صِيَانَةُ القُرْآنِ مِنَ التَّحْرِيفِ عِنْدَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ مَعًا.

يُوسُفُ غالب مِنَ الأَرْدُنِ:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إِخْوَتِي: أَرْجُوكُمْ عَاجِلٌ،.......      هَذَا الكَلَامُ نَشَرَهُ شَخْصٌ مَسِيحِيٌّ حَاقِدٌ عَلَى صَفْحَتِهِ الطَّاعِنَةِ لِلإِسْلَامِ وَالقُرْآنِ الكَرِيمِ وَلِلنَّبِيِّ الأَعْظَمِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)،.......      وَكَانَ النَّصُّ هُوَ:      الإِتْقَانُ للسُّيُوطِيِّ.       وَرَوَى المُتَّقِي عَنْ زرِّ بْنِ حُبيْشٍ أَيْضًا، قَالَ: "قَال أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا زرُّ: كأَيّن تَقْرَأُ سُورَةَ الأَحْزَابِ؟ قُلْتُ: ثَلَاثُ وَسَبْعُونَ آيَةً. قَالَ: إِنْ كَانَتْ لَتُضَاهِي سُورَةَ البَقَرَةِ أَوْ هِيَ أَطْوَلُ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ..." (2).      كُنْتُ مُعْتَقِدًا أَنَّ الدَّاجِنَ أَكَلَتْ آيَةَ الرَّجْمِ وَرِضَاعَ الكَبِيرِ، طَلَعَتِ الدَّاجِنُ جَوْعَانَةً وَأَكَلَتْ نِصْفَ القُرْآنِ... الَّذِي أسْمَعُهُ يَقُولُ: إِنَّ اللهَ حَفِظَ القُرْآنَ مِنَ التَّحْرِيفِ بِدِّي أَحُطُّ إِصْبَعِي بِعَيْنِهِ.

: اللجنة العلمية

  الأَخُ يُوسُفُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

  اتَّفَقَ المُسْلِمُونَ سُنَّةً وَشِيعَةً عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ التَّحْرِيفِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ كِبَارُ مَرَاجِعِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ، يَقُولُ الشَّيْخُ الصَّدُوقُ، مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ الْقُمِّيُّ، المُتَوَفَّىٰ سَنَةَ 381 ه فِي كِتَابِ (الإِعْتِقَادَاتِ): "اعْتِقَادُنَا أَنَّ القُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ علىٰ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) هُوَ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْن، وَهُوَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَبْلَغُ سُوَرِهِ عِنْدَ النَّاسِ مِائَةٌ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً. وَمَنْ نَسَبَ إِلَيْنَا أَنَّا نَقُولُ إِنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَاذِبٌ" [الإِعْتِقَادَاتُ: 93].

 وَجَاءَ عَنِ السَّيِّدِ أَبِي القَاسِمِ الخُوئِيِّ، المَرْجِعِ الشِّيعِيِّ الكَبِيرِ: "المَعْرُوفُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ عَدَمُ وُقُوعِ التَّحْرِيفِ فِي القُرْآنِ، وَأَنَّ المَوْجُودَ بِأَيْدِينَا هُوَ جَمِيعُ القُرْآنِ المُنْزَلِ عَلَى النَّبِيِّ الأَعْظَمِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)". [الْبَيَانُ فِي تَفْسِيرِ القُرْآنِ: 200].

     وَجَاءَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَزِيرِي فِي "الفِقْه عَلَى المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ": "أَمَّا الأَخْبَارُ الَّتِي فِيهَا أَنَّ بَعْضَ القُرْآنِ المُتَوَاتِرِ لَيْسَ مِنْهُ، أَوْ أَنَّ بَعْضًا مِنْهُ قَدْ حُذِفَ، فَالوَاجِبُ علىٰ كُلِّ مُسْلِمٍ تَكْذِيبُهَا بَتَاتًا، وَالدُّعَاءُ علىٰ رَاوِيهَا بِسُوءِ المَصِيرِ". [الفِقْهُ علىٰ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ 4: 260].

     وَجَاءَ عَنْ ابْنِ الخَطِيبِ، مِنْ مُحَقِّقِي أَهْلِ السُّنَّةِ: "عَلَىٰ أَنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ وَأَمْثَالَهَا، سَوَاءٌ صَحَّ سَنَدُهَا أَمْ لَمْ يَصِحَّ، فَهِيَ علىٰ ضَعْفِهَا وَظُهُورِ بُطْلَانِهَا، قِلَّةٌ لَا يُعْتَدُّ بِهَا، مَا دَامَ إلىٰ جَانِبِهَا إِجْمَاعُ الأُمَّةِ، وَتَظَاهُرُ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تَدْمَغُهَا وَتُظْهِرُ أَغْرَاضَ الدِّينِ وَالمُشَرِّعِ بأَجْلَىٰ مَظَاهِرِهَا". [الفُرْقَانُ: 163].

     وَيَقُولُ الدُّكْتُورُ مُصْطَفَىٰ زَيْدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ :"وَأَمَّا الآثَارُ الَّتِي يَحْتَجُّونَ بِهَا.. فَمُعْظَمُهَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَنَحْنُ نَسْتَبْعِدُ صُدُورَ مِثْلِ هَذِهِ الآثَارِ بِالرُّغْمِ مِنْ وُرُودِهَا فِي الكُتُبِ الصِّحَاحِ، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ جَاءَتِ العِبَارَاتُ الَّتِي لَا تَتَّفِقُ وَمَكَانَةَ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، مِمَّا يَجْعَلُنَا نَطْمَئِنُّ إلىٰ اخْتِلَاقِهَا وَدَسِّهَا علىٰ المُسْلِمِينَ". [النَّسْخُ فِي القُرْآنِ 1: 283].

     وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إِلَى القَوْلِ بِوَضْعِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَاخْتِلَاقِهَا مِنْ قِبَلِ أَعْدَاءِ الإِسْلَامِ وَالمُتَرَبِّصِينَ بِهِ، يَقُولُ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: "مَا أَرَىٰ مِثْلَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ إِلَّا مِنْ كَيْدِ الزَّنَادِقَةِ" [نَوَادِرُ الأُصُولِ: 386].

     وَحَوْلَ الحَدِيثِ المَذْكُورِ - الوَارِدِ فِي فَرْضِ السُّؤَالِ - صَرَّحَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ هَادِي مَعْرِفَةٌ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَنْ لِسَانِ الصَّحَابيِّ الكَبِيرِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، إِذْ لَمْ يُعْهَدْ مِنْ مُصْحَفِهِ الإخْتِلَافُ مَعَ مَصَاحِفِ الآخَرِينَ بِذَلِكَ وَلَا احْتِمَالُهُ أَصْلًا. [رَاجِعْ: صِيَانَةَ القُرْآنِ مِنْ التَّحْرِيفِ: 147].

     هَذَا، مَعَ أَنَّ السُّيُوطيَّ نَفْسَهُ الَّذِي أَوْرَدَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، كَانَ قَدْ ذَكَرَهَا تَحْتَ عُنْوَانِ: مَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِهِ [رَاجِعْ: الإِتْقَانَ 2: 718]. فَهِيَ عَلَى مَبْنَى أَهْلِ السُّنَّةِ مِمَّا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا، وَهَذَا يَعْنِي عَدَمَ وُجُودِ نَقْصٍ فِي القُرْآنِ عَلَى مَبَانِيهِمْ أَيْضًا.

     وَالنَّتِيجَةُ: أَنَّهُ لَا قِيمَةَ عِلْمِيَّةٌ لِمَا يَدَّعِيهِ البَعْضُ مِنْ خَارِجِ الإِسْلَامِ عَلَى وُقُوعِ التَّحْرِيفِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ بَعْدَ هَذَا التَّسَالُمِ وَالإِجْمَاعِ مِنَ الأُمَّةِ - سُنَّةً وَشِيعَةً - عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ التَّحْرِيفِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ وَأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ وَتَنَاقَلَتْهُ الأَجْيَالُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنَقِيصَةٍ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.