منقبةٌ لأمير المؤمنين (عليه السلام)
السؤال: ما مدى صحَّة الحديث الذي يتحدَّث عن فضل عليّ بن أبي طالب والذي يقول: «لولا أنْ تقول فيك طوائفُ من أمَّتي ما قالت النصارى...الحديث»؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم ـ عزيزي السائل ـ بأنَّ الحديث المشار إليه في السؤال مرويٌّ عند العامَّة والخاصَّة بشكلٍ مستفيض، ولاستيفاء الكلام فيه نتكلَّم في مقامين:
المقام الأوَّل: في نصِّ الحديث.
1ـ روى يحيى بن الحسين الشجريّ بسنده عن محمَّد بن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدِّه، أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال لعليٍّ (عليه السلام): «والذي نفسي بيده، لولا أنْ تقول فيك طوائفُ من أمَّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلتُ فيك اليوم مقالاً لا تمرُّ بأحدٍ من المسلمين إلَّا أخذوا التراب من أثر قدميك، يطلبون به البركة» [ترتيب الأمالي الخميسيَّة ج1 ص175].
2ـ وروى أيضاً بسنده عن علي (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «يا عليُّ، إنَّ فيك مثلاً من عيسى ابن مريم (عليه السلام) أحبَّته النصارى حتَّى أنزلته بالمنزل الذي ليس له، وأبغضته اليهود حتَّى بهتوا أمَّه، ولولا أنْ تقول فيك طوائفُ من أمَّتي ما قالت النصارى في المسيح ابن مريم، لقلتُ فيك قولاً لا تمرُّ بملأٍ من أمَّتي إلَّا أخذوا من ترابك، وطلبوا فضل طهورك، ولكنْ أنت أخي، ووزيري، وصفيي، ووارثي، وكعبة علمي» [ترتيب الأمالي الخميسيَّة ج1 ص179].
3ـ وروي في العِلل بالإسناد عن جابر بن عبد الله، قال: لما قدم عليٌّ على رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) بفتح خيبر، قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): «لولا أنْ يقول فيك طوائفُ من أمَّتي ما قالت النصارى في المسيح بن مريم، لقلتُ فيك اليوم قولاً….وذكر الحديث» [العلل لابن أبي حاتم ج3 ص369].
4ـ وروي في كتاب سُليم بن قيس قال: سمعتُ سلمان يقول: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لعليٍّ (عليه السلام): «لولا أنْ تقول طوائف من أمَّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلتُ فيك مقالةً تتبع أمَّتي آثار قدميك في التراب فيقبلونه» [كتاب سُليم ص ٤١٢].
وانظر أيضاً: [تفسير فرات الكوفيّ ص405، الكافي ج8 ص57، الأمالي للصدوق ص156، روضة الواعظين ج1 ص262، تأويل الدعائم للقاضي المغربيّ ج1 ص232، المعجم الكبير للطبرانيّ ج1 ص320، مناحل الشفا للنيسابوريّ ج5 ص514، المناقب للخوارزميّ ص129، كفاية الطالب للكنجيّ ص264، مجمع الزوائد للهيثميّ ج9 ص131، ينابيع المودَّة للقندوزيّ ج1 ص200] وغيرها الكثير.
المقام الآخر: في صحَّة الحديث.
لبيان صحَّة الحديث وقبوله نذكر جملةً من الوجوه، منها:
1ـ تعدّد طرق الحديث، فإنَّ الملاحظ في هذا الحديث أنه مرويٌّ من أربعة طرق، ومن الواضح أنَّ تعدد الطرق من القرائن المهمَّة على الصحَّة والقبول، فقد قال ابن تيمية في كلام له: (إنَّ تعدد الطرق وكثرتها يُقوِّي بعضها بعضاً حتَّى قد يحصل العلم بها، ولو كان الناقلون فجَّاراً فسَّاقاً، فكيف إذا كانوا علماء عدولاً، ولكن كثر في حديثهم الغلط) [مجموع الفتاوى ج18 ص26]. ولعلَّ النكتة في هذا الأمر هي بلوغ الأحاديث حـدَّ الاستفاضة التي يُطمئن معها من صدور الحديث وصحَّته.
2ـ ما قاله الشيخ محمَّد حسن المظفَّر (طاب ثراه) من أنَّ روايات العامَّة (في مناقب أهل البيت ومثالب أعدائهم محكومةٌ بوثاقة رجال سندها وصدقهم في تلك الرواية، وإنْ لم يكونوا ثقاتٍ في أنفسهم، ضرورة أنَّ من جملة ما تُعرف به وثاقة الرجل وصدقه في روايته التي يرويها عدم اغتراره بالجاه والمال، وعدم مبالاته ـ في سبيلها ـ بالخطر الواقع عليه، فإنَّ غير الصادق لا يتحمَّل المضار بأنواعها لأجل كذبةٍ يكذبها لا يعود عليه فيها نفع، ولا يجد في سبيلها إلَّا الضرر! ومن المعلوم أنَّ من يروي في تلك العصور السالفة فضيلةً لأمير المؤمنين (عليه السلام) أو منقصةً لأعدائه فقد غرَّر بنفسه، وجلب البلاء إليه). ثمَّ ذكر (طاب ثراه) قصَّة قتلهم الحافظ ابن السقَّاء، لروايته حديث الطير فقط! وقصَّة قتلهم النسائيّ الذي رفض مدح معاوية وحسب! وقصَّة جلدهم نصر بن عليِّ بن صهبان ألف سوط بأمر المتوكِّل لروايته في فضل الحسن والحسين (عليهما السلام)! وغيرها. ثمَّ قال (طاب ثراه): (فظهر ـ ممَّا ذكرنا ـ لكلِّ متدبِّر: أنَّ جميع ما روي في مناقب آل محمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وكذا مثالب أعدائهم، حقٌّ لا مرية فيه، ولا سيَّما مع روايته عندنا، وتواتر الكثير منه، فيكون ممَّا اتفق عليه الفريقان، وقام به الإسنادان) [يُنظر: دلائل الصدق ج1 ص7 ـ 25].
3ـ التسامح في أدلَّة الفضائل، فقد نُقل عند العامَّة والخاصَّة التسامح في أدلَّة الفضائل والمناقب، فقد عُرف من طريقة أحمد بن حنبل وغيره من العلماء (التسامح في رواية أحاديث الفضائل دون أحاديث الأحكام) [يُنظر: القول المسدد لابن حجر ص27، فيض القدير للمنَّاوي ج4 ص33، تنزيه الشريعة المرفوعة للكتانيّ ج2 ص49، الأذكار النوويَّة ص248، ذكرى الشيعة للشهيد الأوَّل ج2 ص34، إيضاح الفرائد للتنكابنيّ ج2 ص158، هداية المسترشدين للأصفهانيّ ج3 ص466] وغيرها.
والنتيجة المتحصَّلة من كلِّ ذلك، أنَّ الحديث المشار إليه مرويٌّ في أكثر من مصدر، وهو من الأخبار المستفيضة والصحيحة..
والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق