الناس وعلاقتهم بالإمام (ع)

قال تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ) ]الإسراء 71] الآية التي تشير إلى يوم ندعو فيه كل أناسٍ بإمامهم، فهل هذا التخصيص يقتصر فقط على الإنس فقط، أم يشمل الجنَّ أيضًا؟

: الشيخ إبراهيم البصري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا بدَّ أن نعلم أولاً أنَّ كلمة (أناس) التي وردت في الآية الشريفة تشير الى معنى (الانسان)، فقد ذكر ابن منظور، (عن المنذريّ، عن ابن الهيثم، أنَّ أصل معنى "الناس" من الأناس)، [ينظر: لسان العرب ج6 ص11]، وقد خفّفت الكلمة فصارت "ناس"، [ينظر: الصحاح تاج اللغة ج3 ص987]، والأنس – كما ذكر الفراهيديُّ – (جماعة من الناس)، [العين ج7 ص308]، فالأُنس جمع أنسي، و"الأُناس" جمع "إنس"، [المخصص ج1 ص44]، وعليه من خلال كتب المعاجم اللغوية، فالمعنى المستفاد من كلمة "أناس" هو الناس، أو جمع "إنس"، وبالتالي لا تتعدى دائرة اللفظ الى خارج معنى الانسان.

وعليه، فالمعنى المراد من الآية الكريمة أنَّ كلَّ مجموعةٍ من الناس يُدعَون بإمامهم، سواءٌ كان ذلك الإمام عادلاً أم فاسقاً، وسواءٌ كان ذلك الإمام من جنس البشر، أم غيره، فأمّا ما كان من جنس البشر، فشاهده ما ذكره البرقيّ عن ابن محبوب،عن عبد الله بن غالب ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، عن أبي جعفر (ع) قال :"لمّا أنزلت: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم}، قال المسلمون: يا رسول الله ألست إمام الناس كلهم أجمعين؟ فقال رسول الله (ص): أنا رسول الله إلى الناس أجمعين، ولكن سيكون بعدي أئمة على الناس من أهل بيتي من الله، يقومون في الناس فيكذبونهم ويظلمونهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، ألا فمن والاهم واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وأعان على ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وأنا منه برئ". [ المحاسن، ج ١، ص ٢١٥]، فهذا الخبر يشير الى إمام الهدى من أهل بيت النبي محمد (ص) ، وكذلك أشار الى أئمة أهل الكفر والضلال الذين يدعون الناس الى الباطل، فسيحشر أولئك الناس مع أئمة الضلال الذين يتولونهم. وأمّا ما كان من غير جنس البشر، فشاهده المرويُّ عن الصفّار عن الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد الأصفهانيّ، عن سلطان بن مرة، عن إسحاق بن حسان، عن الهيثم بن واقد، عن علي بن الحسين العمريِّ، عن سعد الإسكاف، عن الأصبغ بن نباتة قال: (أمرنا أمير المؤمنين ع بالمسير إلى المداين من الكوفة، فسرنا يوم الأحد وتخلّف عمرو بن حريث في سبعة نفر، فخرجوا إلى مكان بالحيرة تسمى الخورنق، قالوا نتنزّه، فإذا كان يوم الأربعاء لَحَقَنا علياً (ع) قبل ان يجمع، فبينما هم يتغذون إذ خرج عليهم ضبٌّ فصادوه، فأخذه عمرو بن حريث، فبسط كفاً فقال بايعوه، هذا أمير المؤمنين، فبايعه السبعة، وعمرو ثامنهم، وارتحلوا ليلة الأربعاء، فقدموا المدائن يوم الجمعة، وأمير المؤمنين (ع) على المنبر يخطب، ولم يفارق بعضهم بعضاً، وكانوا جميعاً حتى نزلوا باب المسجد، فلما دخلوا نظر إليهم أمير المؤمنين (ع) فقال:"يا أيها الناس ان رسول الله (ص) أسرَّ إلي الف حديث، في كلِّ حديثٍ الف بابٍ، لكلِّ بابٍ مفتاح، وانى سمعت الله يقول: {يوم ندعو كل أناس بامامهم}، واني أقسم لكم بالله لتبعثن ثمانية نفر إمامهم الضبّ، ولو شئت أن أسميهم فعلت"، قال: فلو رأيت عمرو بن حريث ينتقض كما تنتقض السعفة حياء ولوماً".[بصائر الدرجات ص ٣٢٦]، وذكر الكلينيُّ في خبره عن النوفليِّ، عن السكونيِّ ،عن أبي عبد الله ( ع ) قال: "قال رسول الله (ص ): يجيئ كلُّ غادرٍ - يوم القيامة - بإمامٍ مائلٍ شدقه حتى يدخل النار، ويجيئ كلُّ ناكث بيعة إمامٍ أجذم حتى يدخل النار". ] الكافي ج ٢ ص ٣٣٧].

على أنَّه ينبغي التنبيه بأنّ هذا النداء يكون في عرصات يوم القيامة، إذ ينادى كلُّ قوم بإمامهم الذي بايعوه، كما في الخبر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): (قال الامام علي (ع): "الأئمة قوام الله على خلقه" - أي يقومون بمصالحهم - وقيم المنزل : هو المدبر له، قال : (" وعرفاؤه على عباده " ، جمع عريف ، وهو النقيب والرئيس ، يقال : عرُف فلان بالضم عرافة بالفتح ، مثل خطب خطابة أي صار عريفا ، وإذا أردت أنه عمل ذلك قلت : عرف فلان علينا سنين ، يعرف عِرافة بالكسر ، مثل كتب يكتب كتابة، قال : " ولا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه " ، هذا إشارة إلى قوله تعالى : { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } قال المفسرون : ينادى في الموقف : يا أتباع فلان ، ويا أصحاب فلان ، فينادى كل قوم باسم إمامهم ، يقول أمير المؤمنين (ع) : لا يدخل الجنة يومئذ إلا من كان في الدنيا عارفا بإمامه ، ومن يعرفه إمامه في الآخرة ، فإن الأئمة تعرف أتباعها يوم القيامة ، وإن لم يكونوا رأوهم في الدنيا ، كما أن النبي (ص) يشهد للمسلمين وعليهم ، وإن لم يكن رأى أكثرهم ، قال سبحانه : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا }) [شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٩ ص١٥٤].

وعليه، فالمستفاد من الآية الكريمة بحسب ظاهرها أن كلَّ قومٍ من الناس يُحشرون مع من كانوا يتولون، ولا تشمل هذه الآية الكريمة غير الناس، وإن كانت هناك نصوص أخرى بالنسبة إلى الجنّ لها علاقة بهذا الموضوع؛ لأنَّه وقع عليها التكليف، من قبيل رواية رزين الأنماطيَّ في حادثة الحُمُر، في خبره عن الامام الصادق (ع)، عن آبائه (ع) أنَّ أمير المؤمنين (ع) عندما كان في الكوفة، دخل عليه يهوديٌّ .... فقال الجنُّ: الطاعة لله ولرسوله ولوصيِّه)، [الثاقب من المناقب ج1 ص270].

وأيضاً ما ذكره ابن شهر آشوب (عليٌّ إمام الانس والجن)، [مناقب آل أبي طالب ج3 ص48]، بل زاد العلّامة الحليُّ سعة دائرة إمامتهم (ع) لتشمل عالم الإمكان مطلقاً، [كشف المراد ج1 ص601]، وقد بيّنا ذلك في جوابٍ منفصلٍ.

ونكتفي بهذا القدر من الجواب عن السؤال، والحمد لله ربِّ العالمين.