صفاتُ الشّيعةِ والتّشيّعِ.
السؤال: السّلامُ عليكُم، إذا قارنَّا أنفُسنَا معَ هذهِ الرّوايِةِ فهل نحنُ شيعةٌ؟ نرجو التّوضيحَ: حدَّثَنِي مُوسَى بْنُ بَكْرٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ علیهِ السّلام: لَوْ مَيَّزْتُ شِيعَتِي لَمْ أَجِدْهُمْ إِلَّا وَاصِفَةً وَلَوِ امْتَحَنْتُهُمْ لَمَا وَجَدْتُهُمْ إِلَّا مُرْتَدِّينَ وَلَوْ تَمَحَّصْتُهُمْ لَمَا خَلَصَ مِنَ الْأَلْفِ وَاحِدٌ وَلَوْ غَرْبَلْتُهُمْ غَرْبَلَةً لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا مَا كَانَ لِي، إِنَّهُمْ طَالَ مَا اتَّكَوْا عَلَى الْأَرَائِكِ فَقَالُوا نَحْنُ شِيعَةُ عَلِيٍّ إِنَّمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ مَنْ صَدَّقَ قَوْلَهُ فِعْلُهُ.
الأخُ المحترَمُ، عليكمُ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه
هذا الحديثُ ضَعيفُ السّندِ، كما أفادهُ العلّامةُ المجلسيُّ (رحمهُ اللهُ) فِي كتابهِ "مِرآةُ العقولِ في شرحِ أخبارِ آلِ الرّسولِ" ج26 ص 161، وقد شرحهُ المولى محمّد صالح المازندرانيّ فِي كتابهِ "شرحُ أصولِ الكافِي" فقالَ: (قوله: (لو ميّزتُ شيعتِي مَا وجدتُّهم إلّا واصفةً. انتهى) أي لو ميّزتُهم عَن غيرهم ما وجدتُّهم إلّا واصفينَ قائلينَ بالتّشيُّعِ وهذا الوصفُ لم يوجدْ فِي غيرِهم فهم بهِ يَمتازونَ عنهم ثمَّ الواصفونَ لو امتحنتُهم واختبرْتَ أحوالَهُم مَا وجدتُ أكثرَهم إلّا مرتدِّينَ صارفينَ عَن سيرتي غيرَ آخذينَ بأمري ولا عاملينَ بمَا هوَ خيرٌ لَهم، ثمَّ الآخذونَ العاملونَ لو تمحصتُهم وفتَّشتُ كيفيّةَ أخذِهِم وعملِهم وأخلاقِهم بنوعٍ منَ التّمحيصِ والتّخليصِ مَا وجدتُ أكثرَهم إلّا غيرَ خالصينَ، ثمَّ الخالصونَ وهم الأقلُّونَ جدّاً لو غربلتُهم غربلةً وحرَّكتهم تحريكاً بغربلةِ البَلايا والمحنِ والمَصائدِ والشّدائدِ لم يبقَ منهم إلّا قليلٌ وهوَ مَن كانَ لِي وأخذَ بسيرتي، وإليهِ يُرشِدُ قولُ الصّادقِ (عليهِ السّلام) «المؤمنُ أعزُّ منَ الكبريتِ الأحمرِ، فمَن رأى منكم الكِبريتَ الأحمرَ؟»، وإن شئتَ أن تعرفَ قلّةَ المؤمنِ ونُدرتهُ فارجعْ إلى الأحاديثِ المذكورةِ فِي أبوابِ الكُفرِ والإيمانِ مِن كتابِ الأصولِ (إنَّهم طالَ ما اتكؤوا على الأرائكِ) فِي القاموسِ: الأريكة كسفينة : سريرٌ فِي حِجلةٍ أو كلُّ ما يُتَّكأُ عليهِ مِن سريرٍ ومِنصَّةٍ وفراشٍ أو سريرٍ متّخَذٍ مزيَّنٍ فِي قبّةٍ أو بيتٍ وإذا لم يكنْ فيهِ سريرٌ فهوَ حِجلةٌ وجمعُ أريكةٍ أرائِك (فقالوا : نحنُ شيعةُ عليٍّ) قولاً متفرِّداً عَن لوازمهِ وآثارهِ وهوَ الوصفُ المذكورُ (وإنّمَا شيعةُ عليٍّ مَن صدَّقَ قولهُ فِعلهُ) بالعملِ بسيرتهِ ليتحقَّقَ معنى التّشيّعِ والمُتابعةِ ويَبعُدَ عَن شبهِ الاِستهزاءِ وسيجيءُ عَن عليٍّ بنِ الحُسينِ (عليهمَا السّلامُ): «إنَّ أبغضَ النّاسِ إلى اللهِ مَن يقتدي بسنّةِ إمامٍ ولا يقتدي بأعمالهِ»). انتهى [شرحُ أصولِ الكافي 12: 306].
فهذا الحديثُ -على فرضِ ثبوتهِ واقعاً- يكشفُ عَن حقيقةٍ راسخةٍ وهيَ أنَّ التّشيّعَ هوَ ليسَ اِنتساباً إلى جهةٍ مُعيّنةٍ أو اعتقاداتٍ فارغةً منَ التّطبيقِ، فللشِّيعةِ والتّشيّعِ صفاتٌ عاليةً جِدَّاً على المؤمنِ بمحمّدٍ وآلِ محمّدٍ الطّاهرينَ أن يعملَ بِها، بعدَ أن ثبتَ أنَّ التّشيّعَ هوَ منزلةُ الأنبياءِ.
ففِي تفسيرِ القُميِّ: عَن سُماعةَ عَن أبي بصيرٍ عَن أبي جعفرٍ عليهِ السّلامُ أنّهُ قالَ : لَيهنئكُم الاِسمُ، قلتُ: ومَا هوَ جعلتُ فداكَ؟ قالَ: الشّيعةُ، قيلَ إنَّ النّاسَ يعيِّروننَا بذلكَ، قالَ: أمَا تسمعُ قولَ اللهِ: (وإنَّ مِن شيعتهِ لإبراهيمَ)؟ وقولُه: "واستغاثهُ الّذي مِن شيعتهِ على الّذي هوَ مِن عدوِّهِ"؟ فليهنئكمُ الاِسمُ. انتهى [تفسيرُ القُميّ 2:223].
وقد جاءَ فِي كتابِ "المُقنِعَة" للشّيخِ المُفيدِ: قالَ الصّادقُ عليهِ السّلامُ: "ليسَ مِن شيعتنَا مَن لم يُصَلِّ صلاةَ اللّيلِ".
قالَ الشّيخُ المُفيد: يريدُ أنّهُ ليسَ مِن شيعتِهم المُخلِصينَ، وليسَ مِن شيعتِهم أيضاً مَن لم يعتقِد فضلَ صلاةِ اللّيلِ، وأنّهَا سُنَّةٌ مؤكّدةٌ، ولم يُرِدْ عليهِ السّلامُ أنّهُ مَن تركهَا لعذرٍ، أو تركهَا كسلاً فليسَ مِن شيعتهم على حالٍ، لأنّهَا نافلةٌ، وليسَت بفريضةٍ غيرَ أنَّ فيهَا فضلاً كثيراً. انتهى [المُقنِعَةُ:120].
وفِي كتابِ "صِفاتِ الشّيعةِ" للشّيخِ الصّدوقِ: (أَبِي رَحِمَهُ اللهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع قَاعِداً فِي بَيْتِهِ إِذْ قَرَعَ قَوْمٌ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَقَالَ يَا جَارِيَةُ انْظُرِي مَنْ بِالْبَابِ فَقَالُوا قَوْمٌ مِنْ شِيعَتِكَ فَوَثَبَ عَجْلَانَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَقَعَ فَلَمَّا فَتَحَ الْبَابَ وَ نَظَرَ إِلَيْهِم رَجَعَوَا قَالَ كَذَبُوا فَأَيْنَ السَّمْتُ فِي الْوُجُوهِ أَيْنَ أَثَرُ الْعِبَادَةِ أَيْنَ سِيمَاءُ السُّجُودِ إِنَّمَا شِيعَتُنَا يُعْرَفُونَ بِعِبَادَتِهِم وَ شَعَثِهِمْ قَدْ قَرَحَتِ الْعِبَادَةُ مِنْهُمُ الْآنَافَ وَ دَثَّرَتِ الْجِبَاهَ وَ الْمَسَاجِدَ خُمْصُ الْبُطُونِ ذُبُلُ الشِّفَاهِ قَدْ هَيَّجَتِ الْعِبَادَةُ وُجُوهَهُم وَ أَخْلَقَ سَهَرُ اللَّيَالِي وَ قَطْعُ الْهَوَاجِرِ جُثَثَهُمْ الْمُسَبِّحُونَ إِذَا سَكَتَ النَّاسُ وَ الْمُصَلُّونَ إِذَا نَامَ النَّاسُ وَ الْمَحْزُونُونَ إِذَا فَرِحَ النَّاسُ يُعْرَفُونَ بِالزُّهْدِ كَلَامُهُمُ الرَّحْمَةُ وَ تَشَاغُلُهُمْ بِالْجَنَّة). انتهى [صِفاتُ الشّيعةِ:29].
وجاءَ فِي الكتابِ نفسهِ: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي قَاسِمٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ : سُئِلَ 6أَبُو عَبْدِ اللهِ ع عَنْ شِيعَتِهِمْ فَقَالَ شِيعَتُنَا مَنْ قَدَّمَ مَا اِسْتَحْسَنَ وَ أَمْسَكَ مَا اِسْتَقْبَحَ وَ أَظْهَرَ اَلْجَمِيلَ وَ سَارَعَ بِالْأَمْرِ اَلْجَلِيلِ رَغْبَةً إِلَى رَحْمَةِ اَلْجَلِيلِ فَذَاكَ مِنَّا وَ إِلَيْنَا وَ مَعَنَا حَيْثُ مَا كُنَّا). وجاءَ أيضاً: (مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَوْمٌ تَبِعَ [تَبِعُوا] أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليهِ السّلامُ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِم قَالَ مَا أَنْتُم عَلَيْهِ قَالُوا شِيعَتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ مَا لِي لَا أَرَى عَلَيْكُم سِيمَاءَ الشِّيعَةِ قَالُوا وَ مَا سِيمَاءُ الشِّيعَةِ قَالَ صُفْرُ الْوُجُوهِ مِنَ السَّهَرِ خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ ذُبُلُ الشِّفَاهِ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعِينَ).
وأيضاً (34- أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ صِفْ لِي شِيعَتَكَ قَالَ ع شِيعَتُنَا مَنْ لَا يَعْدُو صَوْتُهُ سَمْعَهُ وَ لَا شَحْنَاؤُهُ بَدَنَهُ وَ لَا يَطْرَحُ كَلَّهُ عَلَى غَيْرِهِ وَ لَا يَسْأَلُ غَيْرَ إِخْوَانِهِ وَ لَوْ مَاتَ جُوعاً شِيعَتُنَا مَنْ لَا يَهِرُّ هَرِيرَ الْكَلْبِ وَ لَا يَطْمَعُ طَمَعَ الْغُرَابِ شِيعَتُنَا الْخَفِيفَةُ عَيْشُهُمْ الْمُنْتَقِلَةُ دِيَارُهُمْ شِيعَتُنَا الَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ وَ يَتَوَاسَوْنَ وَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا يَجْزَعُونَ وَ فِي قُبُورِهِمْ يَتَزَاوَرُونَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيْنَ أَطْلُبُهُمْ قَالَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ وَ بَيْنَ الْأَسْوَاقِ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كِتَابِهِ- أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ. انتهى [ المصدر السابق ]
وجاءَ فِي "الكافِي" للشّيخِ الكُلينيّ: عَن محمّدِ بنِ عجلان: كنتُ عِند أبي عَبدِ اللهِ (عَلَيهِ الّسَلامُ) فَدخلَ رَجَلٌ فَسَلَّمَ، فَسألَهُ: كيفَ مَن خُلّفْتَ مِن إخوانِكَ؟ قالَ: فأحسنَ الثناءَ وزكّى وأطرى. قالَ لهُ: كيفَ عِيادَةُ أغنِيائهِم على فُقَرائهِم؟ فقالَ: قَليلَةٌ، قالَ: وكيفَ مُشاهَدَةُ أغنيائهِم لِفُقَرائهِم؟ قالَ: قَليلةٌ، قالَ: فكيفَ صِلَةُ أغنيائهِم لِفُقَرائهِم في ذاتِ أيدِيهِم، فقالَ: إنّك لَتَذكُرُ أخلاقا قَلَّ ما هِي فِيمَن عِندَنا . قالَ: فقالَ: فكيفَ تَزعُمُ هؤلاءِ أنَّهُم شِيعَةٌ؟ [الكافِي 2: 173]
ودمتُم سالِمينَ.
اترك تعليق