(حُبُّ عَـلِيٍّ حَسَنَةٌ لا تَضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ) معناهُ صَحِيحٌ لا كما يَزعُمُ المُبغِضُونَ.
إِبراهيم/اليمن/: كَذِبٌ وبُطلانُ حَديثِ: [حُبُّ عَلِيٍ حَسَنَةٌ لا تضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ…] حيثُ أَجمعَ المُسلِمونَ وعُـلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِن دينِ الإِسلامِ أَنَّ الشِّركَ يَضُرُّ صَاحِبَهُ ولا يَغفِرُ ٱللهُ لِصاحبِهِ، ولو أَحَبَّ عَليَّ ٱبْنَ أَبي طالبٍ؛ فإنَّ أَباه أَبا طالبٍ كان يُحِبُّهُ، وقد ضَرَّهُ الشِّركُ حتَّى دَخَلَ النَّارَ، والغالية يقولونَ: إِنَّهُم يُحِبُّونَهُ، وهُم كُفَّارٌ مِن أَهلِ النَّار. وبالجُملة فهذا القول كـُفْـرٌ ظاهِرٌ يُسْتَتَابُ صاحِبُهُ، ولا يجوزُ أَن يقولَ هذا مَن يؤمِن بالله واليوم الآخر.وكذلك قولُهُ: (وبُغْـضُهُ سَيِّئَةٌ لا يَنفَعُ معها حَسَنَةٌ)؛ فإنَّ مَن أَبْغَـضَهُ إِن كان كافراً فكُـفْـرُهُ هو الَّذي أَشْقَاهُ، وإِن كان مُؤمِناً نَـفَـعَهُ إِيمانُهُ وإِن أَبْغَـضَهُ.
الأخُ المُحترمُ، السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.
1. حَسَبِ قواعدِ الجَرْحِ والتَّعديلِ عِندَكُم لا يُمكِنُ رَدُّ الأَحاديثِ النَّبَوِيَّةِ مِن خِلال النَّظر إِلى المَتْنِ والمُحتوى ناهِيكَ عَنِ الحُكْمِ عليه بالوَضْعِ فهذهِ جُرَأَةٌ لا يُمكِنُ قَبُولُهَا حَسَبِ القَواعدِ؛ كَونِهِم عرفوا الحديثَ الصَّحيح ما رواهُ العَدْلُ الضَّابط عَن مِثلِهِ إِلى رسول الله ﴿ﷺ﴾ من غير شُذوذٍ ولا عِـلَّةٍ. فلم يَنظُروا في التَّعريف أَبداً لِمَا هو مُستنكَرُ المعنى فَتَأَمَّلْ!
2. أمَّا تَبرِيرُكَ لِطرْحِ الحَديثِ مِن كَونِهِ مُخالفاً لِمَا عُلِمَ مِن دينِ الإِسلامِ بالضَّرُورةِ مِن كَونِ الشِّرْكِ لا يَغفِرُ لِصاحبِهِ فكيفَ يَنُصُّ هذا الحَديثُ على عَدَمِ ضَرَرٍ أَيِّ ذَنْبٍ لِمَن أَحَبَّ عَلِيَّاً ﴿ع﴾؟! وَزَعْمُكَ بأَنَّ أَبَا طالبٍ ﴿ع﴾ كان يُحِبُّهُ وَسَيَدْخُلُ النَّار َ_ والعِياذُ باللهِ _ وَأَنَّ الغُلَاةَ مِن عَبَدَتِهِ ﴿ع﴾ أَيضَاً كُـفَّارٌ مِن أَهلِ النَّارِ، فنقولُ:
لا يقولُ عاقلٌ بإِطلاقِ العِنَانِ لِكُلِّ مَصاديقَ وأَفراد مَن أَحَبَّ عَـلِيَّاً ﴿ع﴾ مَهْمَا كان نوعُ ذلكَ الحُبِّ وَمُبَرِّرُهُ، ولِذلكَ، فإنَّ مَلحُوظَتَكَ خَارجة تَخَصُّصَاً كونُ الحديثِ يَتكلَّمُ مَعَ أَهلِ الإِيمانِ وليسَ مُطلقاً وهذا مِنَ البَدِيهيَّاتِ والضَّرُوريَّاتِ كما تَفَـضَّلْتُم مَعَ مَلحُوظاتنا وتَحَفُّظِنَا على بعضِ الأَمثلةِ التي ضَرَبْتَهَا كأَبي طالبٍ ﴿ع﴾ كونُهُ مُصَادَرَةٌ على المطلوبِ حيثُ أَنَّنا نعتقدُ أَنَّه ﴿ع﴾ مِن أَولياءِ ٱلله ﴿ﷻ﴾ الصَّالِحينَ المُخلصينَ المُقرَّبينَ لا كما تُصَوِّرُونَهُ ظُلْمَاً وَعُدوَانَاً.
وكلامُنَا بشمُولِ وعُمومِ أَفرادِ مَن يَدخُلُ في مَصاديقِ هذا الحديثِ كما يُقالُ بشرطها وشرُوطها شأْنُهُ شأْنُ الأَحاديثِ المطلقةِ التي تَنُصُّ على أَنَّ مَن (قال) لا إِله إِلَّا اللهُ دَخَلَ الجنةَ حتَّى قال أَبو ذَرٍّ: يا رسولَ اللهِ وإِن زنا وإِن سَرَقَ؟! قال ﴿ص﴾: وإِن زنا وإِن سَرَقَ.
فالحديثُ لا يُمكنُ تَعميمُهُ ومجاوزتُهُ كُلَّ الحدودِ والخطوطِ؛ لِيَشمُلَ ويَدخُلَ فيه الكافرُ والمنافقُ والغالي والمُحِبُّ؛ لِمَصلحةٍ شخصيَّةٍ أَو لأَمر عَرَضِيٍّ غيرِ راجحٍ شرعاً، وما إلى ذلك مِن صُدور رَدَّةٍ أَو شِركٍ مِنَ المُحِبِّ، فهذا لا يُمكنُ فَهْمُهُ كما في حديثِ قَولِ: لا إِله إِلَّا الله المتقدِّم الَّذي ظاهرُهُ أَيضَاً النُّطقُ والتَّلَفُّظُ بالتَّوحيد بِغَضِّ النًّظَرِ عَنِ الصِّدْقِ والإِخلاصِ والإِيمانِ بالنُّبُوَّةِ والمَعاد ممَّا لا يُمكنُ قَبول التًّوحيد مِن دُونها. وبذلكَ يَتَّضِحُ المعنى ولا يكون مُسْتَنْكَرَاً كما زَعَمَ صاحبُ السُّؤال.
وإِلَّا فلو قُمْنَا بِرَدِّ كُلِّ حديثٍ لا نَتَعَقَّلُهُ لِسَبَبٍ أَو لِآخَرَ لَجازَ لِمُخالِفِيكم رَدَّ الكثيرِ مِن أَحاديثِ البُخاريّ وغيرِهِ ممَّا فَهِمَهُ مِثلُ فَهْمِكُم لهذا الحديثِ مِن كونِهِ مُخالفاً لِضَروريَّاتِ الدِّينِ أَو العقلِ مثلُ: ضَرْبِ نَبِيِّ ٱللهِ مُوسى ﴿ع﴾ _ وهو مِن أُولي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ _ مَلَكِ المَوتِ حِينما أَرسلَهُ ٱللهُ تعالى، إِلى قَبضِ رُوحِهِ حتَّى فَقَأَ عَينَهُ وجعلَه أَعور مَعيناً! أَو وُجوب قَبولكم قولَ مَن يَرُدُّ حديثَ إِدخالِ الذُّبابةِ في الإِناءِ حِينما تَسقطُ فيه أَو حديث خَلْقِ السَّموات والأَرضِينَ في سبعة أيَّامٍ خِلافاً لِنَصِّ القُرآنِ الكريمِ، وهكذا من أَحاديثَ كثيرةٍ عندَكُم كلّها في أَعلى درجاتِ الصَّحَّةِ عندَكم ومع ذلكَ ظاهرُهُا غيرُ مُسْتَسَاغٍ ولا مَقْبُولٍ!
3. المُشكلة أَنَّ هذا الحديثَ لا ينفردُ أَتباعُ ومُحِبُّو أَهْلِ البيت ﴿ع﴾ بنقلِهِ، فهو منقولٌ مِن قِبَلِ العديدِ مِن علمائِكم وأُخْرِجَ في مصادِرِكم ومُصنَّفاتِكم ناهيكَ عَن حقيقةِ كونِ حُبِّ عَلِيٍّ مِنَ الدِّينِ وثابتةٌ في الشَّرْعِ المُبِينِ، بَل مِن ضَروريَّاتِ الدِّينِ حيثُ اهْتَمَّ رسولُ اللهِ ﴿ﷺ﴾ وأَكَّدَ عليها مُؤَيِّدَاً هذا المعنى بِعِدَّةِ صِيغٍ وبأَلْسُنٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَخُذْ مثلاً:
أ. هذا الحديثُ (حُبُّ عَلِيّ ٍ حَسَنَةٌ لا تَضُرُّ معها سَيِّئَةٍ وبُغْضُهُ سَيِّئَةٌ لا تَنفعُ معها حَسَنَةٌ) حديثٌ قد أَخرجَهُ الخَوَارِزْمِيُّ في مناقبِهِ: ص 75 ح 56، الدَّيلَمِيّ في الفِردَوسِ بمَأثورِ الخِطابِ 2: 142 ح 2725 ، ينابيع المودّة 1 : 2700 : إِن قُلتَ: ما تقولُ فيما وَرَدَ في الخبرِ مِن (أَنَّ حُبَّ عليّ حَسَنَةٌ لا يَضُرُّ معها سَيِّئَةٌ) قلتُ: يُمكنُ تنزيلُ الضَّرَرِ المَنْفِيِّ على الضَّرَرِ الحَقيقيِّ الكاملِ الَّذي هو الخُلُودُ في النَّارِ أَعاذَنا ٱللهُ تعالى منها بفضلِهِ الكاملِ ولُطفِهِ الشَّاملِ؛ فإِنَّ حُبَّ عليّ﴿ع﴾ كمالُ الإِيمانِ وتمامُ الدِّينِ، كما قال عَزَّ مِن قائِلٍ: ﴿أَليومَ أَكْمَلْتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُم نِعْمَتِي﴾ ومع كمالِ الإِيمانِ وتمامِهِ بَشَرْطِ الموافاة عليه لا يكونُ الخُلُودُ في النَّار فإِنَّ عذابَ صاحبِ الكبيرةِ مُنْقَطِعٌ، وكذلك بعضُهُ وعدوانُهُ ﴿ع﴾ كُفرٌ مُوجِبٌ لِلخُلُودِ في العذابِ ودوامِ العِقابِ، فلا تنفعُ معه حسنةِ نَفْعِ النَّجاةِ والتَّخَلُّصِ مِنَ النَّارِ، ويُحتمَلُ أَيضَاً أَن يكونَ خُلُوصُ حُبِّهِ سبباً؛ لأن يغفَر ٱللهُ بفضلِهِ بعضَ الذُّنوبِ؛ ولأَن يَعصِمَ ويَحفَظَ عَنِ الْإِتيان بالبعضِ؛ وأَيضَاً يُمكِنُ أَن يكونَ حُبُّهُ باعثاً على شفاعتِهِ الَّتي لا تُرَدُّ.
ب. قال المُحِبُّ الطُّبَرِيُّ في الرِّياض النَّضِرَةِ(3/ 189): ذِكْرُ الحَثِّ على مَحَبَّتِهِ والزَّجْرِ عن بُغْضِهِ تقدَّم في الخصائصِ في ذِكْرِ _ "مَن أَحَبَّكَ فقد أَحَبَّنِي ومَن أَبْغَضَكَ فقد أَبْغَضَنِي" _ طَرَفٍ مِن ذلك.
ت. قال الطَّبَرِيُّ: وعَن عَلِيٍّ ﴿عليه السَّلام﴾ قال: قال رسولُ ٱللهِ ﴿ﷺ﴾: "مَن أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هذينِ وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا كانَ مَعِي في درجتي يوم القيامة". أَخْرجَهُ أَحمدُ والتِّرمِذِيُّ وقال: حديثٌ غريبٌ.
ث. وقال الطَّبَرِيُّ: وعنه أَنَّه قال: والَّذي فَلَقَ الحَبُّةَ وَبَرَأَ النَّسمةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ (صلَّى ٱللهُ عليه وسلُّم) إِلى: "أَن لا يُحِبُّنِي إِلُّا مُؤمِنٌ ولا يَبٍغَضُنِي إِلُّا مُنافقٌ". وأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَلَفظَهُ: عَهِدَ إِليَّ مِن غيرِ قَسَمٍ، وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقال الطَّبَرِيُّ: وعن أُمِّ سَلَمَة رضي ٱللهُ عنها: كان رسولُ ٱللهِ (صلَّى ٱللهُ عليه وسلَّم) يقول "لا يُحِبُّ عَـليَّاً مُنافقٌ ولا يَبْغَضُهُ مُؤْمِنٌ" أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وقال: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وقال: وعنها أَنَّ رسولَ ٱللهِ (صلَّى ٱللهُ عليه وسلّم) قال لِعَلِيٍّ: "لا يَبْغَضُكَ مُؤْمِنٌ ولا يُحِبُّكَ مُنافقٌ" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ في المُسنَدِ.
وقال: وعن المُطَّلِبِ بنِ عبدِ ٱللهِ بنِ حطب عن أَبيهِ قال: قال رسولُ ٱللهِ (صلَّى ٱللهُ عليهِ وسلَّم) "يا أَيُّهَا النَّاس أُوصِيكُم بِحُبِّ ذِي قرنيها أَخي وابْن عَمِّي عَلِيِّ ابْنِ أَبي طالبٍ فإِنَّهُ لا يُحِبُّهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ ولا يَبْغَضُهُ إِلًّا مُنافقٌ، مَن أُحَبَّهُ فقد أَحَبَّنِي، ومَن أَبْغَضَهُ فقد أَبْغَضَنِي" أَخْرَجَهُ أَحمدُ في المَنَاقِبِ.
وقال: وعَنِ الحارثِ الهَمَدَانِيِّ قال: رأَيتُ عَـلِيُّاً على المِنْبَرِ، فَحَمِدَ ٱللهَ وأَثْنَى عليهِ ثُمَّ قال: قَضَاءٌ قَضَاهُ ٱللهُ ﴿ﷻ﴾ على لِسانِ نَبِيِّكُم النَّبِيِّ الأُمِّيِّ (صلَّى ٱللهُ عليهِ وسلَّم) أَن لا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ ولا يَبْغَضُنِي إِلَّا مُنافقٌ. أَخْرَجَهُ ابْنُ فارس.
ج. وقال: وعن جابر بنِ عبدِ ٱلله (رضي ٱللهُ عنهما) قال: ما كُنَّا نَعرفُ المُنافقينَ إِلَّا بِبُغْضِهِم عَـلِيَّاً. أَخْرَجَهُ أَحمدُ في المَناقبِ، وأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عن أَبي سعيدٍ ولفظه، قال: إِن كُنَّا لَنَعْرِف المُنافِقِينَ نَحْنُ مَعْشَرُ الأَنصارِ بِبُغْضِهِم عَلِيِّ ابْنِ أَبي طالبٍ. وقال: غَريبٌ.
قال: وعن أَبي ذَرٍّ رضي ٱللهُ عنه قال: ما كُنَّا نعرفُ المُنافقينَ على عَهْدِ رسولِ ٱللهِ (صلَّى الله عليه وسلَّم) إِلُّا بِثَلاث: بِتَكْذِيبِهِم ٱللهَ ورسولَهَ والتَّخَلُّفِ عَنِ الصَّلاةِ وبغضهم علي بن أبي طالب. أَخْرَجَهُ ابنُ شَادِن.
ح. قال: وعن زيدِ بْنِ أَرْقَمَ قال: قال رسولُ ٱلله (صلَّى ٱللهُ عليه وسلَّم): "مَن أَحَبَّ أَن يَسْتَمْسِكَ بالقَضِيبِ الأَحْمَرِ الَّذِي غَرَسَهُ ٱللهُ في جَنَّةِ عَدْنٍ فَلِيَسْتَمْسِكْ بُحُبِّ عَلِيِّ ابْنِ أَبي طالبٍ" أَخْرَجَهُ أَحمدُ في المَناقبِ.
خ. قال: وعنِ ابْنِ عبَّاس رضي ٱللهُ عنهما قال: قال رسولُ ٱللهِ (صلَّى ٱللهُ عليه وسلَّم): "حُبُّ عَلِيٍّ يأكلُ الذُّنوبَ كَمَا تأكلُ النَّارُ الحَطَبَ". أَخْرَجَهُ الملاء.
د. قال: وعن أَنسِ قال: دفع عليُّ ابْنُ أبي طالبٍ إِلى بِلال دِرْهَمَاً يَشتري به بِطِّيخَاً، قال: فاشْتَرَيتُ بِهِ فأَخَذَ بِطِّيخَةَ فَقَوَرَهَا فَوَجَدَهَا مُرَّةً فقال: يا بلالُ رُدَّ هذا إِلى صاحبِهِ وائْتِنِي بالدِّرْهَمِ فإِنًّ رسولَ ٱللهِ (صلَّى ٱللهُ عليه وسلَّم) قال لي: "إِنَّ ٱللهَ أَخَذَ حُبَّكَ على البَشَرِ والشَّجَرِ والثَّمَرِ والبَذَرِ فما أَجابَ إِلى حُبِّكَ عَذِبَ وَطَابَ وما لم يَجِبْ خَبُثَ وَمَرَّ". وإِنِّي أَظُنُّ هذا مِمًّا لم يُجِبْ. أَخْرَجَهُ الملاء، وفيه دَلالةٌ على أَنًّ العَيبَ الحادثَ إِذا كانَ مِمَّا يَطَّلِعُ بهِ على العَيبِ القديمِ لا يَمَنعُ مِنَ الرَّدِّ.
وهذا الحديثُ يَظُنُّ الوَهَّابِيَّةُ أَنَّه مِمَّا تتفرَّدُ الشيعةُ بنقلِهِ فَالْحَمْدُ لله الَّذي أَظْهَرَ الحَقَّ على أَلْسِنَتِهِم وَرَوَوا ما يَسْتَنْكِرُونَهُ وَيَسْخَرُونَ مِنَّا بِهِ!
ذ. قال: وعَن فاطمةَ بنتِ رسولِ ٱللهِ (صلَّى ٱللهُ عليهِ وسلَّم) قالت: قال رسولُ ٱللهِ (صلَّى ٱلله عليه وسلَّم): "إِنَّ السَّعِيدَ كُلَّ السَّعِيدِ حَقَّ السًّعِيد مَن أَحَبَّ عَـلِيَّاً في حياتِهِ وبعدَ موتِهِ". أَخْرَجَهُ أَحمدُ.
ر. قال: وعَن عمَّار بنِ ياسر قال: سَمِعْتُ رسولَ ٱللهِ (صلَّى ٱللهُ عليهِ وسلَّم) يقول: يا عَلِيُّ، طُوبى لِمَن أَحَبَّكَ وصَدَّقَ فِيكَ، وَوَيلٌ لِمَن أَبْغَضَكَ وكَذَّبَ فِيكَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ عرفة.
وكُلُّ هذه الرُّواياتِ المُتقدِّمةِ تُبَيِّنُ أَهَمِّيَّةَ حُبِّ عَلِيٍّ وَوُلَايَتِهِ واسْتِحْقَاقِ مَن أَحَبَّهُ جَنَّاتِ الخُلْدِ وطُوبى والسَّعادَةِ وغُفرانِ الذُّنُوبِ ووووو.
ز. قال الطَّبَرِيُّ: وعَن حَوثَرةَ بْنِ مُحمَّدٍ البَصْرِيِّ قال: رَأَيتُ يزيدَ بْنِ هارونَ الوَاسطيَّ في المَنامِ بعد موتِهِ بِأَرْبَعِ لَيَالٍ، فقلتُ: ما فَعَلَ ٱللهُ بِكَ؟ قال: تَقَبُّلَ منِّي الحسناتِ وتَجاوزَ عنِّي السَّيِّئَاتِ وأَذهبَ عنِّي التَّبِعَاتِ، قلتُ: وما كانَ بعدَ ذلكَ؟ قال: وهل يكونُ مِنَ الكريمِ إِلُّا الكرمُ؟ غَفَرَ لي ذُنوبي وأَدْخَلَنِي الجَنًّةَ قلتُ: بِمَ نِلْتَ الَّذي نِلْتَ؟ قال: بِمَجَالسِ الذِّكر وقولي الحقّ وصِدقِي في الحَديثِ وطُولِ قيامي في الصَّلاةِ وصَبْرِي على الفقرِ، قلتُ: مُنكَرٍ ونَكِيرٍ حَقٌّ؟ فقال: إِي وٱللهِ الَّذي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، لقد أَقْعَدَانِي وسَألَانِي فقالا لي: مَن رَبُّكَ؟ وما دِينُكَ؟ ومَن نَبِيُّكَ؟ فجعلتُ أَنْفُضُ لِحيَتي البَيضاءَ مِنَ التُّرابِ فقلتُ: مِثْلِي يُسْأَلُ!؟ أَنَا يزيد بْنُ هارونَ الوَاسطيِّ، وكُنتُ في دار الدُّنيا سِتِّينَ سنةً أُعَلِّمُ النَّاسَ، قال أَحدُهُما: صَدَقَ وهو يزيدُ بْنُ هارونَ نَم نَومَةَ العَروسِ، فلا رَوعةَ عليكَ بعدَ اليومِ. قال أَحدُهُما: أَكتبتَ عن حَريزَ بْنِ عُثمانَ؟ قلتُ: نَعَمْ، وكان ثِقَةً في الحديثِ. قال: ثِقةٌ ولكن كان يَبْغَضُ عَلِيَّاً، أَبْغَضَهُ اللهُ ﴿ﷻ﴾. أَخْرَجَهُ ابْنُ الطُّبَّاخِ في أَمالِيهِ.
وهذه الرُّوايةُ دَليلٌ واضحٌ لِصَحَّةِ معنى الحديثِ فَحَرِيزُ بْنُ عُثمانَ مِن كِبارِ وثِقاتِ أَئِمَّتِكُم الَّذينَ تَأخُذُونَ عنهُ الدِّينَ والأَحاديثَ مع كونِهِ نَاصِبِيَّاً وهذه القِصَّةُ تُبَيِّنُ ضَلالَ رَأيِكم بِاَخْذِ الدِّينِ عَنِ النَّواصِبِ وجَعْلِهِم أَئِمَّةً لكم فهي تُبَيِّنُ أَنَّهُ مُجْرِمٌ يُؤَآخَذُ مَن يَروي عنه الأَحاديثَ، وأَنَّهُ لم يَنفعْه شيءٌ مِن دينِهِ وتَدَيُّنِهِ بِبُغْضِهِ عَلِيُّاً، فهذا مِصداقٌ واضحٌ صَريحٌ لِصَحَّةِ معنى الحديثِ لِمَن كان لهُ قلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وهُوَ شهيدٌ!
4. وقد شرحَهُ وفَهِمَهُ عُلماؤُنا كما قَدَّمْنَا مِن عدمِ عُمومِهِ لِجميعِ المَصاديقِ بلا ضابطةٍ فقال مُحَمَّدُ حُسين الخُوَانْسَارِيّ في شرحِ مِشارقِ الشُّمُوس (ص 391): إِن قُلتَ ما تقولُ فيما ورد في الخبر مِن أَنَّ "حُبَّ عَلِيٍّ حَسَنَةٌ لا يَضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ"؟!
قلتُ: يُمكِنُ تنزيلُ الضَّرَرِ المَنفِي على الضَّرَرِ الحقيقيِّ الكاملِ الَّذي هو الخُلُودُ في النَّارِ أَعاذَنَا ٱللهُ تعالى مِنها بِفضلِهِ الكاملِ ولُطفِهِ الشَّامل؛ِ فإِنَّ حُبَّ عليِّ ﴿ع﴾ كمالُ الإِيمانِ، وتمامُ الدِّينِ كما قال عَزَّ من قائل: ﴿أَليومَ أَكْمَلْتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتْمَمْتُ عَلِيكُم نِعْمَتِي﴾ ومع كمالِ الإِيمانِ وتمامِهِ بشرطِ المُوَافاةِ عليهِ لا يكونُ الخُلُود في النَّارِ؛ فإِنَّ عَذابَ صاحبِ الكَبيرةِ مُنْقَطِعٌ وكذلكَ بُغْضُهُ وعُدوَانُهُ ﴿ع﴾ كُفرٌ مُوجِبٌ لِلخُلُودِ في العذابِ ودوامِ العقابِ، فلا تنفعُ معهُ حَسَنَةٌ نَفْعَ النَّجاةِ والتَّخَلُّصِ مِنَ النَّارِ وَيُحتَمَلُ أَيضَاً: أَن يكونَ خُلُوصُ حُبِّهِ سَبَبَاً لأَن يَغفِرَ ٱللهُ ﴿ﷻ﴾ بفضلِهِ بَعضَ الذُّنُوبِ ولِأَن يُعصَمَ ويُحفَظَ عَنِ الْإِتْيان بالبعضِ وأَيضَاً يُمكِنُ: أَن يكونَ حُبُّهُ باعِثاً على شفاعتِهِ الَّتي لا تُرَدُّ. أهـ
وَدُمْتُمْ سالِمِينَ.
اترك تعليق