كيف يطلب الشيعة مِنْ بَشَرٍ مَيِّت؟
السؤال: مِنْ غَرَائِبِ الشِيعَة، يَطْلبُونَ مِنْ اللَّهِ الْفَرْج لِمَهْدِيّهمْ، وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ يَطْلبُونَ مِنْ الْمهْدِيّ الْفَرْج؟! كَيْفَ تَطْلُبُ مِنْ بَشَرٍ مَيِّتٍ أَوْ مُخْتَبِئ، أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجِك وَهُوَ عِنْدَمَا كَانَ حَيٌاً لَمْ يقْضِ حَوَائِجِه؟! أَيُّهُمْ أَقْرَبُ إلَيْك الْإِنْسَان الْمُحْتَاج الْفَقِير الْمُخْتَبِئ أَمِ اللَّهُ الْخَالِقُ، الْقَوِيُّ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ؟
الجواب:
«بسم الله الرحمن الرحيم»
من غرائب الشيعة، يطلبون من الله الفرج لمهديهم، وفي نفس الوقت يطلبون من المهدي الفرج؟! كيف تطلب من بشر ميت أو مختبئ، أن يقضي حوائجك وهو عند ما كان حي لم يقضي حوائجه؟! أيهم أقرب إليك الإنسان، المحتاج، الفقير المختبئ أم الله الخالق، القوي، الحي، القيوم؟
الجواب:
لابد لنا من التعرض إلى أمور مهمة جاءت في تسائل واستغراب السائل، ومن خلال هذه الأمور، يتضح لنا الجواب على السّؤال أنّ شاء الله تعالى، وهي:
أولاً: معنى ألدعاء وأهميتة, فقد ورد في روايات كثيرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أهل بيته الأطهار (عليهم السلام), إن الدعاء من أهم ضروريات الحياة، فهو يدفع البلاء، وإن الحذر لا ينجي من القدر، ولكن ينجي من القدر الدعاء، فتقدموا في الدعاء قبل أن ينزل بكم البلاء إن الله يدفع بالدعاء مانزل من البلاء وما لم ينزل, وينفذ في الأعداء، ومن أحب الأعمال إلى الله سبحانه على الأرض، وهو سلاح المؤمن، ومفتاح الرحمة ومصباح الظلمة, وأعجز الناس من عجز عن الدعاء, الى غير ذلك من المعاني الكثيرة الواردة في الروايات. [ بحار الأنوار, للمجلسي, ج 93, ص 300].
ثانياً: الطلب والدعاء يكون من الله تعالى, لكونه عبادة له تعالى: قال النبي (صلى الله عليه وآله): « أفضل عبادة أمتي بعد قراءة القرآن الدعاء ثم قرأ (صلى الله عليه وآله):
{ ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }, [ غافر,60]
ألا ترى أن الدعاء هو العبادة ». [ بحار الأنوار, العلامة المجلسي, ج ٩٠, ص ٣٠٠].
ثالثاً: لا تعارض ولا تنافي بين دعاء الله تعالى والطلب منه بالمباشرة أو بالواسطة التي لا تنفع إلا بإذن الله تعالى, بل لا فرق بينهما, بل الطلب منه بالواسطة أرجى لأستجابة الدعاء, فكما أمر الله تعالى بالطلب منه مباشرة كذلك أمر بأبتغاء الوسيلة أليه, كما يكثر في الروايات والأدعية المرويّة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام) ذكر التوسُّل، ومن ذلك: ما عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « ادعُ للحج في ليالي شهر رمضان بعد المغرب: اللهمّ بك أتوسَّل ومنك أطلب حاجتي، اللهمّ بذمة الإسلام أتوسّل إليك، وبحرمة القرآن أعتمد عليك، وبحبّي للنبي الأمي القرشي الهاشمي العربي التهامي المكّي المدني، صلواتك عليه وآله أرجو الزلفة لديك، فلا توحش استيناس إيماني، ولا تجعل ثوابي ثواب من عَبَدَ سواك ». [إقبال الأعمال، ابن طاووس, ج1، ص87].
ومنها: ما عن الإمام الصادق (عليه السلام) في أدعية يوم عرفة: « فبك أمتنع وأنتصر، وإليك ألجأ وبك أستتر، وبطاعة نبيّك والأئمّة عليهم السلام أفتخر، والى زيارة وليّك وأخي نبيِّك أبتدر، اللهمّ فبه وبأخيه وذريته أتوسَّل، وأسأل وأطلب في هذه العشية فكاكَ رقبتي من النار، والمقرَّ معهم في دار القرار، فإنَّ لك في هذه العشيّة رقاباً تعتقها من النَّار ». [ إقبال الأعمال، ابن طاووس, ج2، ص158].
ومنها: ما في زيارة الأربعين المروية عن صفوان بن مهران قال: « قال لي مولاي الصّادق عليه السلام في زيارة الأربعين: أنا يا مولاي عبد الله وزائرك جئتك مشتاقاً، فكن لي شفيعاً إلى الله، يا سيّدي، استشفع إلى الله بجدِّك سيّد النبيين، وبأبيك سيّد الوصيّين، وبأمّك سيّدة نساء العالمين، السَّلام عليك يا ابن رسول الله، السَّلام عليك يا ابن أمير المؤمنين سيّد الأوصياء ». [ إقبال الأعمال، ابن طاووس, ج3، ص101].
ومنها: ما في الدُّعاء ليلة النّصف من شعبان بعد أداء الركعتين: « اللهمّ صلّ على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ شجرةِ النُّبوَّة وموضع الرِّسالة ومختلفِ الملائكة ومعدنِ العلم وأهل بيت الوحي، وأعطني في هذه الَّليلة أمنيتي وتقبّل وسيلتي، فإنِّي بمحمَّد وعليٍّ وأوصيائهما إليك أتوسّل، وعليك أتوكّل، ولك أسأل ». [ مصباح المتهجِّد، الطوسي, ص833].
وايضا عليه فتوى علمائنا (رحم الله الماضين وحفظ الباقين) منها: ما عن سماحة المرجع الاعلى السيد السيستاني (دام ظله)
(السؤال: هل يجوز للمؤمن الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى من دون أيّة وسيلة؟
الجواب: يجوز ذلك، إلّا أنّ اقتران الدعاء بالتوسّل بالنبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ممّا يقرّب إجابته، كما ورد الحثّ للمذنب على أن يذهب إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) ليستغفر له، حيث قال تعالى: (ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً)، وليس ذلك عن حاجة له سبحانه إلى تقديم الوسيلة في ذلك، ولكنّه ممّا اقتضته حكمته البالغة تقديراً منه لعباده الصالحين). [موقع مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله), https://www.sistani.org/arabic/qa/0474/].
رابعاً: أنّ السّبب ألذي يجعل الشّيعة يطلبون من الإمام المهدي (عليه السلام) الفرج؛ لكونه وسيلة وواسطة بين فقراء الشيعة وبين الله تعالى, ففي الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « أبى الله أن يجري الأشياء إلّا بأسباب فجعل لكلِّ شيء سببا ». (الكافي، ج1، ص 183). فهو الوسيلة الى الله تعالى, ومن أسباب الفرج, وأقامة العدل والقسط ومحاربة الظّلم والظّالمين، فهو يملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعد ما ملئت ظلمًا وجورًا, وينشر معرفة الحقّ وعبوديّته تعالى.
فـأن للإمام المهدي (عجل الله فرجه) كرامة، ومكانة، ومقاما عاليا عند الله تعالى، كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير اية { أَمَّنْ يُجِيبُ الْـمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ }, [ سورة النمل- آية ٦٢ ] قال: « نزلت في القائم من آل محمد (عليهم السلام) هو والله المضطر إذا صلى في المقام ركعتين ودعا الله عز وجل فأجابه ويكشف السوء ويجعله خليفة في الأرض ». [ تفسير الامثل ج ,١٢ ص ١١٢ ] قال السيد دستغيب ( قده): ( ذكر كتاب ( النجم الثاقب ) الكثير من صفات للإمام صاحب الزمان (عجل الله فرجه), ومنها صفة المضطر ، ووصفه بهذه الصفة لا يعني انه عاجز أو مريض أو متخلف في الطريق ونحو ذلك من معاني النقص التي لا تليق به (عليه السلام)، ذلك أن الاضطرار إلى الله هو حالة لا يستطيع بلوغها من لم يصل إلى مقام اليقين السامي أعلى درجات الاضطرار إلى الله تعالى والفقر والعبودية, والتي وصف بها صاحب العصرالزمان (عجل الله فرجه) هي التوحيد الحقيقي ، وحقيقة التوحيد في هذا المقام المعظم الذي يرى جزئيات ، وكليات الأمور في حالة ارتباط وثيق واتباع ، وافتقار إلى الله تعالى). [ كتاب الدعاء لسيد عبد الحسين دستغيب ص27 ].
خامساً: يعتقد السائل أنّ الميّت أو الخائف المختبئ، لا يستطيع قضاء حاجة نفسه فضلاً عن قضاء حاجة غيره، وهذا الكلام صحيح في الإنسان العادي، أما الأنبياء، والأوصياء، والصالحين لا يشملهم هذا الكلام؛ لكرامتهم وقربهم عند الله تعالى فبإذنه يقضون حاجات الناس, ولا يفرق في كونهم إحياء أو أموات، كما في قوله تعالى: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} [ سورة آل عمران آية ١٦٩ ]. وهذا المعنى يتأكد مع اعتقاد الشيعة بكون امام الزمان حي يرزق قد غاب بأمر الله تعالى وسيظهر بأمره, صوناً للمشروع الالهي الأكبر الذي يتمخض بظهوره المبارك (عج) . [كتاب الغيبة للنعماني, ج1, ص13].
وبهذا يتضح للقارئ المنصف، اعتقاد الشيعة بدعاء الإمام المهدي(عليه السلام) ولو على نحو الإجمال.
والحمد الله رب العالمين.
اترك تعليق