رفع الأيدي إلى السماء

السؤال: لماذا ترفع الأيدي إلى السماء في الدعاء؟ ألأنّها جهة العلو لله (عزَّ وجلَّ)، كما يزعم السلفيّون؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

من أجل أنْ يكون الجواب واضحاً لدى السائل الكريم، سنتكلَّم في بادئ الأمر في عدَّة أمور:

الأمر الأوَّل: لا بدَّ أنْ يُعلم بأنَّ الله تعالى هو خالق كلِّ شيءٍ، ومنه خلق السماء، كما ورد في جملة من الآيات الكريمة، منها قوله سبحانه: ﴿ذلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾، [الأنعام:102]، ومنها قوله تعالى: ﴿قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾، [الرعد: 16]، ومنها قوله تعالى: ﴿الله الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ﴾ [إبراهيم:32]، إلى غيرها من الآيات المباركة.

الأمر الثاني: أنَّ الاعتقاد بوجود الله تعالى في السماء معناه الاعتقاد بوجوده في مكان، ولازم هذا كونه محتاجاً إلى المكان، والاحتياج من صفات المخلوق، وليس الخالق المنزَّه عن كلِّ نقص، ومنه المكان، كما لا يخفى.

الأمر الثالث: أنَّ القول الصحيح الخالي من عقيدة التجسيم الباطلة، والمنسجم مع لغة القرآن الكريم والسنَّة الشريفة، هو الاعتقادُ بأنَّ الله تعالى لا يخلو من مكان فهو محيطٌ بكلِّ شيءٍ، كما في قوله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله﴾ [البقرة:115]، وقوله تعالى:﴿إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾[فصِّلت: 54]، وغيرهما من الآيات المباركة.

وروي بالإسناد عن مقاتل بن سليمان قال: «سألت جعفر بن محمّد (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه: 5]؟ قال: استوى من كلِّ شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء» [بحار الأنوار ج3 ص336].

وبناءً على هذا، فلا يصحُّ القول بوجود الله تعالى في السماء، بل هو خالق السماء وموجِدها، كما تبيَّن آنفاً، ومنه يتَّضح بأنَّ (علَّة) رفع الأيدي في الدعاء إلى جهة السماء ليس من أجل وجود الله فيها، كما يُتوهَّم.

الأمر الرابع: أنَّ بعض الروايات الواردة عن أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) كشفت عن العلَّة في رفع الأيدي نحو السماء، فمن تلك الروايات:

1ـ ما رواه الشيخ الصدوق (ره) بسندٍ متَّصل عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «حدَّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء، ولينصب في الدعاء. فقال ابن سبأ: يا أمير المؤمنين، أليس الله في كلِّ مكان؟ قال: بلى. قال: فلم يرفع يديه إلى السماء؟ فقال: أو ما تقرأ: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات:22]، فمن أين يُطلب الرزق إلَّا من موضع الرزق، وموضع الرزق وما وعد الله، السماء» [علل الشرائع ج2 ص ٣٤٤].

2ـ وما رواه أيضاً بسنده عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله (عليه السلام) فكان من قول أبي عبد الله (عليه السلام) له...إلى أنْ يقول: «قال السائل: فما الفرق بين أنْ ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أنْ تخفضوها نحو الأرض؟ قال أبو عبد الله (عليه السلام): ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه (عزَّ وجلَّ) أمر أولياءَه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش، لأنه جعله معدن الرزق، فثبتنا ما ثبَّته القرآن والأخبار عن الرسول (صلَّى الله عليه وآله) حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله (عزَّ وجلَّ)، وهذا يجمع عليه فرق الأمَّة كلها» [التوحيد للصدوق ص243].

3ـ و ما رواه الشيخ الطبرسي (طاب ثراه) عن صفوان بن يحيى قال: «سألني أبو قرَّة المحدِّث صاحب شبرمة أنْ أدخله على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فاستأذنه، فأذن له، فدخل فسأله عن أشياء من الحلال والحرام، والفرائض والأحكام، حتَّى بلغ سؤاله إلى التوحيد ... إلى أنْ يقول: فقال أبو قرَّة: فما بالكم إذ دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إنَّ الله استعبد خلقه بضروب من العبادة، ولله مفازع يفزعون إليه، ومستعبد فاستعبد عباده بالقول، والعلم، والعمل، والتوجُّه، ونحو ذلك، استعبدهم بتوجيه الصلاة إلى الكعبة، ووجَّه إليها الحجّ والعمرة، واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرُّع، ببسط الأيدي ورفعها إلى السماء، لحال الاستكانة، وعلامة العبودية والتذلل له» [الاحتجاج للطبرسيّ ج2 ص184].

والنتيجة: أنَّ العلَّة في رفع الأيدي نحو السماء هي أنَّها من الأمور التعبديّة، وأنّها موضع الرزق وما وعد الله، وأنّها علامة العبوديّة والتذلّل، وإذنْ: فليس رفع الأيدي نحو السماء لوجود الله تعالى فيها كما قد يُتوهَّم.. والحمد لله ربِّ العالمين.