دور أبي بكر وعمر في معركة خيبر

السؤال: ما هو دور الخليفة أبي بكر والخليفة عمر في معركة خيبر؟ هل فعلاً انهزما في هذه المعركة؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

اعلم –أيّدك الله- أنّ أبا بكر وعمر بن الخطّاب لَـم ينهزما في معركة خيبر فحسب، بل في كلِّ معركة شديدة البأس كمعركتي أحد وحنين؛ وذلك لأنّهما غير معروفين بالشجاعة والفروسيّة، لا في الجاهليّة ولا في الإسلام، وقد صرّح بذلك أبو جعفر الإسكافيّ: (فالمذكور من أهل الشجاعة والنجدة: عليّ بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطّلب، والزبير بن العوامّ، وأبو دجانة الأنصاريّ، وخالد بن الوليد، ليس أحدٌ يعدُّ أبا بكر ولا عمر مع المذكورين بالحرب والشجاعة والطعن بالأسنة) [المعيار والموازنة ص89].

وليس لهما في مغازي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) -مع كثرتها- دورٌ يشهد لهما بالشجاعة، بل الثابت فرارهما في المعارك، وما عُقِد لهما لواء في غزوةٍ إلّا رجعا منهزمَينِ، كما يشهد بذلك نصوص (حديث الراية) وغيره، حيث ورد فيها: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) عقد لأبي بكر اللواء في خيبر بكتيبةٍ، فرجع منهزماً، لم يفتح الله على يديه حصون خيبر، ثمّ لـمّا كان من الغد أخذ اللواء عمر بعده ومعه الناس فانهزموا، وجاءوا يجبنّونه ويجبّنهم – كما ثبت في الأحاديث الصحيحة -.

وقد كان لفرارهما أثرٌ سلبيّ على المسلمين، فاشتدّ ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله) لِـمَا أصاب الناس من الشدّة والجهد، فغضب النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقال -معرِّضاً بانهزام أبي بكر وعمر -: «ما بال أقوام يرجعون منهزمين، يجبّنون أصحابهم، أما والله لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، كرّار ليس بفرّار»، وفي لفظ آخر: «إنّي دافع لوائي غداً إلى رجلٍ يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، لا يرجع حتّى يُفتح له ليس بفرارٍ»، وفي لفظ ثالث: «كرّار غير فرار، لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه»، وفي لفظٍ رابع: «ولا يولّي الدبر، يفتح الله على يديه»، فلـمّا كان من الغد دعا أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفع إليه لواءه، فكان الفتح على يديه [ينظر: صحيح ابن ماجه ج1 ص26، المستدرك ج10 ص128، خصائص أمير المؤمنين ص40، المغازي ج2 ص648، سيرة ابن هشام ج3 ص349، فتوح البلدان ج2 ص86].

ولعـلّ السرّ في إعطاء النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) اللواء في معركة خيبر إلى أبي بكر أوّلاً، ثـمّ إلى عمر ثانياً – مع علمه السابق بعدم جدارتهما في المعارك - ما يأتي:

أوّلاً: إظهار حقيقة حالهما للمسلمين، وأنّهما غير جديرين في قيادتهما من بعده، فلا نفع فيهما عند اشتداد البأس، وحينئذٍ لا يصلحان للإمامة والخلافة من بعده، وذلك لأنّ أهل العلم ذكروا أنّ من شرائط الإمامة أن يكون صاحبها أفضل الناس من حيث اتّصافه بصفات تؤهّله لهذا المقام، ومن أهمّ تلك الصفات هي صفة الشجاعة التي تُعَـدُّ من أقوى مراتب التفضيل.

وثانياً: إظهار عدم مبالاتهما في ارتكاب كبائر الذنوب؛ وذلك لأنّ الفرار من الزحف محرَّم بل من المحرّمات الكبيرة التي ذُكرَت في القرآن الكريم، وقد نهى الله تعالى عنه في محكم كتابه بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 1].

وثالثاً: إظهار عدم وفائهما بالعهد الذي عاهدوه؛ وذلك لأنّ معركة خيبر كانت أوّل معركة بعد بيعة الرضوان التي بايع فيها المسلمون على عدم الفرار في المعارك، إذْ ورد عن جابر الأنصاريّ أنّه قال: «لَـم نبايع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) على الموت، إنّما بايعناه على أن لا نفرّ» [صحيح مسلم ج9 ص409]، فلم يفيا لله تعالى ورسوله بالعهد والميثاق مع قرب المبايعة عليه، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً} [الأحزاب: 15]، ولا يخفى أنّ جزاء مَن يخالف العهد والميثاق هو الخسران المبين.

ورابعاً: إسكاتهما من الدعاوى الفارغة؛ وذلك لأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان صاحب لواء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في جميع المشاهد، فقد ورد عن عبد الله بن عبّاس أنّه قال: «لعليّ بن أبي طالب أربعٌ ما هنّ لأحد: هو أوّل عربيّ وعجميّ صلّى مع رسول الله، وهو صاحب لوائه في كلّ زحف..» [مناقب الخوارزميّ ص21، الاستيعاب ج3 ص1090، تاريخ دمشق ج42 ص72]، فأراد النبيُّ (صلى الله عليه وآله) بدفع الراية إلى غير أمير المؤمنين (عليه السلام) هو إسكات مَن تسوّل له نفسه بالقول: إنّ النبيَّ (ص) يفضّل ابن عمّه علينا في جميع الغزوات فيمنحه اللواء، فلو منحنا اللواء وقدّمنا للمعارك لكان الفتح على أيدينا، فلـمّا دفع اللواء إليهم بَانَ فشلهم الذريع.

وخامساً: إظهار عدم محبّة الله تعالى ورسوله لهما؛ وذلك بالتلميح المستفاد من مقالته (صلّى الله عليه وآله) – في حقّ أمير المؤمنين (عليه السلام) -: «لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، كرّار غير فرّار، لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه».

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً