رجوع المختار الثقفيّ لمحمد بن الحنفيَّة
السؤال: لماذا قصد المختار محمد بن الحنفيَّة لتأييده حين أراد القيام طلبًا للثأر من قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)، ولم يقصد الإمام السجَّاد (عليه السلام)؟
الجواب:
تدلُّ بعض الروايات على أنّ محمد بن الحنفيَّة كان موكّلاً من قبل الإمام السجَّاد (ع)، حيث كان النظام الأمويّ الحاكم مراقِباً لتحرّكات الإمام (ع)، فلو صدر تأييد المختار من الإمام السجَّاد (ع) للاحقه الأمويّون ولقتلوه فوراً، فكانت الحكمة تقتضي إرجاع الناس إلى أحد المقرّبين منه كابن الحنفيَّة.
قال السيّد الخوئيُّ (رحمه الله): (إنّ خروج المختار وطلبه بثأر الحسين (عليه السلام)، وقتله لقتلة الحسين (عليه السلام)، لا شكّ في أنّه كان مرضيّاً عند الله، وعند رسوله والأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، وقد أخبره ميثم، وهما كانا في حبس عبيد الله بن زياد، بأنّه يفلت ويخرج ثائراً بدم الحسين (عليه السلام)... ويظهر من بعض الروايات: أنّ هذا كان بإذنٍ خاصٍّ من السجَّاد (عليه السلام). وقد ذكر جعفر بن محمد بن نما في كتابه: أنّه اجتمع جماعةٌ قالوا لعبد الرحمان بن شريح: إنّ المختار يريد الخروج بنا للأخذ بالثأر، وقد بايعناه ولا نعلم، أرسله إلينا محمد بن الحنفيَّة أم لا؟ فانهضوا بنا إليه نخبره بما قدم به علينا، فإنْ رخّص لنا اتّبعناه وإنْ نهانا تركناه، فخرجوا وجاؤوا إلى ابن الحنفيَّة، إلى أن قال: فلمّا سمع (ابن الحنفيَّة) كلامه (عبد الرحمان بن شريح) وكلام غيره وحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي وقال: «أمّا ما ذكرتم ممّا خصّنا الله فإنّ الفضل لله يعطيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وأمّا مصيبتنا بالحسين فذلك في الذكر الحكيم، وأمّا الطلب بدمائنا قوموا بنا إلى إمامي وإمامكم عليّ بن الحسين»، فلمّا دخل ودخلوا عليه، أخبر خبرهم الذي جاؤوا لأجله، قال: «يا عمّ، لو أنّ عبداً زنجيّاً تعصّب لنا أهل البيت لوجب على الناس مؤازرته، وقد ولّيتك هذا الأمر، فاصنع ما شئت»، فخرجوا وقد سمعوا كلامه وهم يقولون: أذن لنا زين العابدين (عليه السلام) ومحمّد بن الحنفيَّة، القصة) [معجم رجال الحديث ج19 ص109].
وما قد يقال - من أنّ المختار رجع لابن الحنفيَّة؛ لأنه كان كيسانيّاً يعتقد إمامة محمد بن الحنفيَّة وكونه المهدي - فغير صحيح، فهو من تلفيقات أعدائه الأمويين والزبيريّين.
قال ابن نما الحلي: (اعلم أنّ كثيراً من العلماء لا يحصل لهم التوفيق بفطنة توقفهم على معاني الألفاظ، ولا روية تنقلهم من رقدة الغفلة إلى الاستيقاظ، ولو تدبّروا أقوال الأئمّة (عليهم السلام) في مدح المختار، لعلموا أنّه من السابقين المجاهدين الذين مدحهم الله (جلّ جلاله) في كتابه المبين. ودعاء زين العابدين (عليه السلام) للمختار (رحمه الله) دٌليل واضحٌ وبرهانٌ لائحٌ على أنّه عنده من المصطفين الأخيار. ولو كان على غير الطريقة المشكورة، ويعلم أنّه مخالفٌ له في اعتقاده، لَمَا كان يدعو له دعاءً لا يستجاب، ويقول فيه قولاً لا يُستطاب، وكان دعاؤه (عليه السلام) له عبثاً، والإمام (عليه السلام) منزّهٌ عن ذلك، وقد أسلفنا من أقوال الأئمّة في مطاوي هذا الكتاب تكرار مدحهم له، ونهيهم عن ذمه، ما فيه غنيةٌ لأولي الابصار، وبغيةٌ لذوي الاعتبار، وإنّما أعداؤه عملوا له مثالب ليباعدوه من قلوب الشيعة) [ذوب النضار ص145ـ146].
وقال السيد الخوئيّ: (إنَّه نسب بعض العامة المختار إلى الكيسانية، وقد استشهد لذلك بما في الكشيّ من قوله: والمختار هو الذي دعا الناس إلى محمد بن علي ابن أبي طالب، ابن الحنفيَّة، وسموا الكيسانيَّة وهم المختاريَّة، وكان بقية كيسان.. إلى آخر ما تقدم، وهذا القول باطلٌ جزماً، فإنّ محمد بن الحنفيَّة لم يدّعِ الإمامة لنفسه حتّى يدعو المختار الناس إليه، وقد قتل المختار ومحمّد بن الحنفيَّة حي، وإنّما حدثت الكيسانيّة بعد وفاة محمّد بن الحنفيَّة. وأمّا أنّ لقب مختار هو كيسان، فإنْ صح ذلك فمنشؤه ما تقدّم في رواية الكشيّ من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) له مرتين: «يا كيس، يا كيس». فثنّى كلمة كيس، وقيل: كيسان) [معجم رجال الحديث ج19 ص109ـ110].
وقال الشيخ عبد الله المامقانيّ: (ولا اشكال في إسلامه، بل كونه إماميّ المذهب، بل الظّاهر اتّفاق الخاصّة والعامّة عليه، بل الحقّ أنّه كان يقول بإمامة مولانا السجَّاد (ع). والّذى يدلّ على ما ذكرنا: أنّه لم يلقَ رسول اللّه (ص)، وإنّما سمع من أمير المؤمنين (ع) أنّه يقتل كذا وكذا ألفاً من بني اميّة، والعاميّ لا يعتقد في عليٍّ (ع) العلم بالعواقب بإذن اللّه تعالى وتوفيقه، وإنّما هو مذهب الإماميّة... بل الأقوى والأظهر أنّه كان يقول بإمامة السجَّاد (عليه السلام)، والّذى يدلّ عليه أمور...) [تنقيح المقال ج3 ص205]
في الختام، أحيل السائل والمتعطش للمعرفة إلى مراجعة ما كتبه العلمان السيد الخوئيّ في معجمه في ترجمة المختار، وكذا ما كتبه الشيخ عبد الله المامقانيّ حوله، وقد مرّ ذكر كتابيهما.
اترك تعليق