أوّلاً: برواياتِ أهلِ السنّة، وقليلٌ منها عن الشيعةِ، القائلة: بأنَّ ما وقعَ في الأممِ السالفةِ، سيقعُ في هذهِ الأمّة.. قالَ: ومِن ذلكَ تحريفُ الكتاب.ولكِنَّ هذا الاستدلالَ باطلٌ؛ لأنَّ المقصودَ بهذهِ الرواياتِ، هو حصولُ الصورةِ الكليّةِ مِن حيثُ الجوهرُ والمضمونُ، وذلكَ في خصوصِ الحوادثِ الاجتماعيّة، والسننِ التاريخيّة، بصورةٍ كليّة، وعامّةٍ.. وإلّا.. فإنَّ كثيراً منَ الأمور، قد حدثَت في الأممِ السالفةِ، دونَ هذهِ الأمّة، وذلكَ مثل: عبادةِ العِجل.. وتيهِ بني إسرائيل.. وغرقِ فرعون.. ومُلكِ سُليمان.. ورفعِ عيسى.. وموتِ هارون وهوَ الوصيُّ قبلَ موسى النبيّ.. وعذابِ الاستئصال.. وولادةِ عيسى مِن غيرِ أبٍ.. وقصّةِ أهلِ الكهف، وقصّةِ الذي أماتَه اللهُ مئةَ عام، ثمَّ بعثَه.. وغير ذلك.. فلو صحَّت الروايةُ.. فهيَ تدلُّ على وجودِ شبهٍ ما بينَ ما يقعُ في هذهِ الأمّة، وما يقعُ في الأممِ السالفة، مِن بعضِ الوجوه.فالتحريفُ الذي وقعَ في الأممِ السالفةِ، قد بُذلَت محاولةٌ لنظيرِه في هذهِ الأمّة، ولكن عنَدما فشلَت محاولاتُهم لتحريفِ النصِّ عمدوا إلى التحريفِ في معاني القرآن، وحدودهِ، وإن كانوا قد أقاموا حروفَه.. والنتيجةُ المتوخّاةُ منَ التحريفينِ الواقعين، في هذهِ الأمّة، وفي الأممِ الخالية، واحدة.. وممّا يدلُّ على صونِ القرآنِ منَ التحريفِ في حروفِه: أنّه أحدُ الثقلين اللذينِ يحفظانِ الأمّةَ منَ الضلالِ إلى يومِ القيامة، وأنّه كتابُ الشريعةِ الخاتمة، التي وعدَ اللهُ أن يُظهرَها على الدينِ كلّه ولو كرهَ الكافرون.. وهوَ أيضاً المعجزةُ الخالدة، والحُجّةُ الصامتةُ التي هيَ عدلُ الحُجّةِ الناطقة.. فلابدَّ ـ بعدَ إثباتِ صِفتي الإعجازِ، والخلودِ له ـ مِن حفظِه ليبقى إعجازُه.. أمّا الكتبُ السالفة، فلم تكُن هيَ معجزةُ الأنبياءِ أصلاً، فضلاً عن أن تكونَ مُعجزةً خالدةً، فلا يجبُ تكفُّلُ حفظِها منهُ تعالى.. كما لا بدّ مِن حفظِه منَ التحريفِ في ألفاظِه إلى يومِ القيامة، ليكونَ مع العترةِ حافِظاً للأمّةِ منَ الضلالِ كما قُلنا. والخلاصةُ: إنّه ليسَ المرادُ بالسننِ الواردةِ في الرواياتِ: السننُ الكونيّة، إذ ليسَ مِن سننِ الكونِ تحريفُ الكُتب، والتلاعبُ فيها، بل السنّةُ، هي بقاؤها سليمةً على حالِها. والتلاعبُ فيها، هوَ المخالفُ للسُّننِ الكونيّة، الجاريةِ على أصولٍ وقواعدَ، صحيحةٍ ودقيقة.. وعلى كلِّ حال، لو أرَدنا استعراضَ الآياتِ ـ بغضِّ النظرِ عن الرواياتِ ـ التي تذكرُ أحوالَ الأممِ الماضيةِ وسيرتَها المتوافقةَ مع ما يجري في هذهِ الأمّة، لاحتاجَ الأمرُ إلى كثيرٍ منَ التوسّعِ لا مجالَ له هُنا.. ابتداءً منَ التكذيبِ والعِناد، والرفضِ، ومحاولاتِ القتل، فضلاً عن التهديدِ والأذى، وقتلِ ذراري الأنبياء، والسعي إلى تحريفِ الكتبِ ولو بالمعنى، وحرقِها، والكذبِ بادّعاءِ ما ليسَ مِنها أنّه مِنها، وجعلِ أقوالِ أحبارِهم ورهبانِهم شريعةً وديناً، وتركِ موسى وهارون، وأهلِ بيتِ هارون.. و.. و.. كما في آيةِ رضاعِ الكبير، ورجمِ الشيخِ والشيخة، وغيرِ ذلك ـ نعم.. لو أرَدنا ذلك ـ لطالَ بنا المقام، واحتَجنا إلى تأليفٍ مُستقلٍّ، وقد حصلَ مثلُ ذلك في هذهِ الأمّة. واستدلَّ ثانياً: برواياتِ أهلِ السنّةِ حولَ جمعِ القرآنِ، وأنّه قَد كانَ بشاهدين، ممّا يعني: عدمَ تواترِ القرآنِ لنا، وإمكانيّةِ وقوعِ التحريفِ فيه.. والشيعةُ يرونَ عدمَ صحّةِ هذهِ الرواياتِ، ويثبتونَ: أنّه قد جُمعَ في عهدِ رسولِ الله «صلّى اللهُ عليهِ وآله» على يدِ عليٍّ بنِ أبي طالب «عليهِ السلام» كما ذكرَ في كتابِ حقائقُ هامّةٌ حولَ القرآن. كما أنَّ غيرَه منَ الصحابةِ قد جمعَه في عهدِ الرسولِ «صلّى اللهُ عليهِ وآله» ولو بصورةٍ جُزئيّة، بأن يكونَ قد فاتَه تدوينُ بعضِ سورِه كما هوَ الحالُ بالنسبةِ لابنِ مسعود، والقرآنُ أيضاً محفوظٌ لدى قرّاءِ الأمّةِ وحفّاظها، ومتواترٌ على لسانِ الألوفِ المؤلّفة، في جميعِ الطبقات.. واستدلَّ ثالثاً: برواياتِ أهلِ السنّةِ التي تحدَّثَت عن آياتٍ يُدّعى نسخُ تلاوتِها؛ فرفضَ نسخَ التلاوة، واعتبرَ هذه الرواياتِ دالَّةً على تحريفِهم الكتاب. ونحنُ نوافقُه على رفضِه لنسخِ التلاوة.. وبالنسبةِ لأمثلتِه، نقولُ: إنّها إماّ دعاءٌ، أو مِن كلامِ الرسولِ «صلّى اللهُ عليهِ وآله»، معَ تعرّضِها للتصرّفِ مِن قِبلِ الناقلينَ لها كما يدلُّ عليه ما يظهرُ عليها مِن ركاكةٍ في التعبير.. والحالُ أنّه «صلّى اللهُ عليهِ وآله» أفصحُ مَن نطقَ بالضادِ.. أو لعلّها مِن كلامِ بعضِ الصحابةِ، أو أخبارُ آحادٍ مكذوبةٌ، وضعَها أعداءُ الإسلام. ثمَّ استدلَّ رابعاً: برواياتِ أهلِ السنّةِ، حولَ اختلافِ مصاحفِ السلف، ورواياتِهم في تقديمِ وتأخيرِ بعضِ الآيات، وحولَ أنَّ ترتيبَ القرآنِ كانَ باجتهادٍ منَ الصّحابة.. ونقولُ: إنَّ هذه ِالرواياتِ لا يُعتدّ بها، ومعَ ذلكَ نقول: إنَّ هذا المقدارَ ـ لو سلِم ـ فهوَ لا يعني تحريفَ القرآن.. أمّا دليلهُ الخامس، فهوَ: اختلافُ مصاحفِ الصحابةِ في ذكرِ بعضِ الكلماتِ، والآياتِ والسور.. مثلَ سورتي الخلعِ والحفد، ونحوِها.. ونقولُ:أمّا بالنسبةِ للرّواياتِ حولَ بعضِ الكلماتِ، فهيَ: إمّا تفسيرٌ، أو تأويلٌ، أو دعاءٌ، وما إلى ذلك.. وأمّا بالنسبةِ لبعضِ الآياتِ والسورِ، فلا شكَّ في عدمِ صحّةِ تلكَ الرواياتِ فيها. واستدلَّ سادِساً: بأنَّ أبيَّ بنَ كعب، وهوَ أقرأ الأمّةِ كما يقولُ غيرُ الشيعة، قد زادَ في مصحفِه سورتي: الخلعِ والحفد.. أمّا الشيعةُ، فيقولونَ: إنَّ عليّاً وأهلَ بيتِه «عليهم السلام» هُم أقرأُ الأمّة. ولكنّنا نقول: إنّه لو صحَّت روايةُ ذلكَ عن أبي بنِ كعب، فلعلّه كتبَهما في مصحفِه على أنّهما دعاءٌ، ولم يكتُبهما على أنّهما قرآن.. ودليلهُ السابعُ هو: ما رواهُ أهلُ السنّةِ مِن إحراقِ عثمانَ للمصاحف، وحملِه الناسَ على قراءةٍ واحدة.. ونقولُ:إنَّ أميرَ المؤمنين عليّاً «عليهِ السلام»، قد أيّدَ عثمانَ في جمعِ الناسِ على قراءةٍ واحدة، لكثرةِ ما ظهرَ في الناسِ منَ اللحنِ في القراءة، والقراءةُ باللهجاتِ المُختلفةِ وغيرِ ذلك.. فهذا عملٌ صواب، هدفُه حفظُ القرآنِ منَ التحريفِ، وليسَ العكس. ولكنَّ عليّاً «عليهِ السلام» لم يرتضِ إحراقَه المصاحفَ، فإنَّ ذلكَ منهيٌّ عنه. ودليلهُ الثامن: هوَ رواياتُ أهلِ السنّةِ حولَ نقصِ القرآن، وذهابِ كثيرٍ مِن آياتِه وسورِه. ونقولُ: قد بحثَ الشيعةُ في هذهِ الرواياتِ، وأوضحوا أنّها لا تصلحُ للاستدلالِ بها، فراجِع كتابَ (حقائقُ هامّةٌ حولَ القرآنِ في فصولِه المُختلفة).واستدلَّ تاسعاً: بما وردَ في كتبِ الشيعة: مِن أنَّ أسماءَ الأئمّةِ «عليهم السلام» قد وردَت في الكتبِ السماويّةِ فلا بدَّ وأن تكونَ قد وردَت في القرآنِ أيضاً، ثمُّ حُذفَت. وأجابَه الشيعةُ: بأنّه لا مُلازمةَ بينَ تحريفِ الكتبِ السالفةِ في ألفاظِها، وتحريفِ القرآنِ في ألفاظِه، ولا بينَ ذكرِها فيها، وذكرِها فيه. إلّا إن كانَ المرادُ: أنَّ تحريفَ المعاني الذي حصلَ في هذهِ الأمّة، فإنّه يشبهُ تحريفَ النصوصِ الذي حصلَ في الكتبِ المُنزلةِ على الأممِ السّابقة. وقد وردَ في الرواياتِ عن الأئمّةِ «عليهم السلام» ما يدلُّ على أنَّ عدمَ ذكرِ اسمِ عليٍّ «عليهِ السلام» في القرآن، إنّما هوَ لئلّا يتعرّضَ القرآنُ للتحريف. واستدلَّ عاشراً: برواياتِ أهلِ السنّةِ حولَ اختلافِ القراءاتِ، ويدعمونَ ذلكَ بما وردَ مِن أنَّ القرآنَ قد نزلَ على سبعةِ أحرف. ونقولُ: إنَّ كتابَ (حقائقُ هامّةٌ حولَ القرآنِ الكريم) قد بيّنَ أنَّ القراءاتِ التي تتضمّنُ تبديلاً أو تحريفاً أو زيادةً أو نقيصةً في الكلماتِ لا يصحُّ، وأنَّ حديثَ نزولِ القرآنِ على سبعةِ أحرفٍ، لا يصحُّ أيضاً.. فراجِع ذلكَ الكتاب.. ودليلهُ الحادي عشر: هو رواياتٌ منسوبةٌ إلى الشيعةِ حولَ وقوعِ التحريفِ في القرآن. وقد ردَّه الشيعةُ ـ كما في كتابِ: حقائقُ هامّةٌ حولَ القرآنِ بأنّه استدلالٌ فاسد؛ لأنّها رواياتٌ ظاهرةُ التأويل، لأنَّ المرادَ بها تحريفُ المعنى لا اللفظ. كما أنَّ بعضَ الأحاديثِ النادرةِ الأخرى إنّما رواها الغلاةُ والضُّعفاء، والمنحرفونَ عن مدرسةِ أهلِ البيتِ «عليهم السلام»، وهيَ مُخالفةٌ للضرورةِ القطعيّةِ، فلا يلتفتُ إليها، ولا يعتدُّ بها.. وتقدّمَ أنَّ بعضَها يقصدُ بهِ ذكرُ التأويلِ والتفسيرِ المُنزَل، وليسَ ذلكَ منَ القرآنِ في شيء.. الثاني عشر: استدلَّ برواياتٍ كثيرةٍ، لربّما تصلُ إلى الألفِ روايةٍ، ذُكرَت فيها مواردُ مخصوصةٌ منَ الآياتِ المُحرَّفة.. يلاحظُ: أنَّ أكثرَها يدخلُ في الأقسامِ التي تقدّمَت، أو ترجعُ إلى التفسير، وشأنِ النزولِ أو التأويل، كما أنَّ التكرارَ فيها كثيرٌ وظاهر.. كما أنَّ أكثرَها مِن بابِ تكثيرِ الأسانيدِ لا أكثر.. كما يظهرُ منَ الحصيلةِ الروائيّةِ التالية: قد لاحَظنا كتابَ فصلِ الخطاب، فوجَدنا أنَّ أكثرَ مِن 320 روايةً منها تنتهي إلى السياري، الفاسدِ المذهبِ والمُنحرف، والغالي الملعونِ على لسانِ الصادقِ «عليهِ السلام»، والمطعونِ فيه مِن قبلِ جميعِ الرجاليّينَ. وأكثرُ مِن 600 مِن مجموعِ الألفِ عبارةٌ عن مكرَّراتٍ، والفرقُ بينَها، إمّا مِن جهةِ نقلِها مِن كتابٍ آخر، معَ وحدةِ السندِ، أو مِن طريقٍ آخر.. وغيرُ هذين القسمين؛ فإنَّ أكثرَ مِن مئةِ حديثٍ منها عبارةٌ عن قراءاتٍ مُختلفة، أكثرُها عن الطبرسي في مجمعِ البيانِ الذي يستقي مِن كتبِ أهلِ السنّةِ غالباً.. كما أنَّ أكثرَها مُشتركٌ نقلُه بينَ السنّةِ والشيعة، ولا سيما بمُلاحظةِ: أنَّ الطبرسيَّ كانَ مُهتمّاً جدّاً بالروايةِ عن رجالِ أهلِ السنّة، كقُتادةَ، ومُجاهدٍ، وعكرمةَ، وكثيرٍ غيرِهم. وما تبقَّى؛ فإنّما هوَ رواياتٌ قليلةٌ جدّاً لا تستحقُّ الذكرَ والالتفات. هذا كلّه.. عدا عَن أنَّ قِسماً مِن أخبارِ التحريف، منقولٌ عن عليٍّ بنِ أحمد الكوفي، الذي وصفَه علماءُ الرجالِ بأنّه كذّابٌ، فاسدُ المذهب.. وقسمٌ آخرُ منقولٌ عن آخرينَ ممَّن يوصفُ بالضعفِ، أو بالانحرافِ، كيونسَ بنِ ظبيان، الذي ضعّفَه النجاشيُّ، ووصفَه ابنُ الغضائري بأنّه: «غالٍ، كذّابٌ، وضّاعٌ للحديث». ومثلُ منخلَ بنِ جميلٍ الكوفي، الذي يقولونَ فيه: إنّه غالٍ، منحرفٌ، ضعيفٌ، فاسدُ الرواية. ومثلُ محمّدٍ بنِ حسن بنِ جمهور، الذي هوَ غالٍ، فاسدُ المذهبِ، ضعيفُ الحديث. وأمثالُ هؤلاءِ، لا يصحُّ الاعتمادُ على رواياتِهم في أبسطِ المسائلِ الفرعيّة، فكيفَ بما يروونَه في هذهِ المسألة، التي هيَ مِن أعظمِ المسائل، وأشدِّها خطراً، وعليها يتوقّفُ أمرُ الإيمان، ومصيرُ الإسلام. ولا بدَّ مِن دراسةٍ وافيةٍ لمعرفةِ السببِ، الذي دعا الغُلاةَ وفاسدي المذهبِ للقيامِ بهذا الدورِ الهدَّام، في مجالِ إلصاقِ هذه الفريةِ بالقرآنِ الكريم. ولا شكَّ أنَّ ذلكَ ممّا تقرّ به عيونُ الزنادقة، ويبتهجُ له مردةُ اليهودِ والنصارى، ويشجّعونَه، ويُشِيعونَه، ما وجدوا إلى ذلكَ سبيلاً.. وبديهيٌّ أنَّ الغلاةَ ليسوا منَ الشيعة، ويتجنبُهم الشيعةُ، ويكفّرونَهم، فلا يصحُّ نسبةُ بدعِ الغُلاةِ وترَّهاتِهم إلى الشيعة.
اترك تعليق