هل صحَّ أنَّ أمير المؤمنين تبوَّل ثمَّ توضأ فمسح على نعليه؟

السؤال: هناك روايةٌ في كتاب (وسائل الشيعة) تنصُّ على أنَّ أهل الكوفة يروون عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) «أنَّه كان في الكوفة، فبال حتَّى رغا، ثمَّ توضأ، ثمَّ مسح على نعليه ...» فما صحَّة هذه الرواية؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

يُشير الأخ السائل إلى ما رواه الشيخ الصدوق (طاب ثراه) عن أبيه (رحمه الله) قال: حدَّثنا عبد الله جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن محمَّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن منصور بن حازم، عن إبراهيم بن معرض، قال: «قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام): إنَّ أهل الكوفة يروون عن عليٍّ (عليه السلام) أنَّه كان بالكوفة، فبال حتَّى رغا، ثمَّ توضأ، ثمَّ مسح على نعليه، ثمَّ قال: هذا وضوء من لم يُحدث. فقال: نعم، قد فعل ذلك. قال: فأيُّ حدثٍ أحدث من البول؟ فقال: إنما يعني بذلك التعدِّي في الوضوء، أنْ يزيد على حدِّ الوضوء» [معاني الأخبار ص٢٤٨، وسائل الشيعة ج1 ص310].

وروى من العامَّة أحمد بن حنبل وغيره عن الأعمش عن أبي ظبيان قال: «رأيتُ علياً بال في ‌الرحبة ‌حتَّى ‌رغا، ثمَّ توضأ ومسح على نعليه، ودخل المسجد فنزع نعليه وصلَّى» [العلل ومعرفة الرجال ج3 ص166، معجم ابن المقرئ ص342].

والمراد من قوله: «حتَّى رغا» أي صار له رغوةٌ وزبد، أو كان له صوت، كما يدلُّ عليه الجذر اللغوي لكمة (رغو) [يُنظر: مقاييس اللغة ج2 ص415].

إذا بان هذا، فلنا بعض الوقفات مع هذا الخبر نذكرها في جهتين:

الجهة الأولى: (سند الحديث):

الملاحَظ أنَّ السند يشتمل على الراوي إبراهيم بن معرض الكوفيّ، عدَّه الشيخان البرقيُّ والطوسيُّ من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام)، ولَـم يُنصَّا على وثاقته، ولذا فهو مجهول الحال، وبذلك يتبيَّن الحال في سند الرواية. [يُنظر: تنقيح المقال ج4 ص٣٩٢، معجم رجال الحديث ج1 ص272، مستدركات علم الرجال ج1 ص320].

الجهة الثانية: (دلالة الحديث):

أوَّلاً: إنَّ الخبر قد تضمَّن اقتراب أهل الكوفة من أمير المؤمنين (عليه السلام) حال التبوُّل بشكلٍ كبيرٍ؛ وذلك لوصفهم البول بأنه رغا ـ بالمشاهدة أو بسماع الصوت ـ وهذا مخالفٌ لتعاليم الأئمَّة (عليهم السلام)، ولسيرتهم في التباعُد والتستُّر حال التخلِّي، بل ومخالفٌ لما نعتقده من ابتلاع الأرض بول المعصوم ونجوه، من ذلك:

1ـ ما رواه البرقيُّ (طاب ثراه) بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال لقمان لابنه: ... وإذا أردت قضاء حاجةٍ فابعد المذهب في الأرض» [المحاسن ج2 ص375].

2ـ وما رواه الشيخ المفيد (طاب ثراه) عن جندب بن عبد الله الأزديّ قال: «شهدتُ مع عليٍّ (عليه السلام) الجمل وصفِّين لا أشك في قتال مَن قاتله، حتَّى نزلنا النهروان ... فركزتُ رمحي ووضعت ترسي إليه واستترتُ من الشمس، فإنِّي لجالسٌ حتَّى ورد في أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لي: يا أخا الأزد، أمعك طهور؟ قلت: نعم، فناولته الإداوة، فمضى حتَّى لم أره» [الإرشاد ج1 ص317].

3ـ وما رواه الطبرسيُّ (طاب ثراه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «والله ما أوتي لقمان الحكمة لحسبٍ ولا مال ... لم ينم نهاراً قطُّ، ولم يتكئ في مجلس قومٍ قط، ولم يتفل في مجلس قومٍ قط، ولم يعبث بشيءٍ قط، ولم يره أحدٌ من الناس على بولٍ ولا غائطٍ قط، ولا على اغتسال؛ لشدَّة تستُّره وتحفُّظه» [مجمع البيان ج8 ص84].

4ـ وما رواه الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن عليِّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) قال: «للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس ... ويستوى عليه درع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، ولا يرى له بولٌ ولا غائط؛ لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد وكَّل الأرض بابتلاع ما يخرج منه» [من لا يحضره الفقيه ج٤ ص٤١٨].

5ـ وما رواه ابن شهر آشوب (طاب ثراه) عن عائشة قالت: «قلتُ: يا رسول الله، إنَّك تدخل الخلاء، فإذا خرجتَ دخلتُ على إثرك فما أرى شيئاً إلَّا أني أجد رائحة المسك؟ فقال: إنَّا معشر الأنبياء تنبت أجسادنا على أرواح الجنَّة، فما يخرج منه شيءٌ إلَّا ابتلعته الأرض» [مناقب آل أبي طالب ج1 ص108].

وثانياً: إنَّ معنى قوله: «مسح على نعليه» هو: مسح على قدميه حال كونهما في النعلين، ويشهد لهذا: أنَّه ورد في بعض ألفاظ الحديث عند العامَّة: «ثمَّ مسح على نعليه وقدميه» [كنز العمَّال ج9 ص435]، إذْ بعض النعل ـ كالنعل العربيِّ ـ لا يمنع من المسح على المقدار الواجب مسحه، كما نصَّت بعض الروايات وصرَّح بذلك العلماء.

فالشيخ الطوسيُّ (طاب ثراه) ـ بعد أنْ روى روايةً في أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مسح على النعلين ـ علَّق عليها بقوله: (يعني إذا كانا عربيين؛ لأنَّهما لا يمنعان من وصول الماء إلى الرجل بقدر ما يجب فيه عليه المسح) [تهذيب الأحكام ج1 ص65].

وقال ابن إدريس (طاب ثراه): (فأمَّا النعال فما كان منها حائلاً بين الماء وبين القدم لم يجز المسح عليه، وما لم يمنع من ذلك جاز المسح عليه) [السرائر ج1 ص102].

وقال الشيخ الجواهريُّ (طاب ثراه): (قوله: «المسح على النعلين»... لا ينافي مسح محل الفرض مع المسح عليه) [جواهر الكلام ج2 ص235].

والمتحصَّل ممَّا سبق: أنَّ عبارة: «مسح على نعليه» يُـراد بها المسح على ظاهر القدمين حال كونهما في النعلين، ولا يراد به المسح على النعلين دون القدمين، إذْ إنَّ هذا الأمر خلافُ ما عليه المسلمون.

وثالثاً: إنَّ الخبر قد تضمَّن الرد على المبتدعة لغسل القدمين، بأنَّ المسح على القدم وضوءُ من لم يُحدث ويبتدع، فهذا معنى قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «هذا وضوء مَن لم يحدث» يعني: الحدث في الدين، ولا يعني بالحدث نقض الوضوء، ولهذا استغرب الراوي لما نقل للإمام الباقر أنَّ أمير المؤمنين نقض وضوءَه ثمَّ توضَّأ «ثمَّ قال: هذا وضوء من لم يحدث. فقال: نعم، قد فعل ذلك. قال: فأيُّ حدثٍ أحدث من البول؟ فقال: إنما يعني بذلك التعدِّي في الوضوء، أنْ يزيد على حدِّ الوضوء».

والنتيجة النهائية من كلِّ ذلك، أنَّ الخبر غير معتبرٍ سنداً، كما أنَّ متنه مشتملٌ على بعض الأمور التي لا يُمكن القبول بها عندنا، وأمَّـا المسح على النعلين فالمراد به المسح على القدمين.. والحمد لله ربِّ العالمين.