لماذا دخل أمير المؤمنين (ع) في الشورى؟
السؤال: لماذا شارك أمير المؤمنين (عليه السلام) في الشورى التي أعدَّها عمر، رغم علمه بأنَّها خطةٌ مدبَّرةٌ لتحويل الأمر إلى شخصٍ آخر؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم –أيدك الله- أنَّ الشورى العمريَّة وفقًا لما ورد في أخبار المخالفين تمَّ تأسيسها بطريقةٍ تعسفيَّةٍ للغاية، حيث قام عمر بن الخطاب بتهديد أعضاء الشورى بالسيف، وأوصى عبد الرحمن إذا اجتمع خمسةٌ ورضوا رجلاً وأبى واحدٌ فاضرب رأسه بالسيف، وإنْ اتفق أربعةٌ فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رأسيهما، فإن رضي ثلاثةٌ رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم فحكّموا عبد اللّه بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد اللّه بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين [ينظر: تاريخ الطبريّ ج2 ص583، تاريخ المدينة ج3 ص930].
وقد نُفذّت وصيته، فلما بايع عبد الرحمن عثمان، وبايعه أهل الشورى معه، وتلكأ أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال عبد الرحمن له: «بايع، وإلا ضربت عنقك»، وفي خبرٍ آخر: قالوا كلُّهم: «بايع، وإلَّا جاهدناك» [أنساب الأشراف ج2 ص262، وج5 ص508]. فلو أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يحضر الشورى من أساس لكان ذلك أدعى لمقاتلتهم له وقتله، حيث اُمروا بقتل المتخلف.
وقد ذكر الأئمّة (عليهم السلام) وعلماء الإماميّة وجوهاً عديدة لبيان العلّة التي من أجلها دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) في الشورى، نذكر جملةً منها:
الأوّل: خوف القتل والهلاك:
إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) دخل في الشورى دفعاً لضرر القتل كما أُشير إليه في جواب الامام الرضا (عليه السلام) لـمّا سأله محمّد بن عرفة قال: «قلت للرضا (عليه السلام): يا ابن رسول الله، ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟ فقال: ما حمل جدّي أمير المؤمنين (عليه السلام) على الدخول في الشورى» [عيون أخبار الرضا (ع) ج١ ص١٥٢].
والعلّة في دخول الإمام الرضا (عليه السلام) في ولاية العهد هو دفع ضرر القتل، كما دلّت عليه النصوص الصحيحة المتظافرة:
(منها): ما رواه الصدوق بسندٍ صحيحٍ عن الرضا (ع): «قد علم الله كراهتي لذلك، فلما خُيِّرتُ بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم أما علموا أنَّ يوسف (ع) كان نبياً ورسولاً دفعته الضرورة إلى تولي خزائن العزيز {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراهٍ وإجبار ٍبعد الاشراف على الهلاك» [عيون أخبار الرضا (ع) ج2 ص151].
(ومنها): ما رواه بسندٍ صحيحٍ عن أبي الصلت الهروي: «قال المأمون: فبالله أقسم، لئن قبلت ولاية العهد وإلَّا أجبرتك على ذلك، فإنْ فعلتَ وإلَّا ضربتُ عنقك!
فقال الرضا (عليه السلام): قد نهاني الله تعالى أنْ ألقيَّ بيدي إلى التهلكة، فإنْ كان الامر على هذا فافعل ما بدا لك، وأنا أقبل على أنّي لا أولي أحداً، ولا أعزل أحداً، ولا أنقض رسماً ولا سنةً، وأكون في الامر من بعيدٍ مشيراً. فرضي منه بذلك، وجعله ولي عهده على كراهة ٍمنه عليه السلام بذلك» [عيون أخبار الرضا (ع) ج١ ص١٥٢].
الثاني: إظهار كذب: "لا تجتمع النبوة والخلافة في أهل البيت"
إنّ عمر بن الخطّاب زعم أنّ الله أبى أنْ يجمع النبوّة والخلافة في آل عبد المطلب، ونسب ذلك للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فلـمّا أدخل عمرُ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) في الشورى، طاوعه الإمام ليكون إدخالُه إيّاه في الشورى تكذيباً لقوله السابق وحديثه الذي اختلقه ونسبه للنبيّ (صلى الله عليه وآله)، واعترافاً بأهليّة أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) للخلافة والزعامة.
وقد صرّح بهذا الغرض أمير المؤمنين (عليه السلام) لـمّا أشار العبّاس بن عبد المطّلب عليه – لـمّا كتب عمر اسمه في الشورى وجعله آخر القوم – أنْ لا يدخل في الشورى لأنّهم سيخرجونه منها، فلَـم يجبه الإمام بشيءٍ حتّى بُويع عثمان، فقال له العبّاس: ألَـم أقلْ لك؟ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) «يا عم، إنّه قد خفيَّ عليك أمرٌ، أما سمعت قوله [أي عمر] على المنبر: ما كان الله ليجمع لأهل هذا البيت الخلافة والنبوّة، فأردتُ أنْ يكذِّب نفسه بلسانه، فيعلم الناس أنّ قوله بالأمس كان كذباً باطلاً وأنّا نصلح للخلافة» [علل الشرائع ج١ ص١٧١].
وفي كتاب سليم: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «وإنّا معشر الشورى الستة أحياء كلّنا، فلِمَ جعلني عمر في الشورى إنْ كان قد صدق هو وأصحابه على رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في غيرها؟ فإنْ زعمتم أنه جعلها شورى في غير الإمارة فليس لعثمان إمارةٌ علينا ولا بد من أن نتشاور في غيرها؛ لأنَّه أمرنا أن نتشاور في غيرها؟ وإنْ كانت الشورى فيها فلِمَ أدخلني فيكم؟ فهلّا أخرجني وقد قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخرج أهل بيته من الخلافة، فأخبر أنّه ليس لهم فيها نصيب؟» [كتاب سليم ص205].
الثالث: إقامة الحجّة على القوم:
إنّ دخول الإمام (عليه السلام) كانت فرصةً مناسبةً لإيراد النصوص الناصّة على خلافته، والاحتجاج بفضائله وسوابقه وغير ذلك ممّا يدلّ على أنه أحق الخلق بالأمر، فقد كانت الشورى ظرفاً مناسباً للاحتجاج عليهم، فكان دخوله فيها ذريعةً إلى التنبيه على الحق بحسب الإمكان على ما وردت به الرواية، فإنَّها وردت بأنه (عليه السلام) عدَّد في ذلك اليوم جميع فضائله ومناقبه أو ذكر بها [ينظر: الاحتجاج ج١ ص١٩٣].
قال أبو الصلاح الحلبي: (وأما دخوله في الشورى، فللضرورة الداعية إلى ذلك؛ إذ كان العاقد لها موجبا على القوم الذين يخبرهم الدخول فيها.. وليحتج (ع) على القوم بمناقبه وذرائعه إلى الخلافة، وما أنزل الله فيه، وذكره رسوله (صلى الله عليه وآله) من النصوص الدالة على إمامته، وما كان متمكناً لولا دخوله في الشورى من ذلك، فصار دخوله لهذا الوجه واجباً) [تقريب المعارف ص225].
الرابع: احتمال الوصول إلى الحقّ:
إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) - مع علمه بأنّ الشورى العمريّة خطّةٌ مدبّرةٌ لتولية عثمان بن عفّان وصرف الأمر عنه، كما أوضحناه في جوابٍ سابقٍ – كان يجوّز أنْ يذعن أهل الشورى له ولا يتكبّروا على الجعل الإلهيّ والتنصيب النبويّ، فيرشدوا ويتركوا غيّهم وباطلهم. فكان دخوله (عليه السلام) في الشورى لأنّها إحدى الطرق والأسباب المتاحة للوصول إلى استحقاقه والتمكين من الأمر والقيام فيه بحدود الله، وللإنسان أنْ يتوصل إلى حقه ويتسبب إليه بكلّ أمرٍ لا يكون قبيحاً، وقد قال (عليه السلام) يومئذ: «اليوم أُدخِلْتُ في بابٍ إنْ أُنصِفْتُ فيه وصلتُ إلى حقّي» [الفصول المختارة ص٧٠].
ويمكنكم مراجعة: ما ذكره الشيخ المفيد في [مسألتان في النص على علي ص28]، والسيد المرتضى في [الشافي ج2 ص154]، والشيخ الطوسيّ في [الاقتصاد ص211، الرسائل العشر ص125]، وأبي الصلاح الحلبيّ في [تقريب المعارف ص225]، والتقي المجلسيّ في [روضة المتقين ج5 ص317]، والشيخ المظفر في [دلائل الصدق ج7 ص351] وغيرهم.
نكتفي بهذا القدر والحمد لله أولاً وآخراً.
اترك تعليق