صحة حديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها»

السؤال: هل يصح حديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» عند أهل السنة؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم –أيّدك الله- أن حديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» من الأحاديث المشهورة عند المحدّثين، والمعروفة بين المسلمين.

وقد ورد عن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) بألفاظ متعدّدة، منها: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»، و«أنا دار العلم وعليّ بابها»، و«أنا مدينة الفقه وعليّ بابها»، و«أنا دار الحكمة وعليُّ بابها»، و«أنا مدينة الحكمة وعليّ بابها»، وغيرها.

كما أنّه مرويّ من طريق جمع غفير من الصحابة، من جملتهم: أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعبد الله بن عبّاس، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، وحذيفة بن اليمان، وأبي سعيد الخدريّ، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وعمرو بن العاص، وغيرهم.

ولذلك أفرد لها بعضُ علماء المخالفين رسائل خاصّة في جمع طرقه وبيان معناه، منها: رسالة العلّامة جلال الدين السيوطيّ الموسومة بـ: (جزء فيه طرق حديث: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»)، ومنها: رسالة العلّامة محمّد بن عليّ الشوكانيّ في (معنى حديث: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»)، ومنها: رسالة المحدّث إبراهيم بن عبد القادر الكوكبانيّ المعنونة بـ: (بحث في حديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها»)، وغيرهم.

كما أنّ جمعاً من المحدّثين والنقّاد صحّحوا بعض طرق الحديث، كالإمام يحيى بن معين [ت233هـ]، والحافظ ابن جرير الطبريّ [ت310هـ]، والحاكم النيسابوريّ [ت405هـ]، كما سيأتي نقل كلماتهم.

وصرّح جماعة كبيرة من المحدّثين والحفّاظ بكون الحديث – بمجموع طرقه - معتبراً، واختلفت أحكامهم بين قائلٍ بأنّ له أصلاً، وبين قائلٍ بأنّه حديث حسن، وبين قائلٍ بأنّه حديث صحيح، وإليك بعض كلماتهم:

قال العلّامة العلائيّ [ت761هـ]: (إنّ الحديث ينتهي بمجموع طريقي أبي معاوية وشريك إلى درجة الحسن المحتجّ به) [النقد الصحيح ج1ص52].

وقال العلّامة الزركشيّ [ت794هـ]: (والحاصل: أنّ الحديث ينتهي لمجموع طريقي أبي معاوية وشريك إلى درجة الحسن المحتجّ به، ولا يكون ضعيفاً، فضلاً عن أن يكون موضوعاً) [اللآلئ المنثورة ج1 ص165].

وقال الحافظ ابن حجر العسقلانيّ [ت852هـ]: (وهذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقلّ أحوالها أن يكون للحديث أصل، فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع) [لسان الميزان ج2 ص122].

وقال أيضاً في أجوبة الفتاوى: (هذا حديث صحّحه الحاكم، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال: إنّه كذب. والصواب خلاف قولهما معاً، وأنّه من قسم الحسن، لا يرتقي إلى الصحّة، ولا ينحطّ إلى الكذب) [ينظر: فيض القدير ج3 ص60].

وقال العلّامة السيوطيّ [ت864هـ] –بعد ذكر مَن كان يحسِّن الحديث: (وقد كنتُ أجيب بهذا الجواب دهراً إلى أن وقفتُ على تصحيح ابن جرير لحديث عليّ فى تهذيب الآثار، مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عبّاس، فاستخرتُ الله وجزمتُ بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحّة، والله أعلم) [الجامع الكبير ج18ص 444].

وقال العلّامة ابن حجر الهيتميّ [ت974هـ]: (وأمّا حديث: «أنا مدينة العلم ‌وعليّ ‌بابها» فهو حديث حسن، بل قال الحاكم: صحيح..) [الفتاوى الحديثيّة ص192].

ثـمّ إنّ بعض علماء أهل السنّة صنّفوا رسائل مفردة في صحّة الحديث، وأنّ رواته ثقات، موصوفون بالصدق والأمانة، كالمحدّث أحمد ابن الصدّيق الغماريّ فإنّه صنّف رسالته المشهورة المعروفة بـ: (فتح الملك العليّ بصحة حديث باب مدينة العلم علي)، والمحدّث محمّد بن عليّ العلويّ فإنّه صنّف رسالة موسومة بـ: (دفع الارتياب عن حديث الباب).

وسنقتصر في المقام بذكر طريقين معتبرين لهذا الحديث الشريف:

الطريق الأوّل: طريق أمير المؤمنين (عليه السلام):

أخرج الترمذيّ والطبريّ والقطيعيّ وأبو نعيم وابن المغازليّ وغيرهم بطرقهم إلى شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحيّ، عن عليّ بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا ‌دار ‌الحكمة ‌وعليّ ‌بابها» [سنن الترمذيّ ج5 ص637، تهذيب الآثار ج3ص104، فضائل الصحابة ج2 ص634، حلية الأولياء ج1 ص64، مناقب علي ص87].

قال الحافظ ابن جرير الطبريّ: (وهذا خبر صحيح سنده) [تهذيب الآثار ج3 ص104].

وقال المحبّ الطبريّ – بعد نقله -: (أخرجه الترمذيّ وقال: حسن غريب) [الرياض النضرة ج3 ص159].

وقال الكنجي الشافعيّ: (هذا حديث حسن عالٍ) [كفاية الطالب ص118].

وقال السيّد أحمد ابن الصدّيق الغماريّ – بعد نقل تصحيح ابن جرير الطبريّ -: (قلت: أصاب ابن جرير (ره) في تصحيح هذا الحديث..) [فتح الملك العلي ص53].

أقول: ولـمّا زعم بعضهم – أنّ هذا الحديث لا يُروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلّا من هذا الوجه – ردّ عليهم السيّد الغماريّ: بأنّه يُروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) بأربعة وجوه أخرى، أحدها: من رواية الحارث وعاصم بن ضمرة كلاهما عن أمير المؤمنين، وثانيها: من رواية ابنه الحسين (عليه السلام) عنه، وثالثها: من رواية الأصبغ بن نباتة عنه، ورابعها: من رواية الشعبيّ عنه. [ينظر فتح الملك العلي ص53].

الطريق الثاني: طريق عبد الله بن عبّاس:

أخرج الطبريّ والطبرانيّ والحاكم والخطيب وابن عساكر وغيرهم بطرقهم إلى أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال رسول الله (صلى اله عليه وآله): «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمَن أراد المدينة فليأتِ الباب» [تهذيب الآثار ج4 ص124، المعجم الكبير ج11 ص65، المستدرك ج3 ص126، تاريخ بغداد ج12 ص 315، تاريخ دمشق ج 42 ص 380].

ذكر الخطيب البغداديّ – بعد نقل هذا الحديث من طريق القاسم الأنباريّ عن أبي الصلت عن أبي معاوية -: (قال القاسم: سألتُ يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال: هو صحيح)، ثـمّ قال الخطيب: (قلت: أراد أنّه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل؛ إذ قد رواه غير واحد عنه) [تاريخ بغداد ج11 ص51].

وقال الحاكم النيسابوريّ: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) [المستدرك ج3 ص126].

وأخرجه الحافظ أبو محمّد الحسن بن أحمد السمرقنديّ في كتابه (بحر الأسانيد في صحاح المسانيد) [ينظر فتح الملك العلي ص22].

وقال العلّامة السخاويّ –بعد نقل طرقه-: (وأحسنها حديث ابن عبّاس، بل هو حسن) [المقاصد الحسنة ج1 ص170].

وقال السيّد أحمد الغماريّ: (فهذا الحديث بمفرده على شرط الصحيح، كما حكم به يحيى بن معين والحاكم وأبو محمّد السمرقنديّ) [فتح الملك العلي ص25].

أقول: وللحديث شواهد كثيرة من القرآن الكريم والأحاديث النبويّة وكلمات الصحابة والتابعين والعلماء، ذكرناها في جواب منفرد بعنوان: (شواهد حديث مدينة العلم).

فتضعيف بعض المخالفين لهذا الحديث مردودٌ بكثرة طرقه، واشتهاره، وتصحيح علمائهم له، مع وفرة شواهده. والظاهر أن الباعث لتضعيفه هو دلالته على أعلميّة أمير المؤمنين (عليه السلام) وتفضيله على الصحابة، كما يتبيّن من كلمات بعض علمائهم - الذين قبلوا الحديث - فإنّهم تكلّموا حول دلالة الحديث على أفضليّة أمير المؤمنين (عليه السلام) على أبي بكر وعمر، ونفوا دلالته بكل جرأة! وقد تعرّضنا إلى دلالات هذا الحديث الشريف في جواب منفرد بعنوان: (دلالات حديث مدينة العلم) فليراجع.

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً