لماذا لم يردّ الإمام علي (عليه السلام) جيش الشام بسلطة غيبية؟
السؤال: إذا كان الإمام عليّ عليه السلام قادراً على ردّ الشمس أفلا يمكنه ردّ جيش معاوية أو ضعضعة صفوفه كما حدث يوم الخندق لرسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
الجواب:
أولاً: ردّ الشمس لعليّ (عليه السلام) من الحقائق التي تناقلتها الأخبار وبالأسانيد الصحاح عند السنّة والشيعة، ولم يشكّك فيها إلّا بعض من عُرِفَ بالنصب والعداء لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد أفرد العلماء ومنذ القرون الأولى من الهجرة كتباً خاصّة تناولت فقط مَنْ روى حديث ردّ الشمس، ولا يسعنا التفصيل في هذه المسألة هنا، وإنّما أردنا إبداء التحفّظ على السائل عندما طرحها على نحو التشكيك والافتراض.
ثانياً: الإمام عليّ (عليه السلام) ليس هو مَنْ رَدّ الشمس، وإنّما الله تعالى هو الذي ردّ الشمس إكراماً لعليّ (عليه السلام)، وبذلك نتحفّظ على قول السائل (إذا كان الإمام عليّ عليه السلام قادراً على ردّ الشمس)، فليس للإمام قدرة ذاتيّة، وإنّما تكون له الولاية التكوينيّة بقدرة الله ومشيئته.
ثالثاً: الأصل في الحياة هو السير وفقاً للسنن والأسباب التي جعلها الله تعالى، وما يكون مخالفاً لهذه السنن - مثل معاجز الأنبياء - هو الاستثناء الذي يجب السؤال عن حِكمته، فمثلاً: لو هزم الإمام عليّ (عليه السلام) جيش الشام بسلطة تكوينيّة من غير أن يجرّد سيفاً أو يجمع جيشاً، فمن الطبيعيّ حينها أنْ نسأل عن حِكمة ذلك؛ لكونه أمراً مخالفاً للقاعدة العامّة التي تحكم الحياة، أمّا إذا أدار المعركة بحسب ما تقتضيه وسائل الحرب المعروفة، فبأيّ مبرّر يكون هناك تساؤل؟ فهل يصحّ أن نقول: لماذا جنّد الرجال وأعدّ السلاح ونظّم الصفوف؟ وكلّ ذلك إجراءات طبيعيّة تقتضيها الحروب.
ومن هنا نتحفّظ أيضاً على ربط السائل بين ردّ الشمس كمعجزة لها حكمتها الخاصّة وبين محاربة الجيوش وفقاً لِـما تقتضيه السنن والأسباب الطبيعيّة.
رابعاً: لقد تمكّن الإمام عليّ (عليه السلام) من ردّ جيش الشام وضعضعة صفوفه من غير أن يحتاج إلى معجزة، فعندما رأى معاوية أنّ المعركة لا تجري لصالحه وبأنّ الخطر يقترب من رقبته، صاح بعمرو بن العاص قائلاً: ويحك أين حِيَلُك؟ فقال عمرو: إنْ أحببتَ ذلك فأمر بالمصاحف أن تُرفع على رؤوس الرماح ثمّ ادعهم إليها، فأمر معاوية بالمصاحف فرفعت على رؤوس الرماح، وصاح أهل الشام: «يا عليّ، يا عليّ، اتّقِ الله، اتّقِ الله أنت وأصحابك في هذه البقيّة، هذا كتاب الله بيننا و بينكم »، قال: ثمّ أتوا بالمصاحف ونادوا: يا أهل العراق، هذا كتاب الله بيننا وبينكم، فاللّه الله في البقية والحرم والذريّة الصغار، مَن لثغور الشام بعد أهله؟ مَن لثغور العراق بعد أهله؟ » [وقعة صفين لابن مزاحم ص478].
خامساً: استشهد السائل بهزيمة الأحزاب في معركة الخندق، وافترض أنّ ذلك حصل بتدخّل غيبيّ ليس للمسلمين فيه شأن، وبالرجوع لِـما حصل في تلك المعركة نجد أنّ الأمور سارت بحسب الوسائل والأسباب الطبيعيّة أيضاً، حيث خرج رسول الله (ص) مع ثلاث آلاف من المسلمين إلى خارج المدينة حتى لا يقع القتال داخل المدينة، ومن ثمّ تحصّنوا بالجبل وجعلوه وراء ظهورهم وحفروا خندقاً بينهم وبين المشركين، وبذلك حموا أنفسهم من أيّ هجوم مباشر، ولم يكن أمام المشركين غير فرض الحصار على المسلمين إلّا أنّهم لم يكونوا مستعدين لذلك، فأخذ المشركون يدورون حول الخندق لعلّهم يجدون منفذاً، وكان المسلمون يرشقونهم بالنبال ويصدوهم عن أيّ محاولة، وعندما عجزوا عن فعل شيء دعاء عمرو بن عبد ود العامريّ المسلمين للمبارزة، وكان القائد العسكريّ للمشركين وأشجع فرسان الجاهليّة، فخرج إليه الإمام عليّ (عليه السلام) وقتله شرّ قتلة، فانهزم الباقون حتّى اقتحموا من الخندق هاربين، وقد بلغ بهم الرعبُ إلى أن ترك عكرمة رمحه وهو منهزم عن عمرو.
اترك تعليق