دور أمير المؤمنين (ع) في معركة خيبر

السؤال: ما هو دور أمير المؤمنين (عليه السلام) في معركة خيبر؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم –أيّدك الله- أنّ معركة خيبر تُعـدُّ من الأحداث البارزة في تاريخ المسلمين، حيث تمكّنوا فيها من هزيمة يهود خيبر، وكان عدد المسلمين في هذه الغزوة ألفاً وأربعمائة، بالإضافة إلى مئتي فرس، فقام المسلمون بمحاصرتهم لعدّة ليالٍ، وكان أوّل حصن تمّ فتحه هو حصن ناعم، وآخر حصن تمّ فتحه هو حصن خيبر على يد بطل الإسلام عليّ بن أبي طالب (ع) إذْ كان له الدور الكبير في فتح هذه الحصون، وأهمّها فتح حصن خيبر، ونبيّن ذلك في أربع نقاط:

الأولى: أنّه صاحب راية المسلمين:

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) صاحب لواء المسلمين في كلّ مشهد، كما ورد في الأخبار، فعن عبد الله بن عبّاس: « لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أربعٌ ما هنّ لأحد: هو أوّل عربيّ وعجميّ صلّى مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو صاحب لوائه في كلّ زحف... » [الإرشاد ج1 ص80، مناقب الخوارزميّ ص21]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال في مناشدة الشورى: « نشدتكم الله، هل فيكم أحدٌ صاحب راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منذ يوم بعثه الله إلى يوم قبضه غيري؟ قالوا: اللّهُمّ لا » [المسترشد ص57].

ولـمّا أعطى النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) لوائه لأبي بكر فانهزم خائباً، ثـمّ لعمر بن الخطّاب فرجع فارّاً مهزوماً يجبِّن أصحابَه ويجبّنونه – كما في الرواية المعتبرة -، فاشتدّ ذلك على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إذ كان في انهزامهما تأثيرٌ سلبيّ على المسلمين، وهو ممّا تطلّب أنْ يستدعي صاحب المهمّات الصعبة فقال (صلّى الله عليه وآله) «ما بال أقوام يرجعون منهزمين، يجبّنون أصحابهم، أمَا والله لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، كرار ليس بفرّار»، وفي روايةٍ أخرى: «إنّي دافعٌ لوائي غداً إلى رجلٍ يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، لا يرجع حتّى يفتح له، ليس بفرارٍ»، وفي روايةٍ ثالثة: «لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، كرّار غير فرار، لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه»، وفي روايةٍ رابعة: «ولا يولّي الدبر، يفتح الله على يديه» [مغازي الواقديّ ج2 ص648، سيرة ابن هشام ج3 ص349، فتوح البلدان ج2 ص86، صحيح ابن ماجه ج1 ص26، المستدرك ج10 ص128، خصائص أمير المؤمنين ص40].

فدعا أميرَ المؤمنين عليّاً (عليه السلام) وكان أرمد العين، فقيل له: إنّه يشتكي عينيه، فلمّا جاء عليّ (عليه السلام) أخذ (صلّى الله عليه وآله) من ماء فمه، ودَلّك عينيه، فبرئتا حتّى كأنْ لم يكن بهما وجع ودفع إليه اللواء، فكان الفتح على يديه.

الثانية: أنّه قتل أبطال يهود خيبر:

كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) الدور البارز في قتل كبار فرسان اليهود كالحارث ومرحب وعامر وياسر وغيرهم، فإنّه لـمّا دفع النبيّ (ص) لواءه إليه واتّجه نحو الحصن برز إليه الحارث -أخو مرحب-، فقتله (عليه السلام)، وفرّ أصحاب الحارث إلى الحصن، ثـمّ برز عامر - وكان رجلاً جسيماً طويلاً -، فقتله (عليه السلام)، ثمّ برز ياسر فقتله (عليه السلام)، ثمّ برز مرحب وهو يقول مرتجزاً:

قد علمت خيبر أنّي مرحب * شاكي السلاح بطل مجرّب

إذا الليوث أقبلت تلهب * وأحجمت عن صولة المغلب

فخرج له أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو يقول:

أنا الذي سمّتني أمي حيدرة * كليث غاباتٍ كريه المنظرة

أو فيهم بالصاع كيل السندرة

فاختلفا ضربتين، فبدره (عليه السلام) بضربةٍ، فقدَّ الحجرَ والمغفرَ ورأسه ووقع في الأحراش، وسمع أهل العسكر صوت ضربته [ينظر: صحيح مسلم ج5 ص189، المستدرك ج3 ص437، الاستيعاب ج3 ص1377، أسد الغابة ج4 ص533].

الثالثة: أنّه قلع باب خيبر:

لـمّا قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) فرسان اليهود انهزموا إلى داخل حصن خيبر وأغلقوا الباب عليهم، وكانت الباب كبيراً يُقدَّر طولها أربعون ذراعاً، فاجتذبه (عليه السلام) اجتذاباً وقلعه ثمّ تترّس به، وحمله على ظهره، واقتحم الحصن اقتحاماً، وجعله جسراً، فعبر المسلمون الخندق، وظفروا بالحصن ونالوا الغنائم [مصنّف ابن أبي شيبة ج6 ص374، مسند أحمد ج6 ص8، دلائل النبوّة ج4 ص212].

وقد حاول حمل هذا الباب أربعون رجلاً فلم يتمكّنوا، حتّى تكاملوا سبعين فتمّ لهم حمله، وقد قال ابن أبي الحديد المعتزليّ في ذلك:

يا قالع الباب التي عن هزّها ** عجزت أكفّ أربعون وأربعُ

وقد تعرّضنا لهذه المنقبة في جواب منفرد بعنوان: (عليّ قالع باب خيبر).

الرابعة: كان الفتح على يديه:

لـمّا قلع (عليه السلام) باب حصن خيبر ‌انتهى أمر الخيبريّين، وكان ‌الفتح ‌على ‌يديه (عليه السلام)، فتحقّق إنباء النبيّ (صلى الله عليه وآله) بأنّ خيبر تفتح على يد عليّ بن أبي طالب كما روى ذلك الشيخان، ففي لفظٍ: «لأعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه»، وفي لفظٍ آخر: «لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله، يفتح الله عليه»، قال الراوي: «فإذا نحن بعليٍّ وما نرجوه، فقالوا: هذا عليّ، فأعطاه الراية ففتح الله عليه»، وفي لفظٍ آخر: «فما رجع حتّى فتح الله على يديه» [ينظر: صحيح البخاريّ ج4 ص1542، صحيح مسلم ج5 ص189، دلائل النبوة ج 4ص210].

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً.