شواهد حديث مدينة العلم

السؤال: ما هي الشواهد على حديث: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها»

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد تقدّم في جواب سابق لمركزنا الكلام حول صحّة سند الحديث النبويّ الشريف: «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب»، وهذا المعنى تؤكّده مجموعة كبيرة من الشواهد والمؤيّدات؛ من النصوص القرآنيّة، والأحاديث النبويّة، وآثار الصحابة، وكلام التابعين، وها نحن نذكر لك طائفة منها معزّزة ببعض المصادر التي وردت فيها مقتصرين في ذلك على ما جاء عن طريق العامّة فقط:

أوّلاً: الشواهد في القرآن الكريم:

1ـ قول الله تعالى: ﴿وَيَقولُ الَّذينَ كَفَروا لَستَ مُرسَلًا قُل كَفى بِاللَّهِ شَهيدًا بَيني وَبَينَكُم وَمَن عِندَهُ عِلمُ الكِتابِ﴾ [الرّعد: ٤٣].

فقد صرّحت روايات العامّة نزول الآية في أمير المؤمنين (عليه السلام)، فعن أبي سعيد الخدري قال: «سألت رسول الله (ص) عن قول الله تعالى: {وَمَن عِندَهُ عِلمُ الكِتابِ}، قال: ذاك أخي عليّ بن أبي طالب»، وعن أبي صالح لـمّا سُئل عن المقصود بالآية قال: «عليّ بن أبي طالب، كان عالماً بالتفسير والتأويل والناسخ والمنسوخ والحلال والحرام» [شواهد التنزيل ج1 ص400–405].

2ـ قوله تعالى: وقوله تعالى: ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ [الحاقة: ۱۲].

روى الطبريّ بالإسناد إلى مكحول قال: «قرأ رسول الله (ص): ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ ثمّ التفت إلى عليّ، فقال: سألتُ الله أن يَجعلها أُذُنَك، قال عليّ: فما سمعتُ شيئاً من رسول الله (ص) فنسيته»، وروى أيضاً عن بريدة قال: «سمعت رسول الله (ص) يقول لعليّ: يا عليّ، إنّ الله أمرني أن أدنيك ولا أُقصيك، وأن أعلّمك وأن تعي، وحقٌّ على الله أن تعي، قال: فنزلت: ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾» [تفسير الطبري ج23ص223].

3ـ قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [سورة الأنبياء: 7]

فقد روى العامّة بالإسناد إلى عليّ (عليه السلام) قال: «نحن أهل الذكر الذي عنانا الله جلّ وعلا في كتابه» [شواهد التنزيل ج1 ص436، تفسير الثعلبي ج6ص270]

4ـ قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: 7]

فقد روى أحمد بن حنبل بالإسناد إلى أبي سعيد الخدريّ قال: «كنا جلوساً ننتظر رسول الله (ص) فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلّف عليها على يخصفها فمضى رسول الله (ص) ومضينا معه ثمّ قام ينتظره وقمنا معه فقال: إنّ منكم من يُقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلتُ على تنزيله. فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر فقال: لا ولكنّه خاصف النعل، قال فجئنا نبشره قال فكأنه قد سمعه» [مسند أحمد ج3 ص82]، وقال الهيثميّ: (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة) [مجمع الزوائد ج9 ص134].

5 ـ قوله تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 269].

فقد روى العامّة بالإسناد عبد الله بن مسعود قال: «قال رسول الله (ص): قُسِّمت الحكمة عشرة أجزاء فأُعطي عليّ تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً، وعليٌّ أعلم بالواحد منهم» [المناقب لابن المغازليّ ص352، حلية الأولياء ج1 ص64، شواهد التنزيل ج1 ص136، كنز العمال ج11 ص615، تاريخ دمشق ج42 ص384 ].

ثانياً: الشواهد من السنّة الشريفة:

1ـ ورد عن أبي ذرّ الغفاريّ عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال: «عليٌّ باب ‌علمي، ‌ومُبيّن ‌لأمّتي ما أُرسلت به من بعدي، حُبّه إيمان وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة ومودّته عبادة» [الفردوس بمأثور الخطاب ج3 ص65، كنز العمّال ج11 ص614].

2ـ ورد عن ابن عبّاس وسعيد بن زيد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال: «يا أمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليٌّ أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وعيبة علمي، وبابي الذي أوتى منه...» [كفاية الطالب ص167، فرائد السمطين ج1 ص150].

3ـ ورد عن ابن عبّاس عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «أنا ميزان العلم وعليٌّ كفّتاه» [الفردوس ج1 ص77، إتحاف السائل ص75].

4ـ نقل القاضي الميبديّ الشافعيّ - عن الغزّاليّ وحكم بصحّته – عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «أنا ميزان الحكمة وعليٌّ كفّتاه» [ينظر: شرح الديوان المرتضويّ ص3].

5ـ ورد عن ابن عبّاس عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قال: «أتاني جبريل (عليه السلام) بدرنوك من درانيك الجنّة، فجلست عليه، فلمّا صرت بين يديَّ ربي كلّمني وناجاني، فما علّمني شيئاً إلّا عَلِمه عليٌّ، فهو ‌باب ‌مدينة ‌علمي، ثمّ دعاه النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) إليه فقال له: يا عليُّ سلمك سلمي، وحربك حربي، وأنت العَلَم ما بيني وبين أمّتي من بعدي» [المناقب لابن المغازليّ ص101، ينابيع المودّة ج1 ص214].

6ـ ورد عن سلمان المحمّديّ عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال: «أعلم ‌أمّتي ‌من ‌بعدي عليّ بن أبي طالب» [الفردوس ج1 ص370].

7ـ ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «أقضاكم عليّ» [جواهر المطالب ص76، فتح الباري ج10 ص487، فيض القدير ج1 ص285].

ثالثاً: شهادة الصحابة له بالأعلميّة:

1ـ عن الإمام الحسن (عليه السلام) قال – بعد شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) -: «لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأوّلون بعلمٍ ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يبعثه بالراية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله لا ينصرف حتّى يُفتح له» [مسند أحمد ج2 ص344].

2ـ عن عبد الله بن مسعود قال: «أنزل القرآن على سبعة أحرف، ما منها حرف إلّا وله بطن وظهر، وأما عليّ؛ فعنده منه علم الظاهر والباطن» [منتهى السؤول ج3 ص347]

3ـ عن عبد الله بن عبّاس قال: «إذا ثبت لنا شيء عن عليٍّ لم نعدل إلى غيره» [ينابيع المودّة ج3 ص144]، وقال – لـمّا سئل عن عليٍّ (عليه السلام): «رحمةُ الله على أبي الحسن، كان والله علم الهدى، وكهف التقى، وطود النهى، ومحل الحجا، وغيث الندى، ومنتهى العلم للورى، ونوراً أسفر في الدجى، وداعياً إلى المحجّة العظمى، مستمسكاً بالعروة الوثقى، أتقى من تقمّص وارتدى، وأكرم مَن شهد النجوى بعد محّمد المصطفى، وصاحب القبلتين، وأبو السبطين، وزوجته خير النسا، فما يفوقه أحد، لم ترَ عيناي مثله، ولم أسمع بمثله، فعلى من بغضه لعنة الله ولعنة العباد إلى يوم التناد.» [ذخائر العقبى ص78]

4ـ عن سعد بن أبي وقّاص أنّه قال لمن يشتم أمير المؤمنين: «يا هذا، ‌علامَ ‌تشتم ‌عليّ بن أبي طالب؟ ألم يكن أوّل من أسلم؟ ألم يكن أول من صلّى مع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس؟...» [المستدرك ج3 ص571]، قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبيّ.

5ـ نقل ابن عبد البرّ: «وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له عليَّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) عن ذلك، فلمّا بلغه قتله قال: ‌ذهب ‌الفقه ‌والعلم بموت ابن أبي طالب. فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام، فقال له: دعني عنك» [الاستيعاب ج3 ص108].

6ـ عن عائشة بنت أبي بكر: «عليٌّ ‌أعلم ‌الناس ‌بالسُنَّة» [التاريخ الكبير ج3 ص83، المؤتلف والمختلف ج1 ص526].

وقد عقد غيرُ واحد من علماء العامّة فصولاً حول أعلميّته ومراجعات كبار الصحابة له (عليه السلام) وسؤالهم منه، وشهادة الخلفاء له بالفضل والعلم ورجوعهم إليه وأنّهم لولاه لهلكوا [ينظر: ذخائر العقبى ص79، جواهر المطالب ج1 ص193، أُسد الغابة ج4 ص22، الغدير ج3 ص99].

رابعاً: شهادة التابعين له بالأعلميّة:

1ـ عن أبي عائشة مسروق بن الأجدع قال: «انتهى العلم إلى ثلاثة: عالم بالمدينة وعالم بالشام وعالم بالعراق؛ فعالِـمُ المدينة عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وعالِـمُ العراق عبد الله بن مسعود، وعالِـمُ الشام أبو الدرداء، فإذا التقوا سأل عالِـمُ الشام وعالِـمُ العراق عالِـمَ المدينة ولَـم يسألهما» [طبقات الفقهاء ص42].

2ـ عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: «قلت لعطاء بن أبي رباح: أكان في أصحاب محمّد (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أحد أعلم من عليٍّ؟ قال: لا والله ما أعلمه) [الاستيعاب ج3 ص1104، تاريخ دمشق ج42 ص410].

3ـ عن سعيد بن المسيّب قال: «ما كان أحد من الأمّة يقول: «سلوني» غير عليٍّ (عليه السلام)» [تهذيب الأسماء واللغات ج1 ص346، ينابيع المودّة ج3 ص144].

وهنالك كلمات أخرى لغيرهم من التابعين أعرضنا عنها تجنباً للإطالة [ينظر: الغدير ج3 ص99-100].

خامساً: شهادته لنفسه بالأعلميّة:

1ـ عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: «سمعت عليّاً (رضي الله عنه) قام فقال: سلوني قبل أن تفقدوني ولن تسألوا بعدي مثلي..» [المستدرك ج2 ص325]، قال الحاكم: (حديث صحيح عالٍ.. ولم يخرّجاه).

2ـ عن عمير بن عبد الله قال: «خطبنا عليٌّ (عليه السلام) على منبر الكوفة فقال: أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فبين الجبينين منّي علمٌ جمٌّ».

وعن أبي الطفيل: أنّه (عليه السلام) قال: «يا أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما بين لَوحَي المصحف آيةٌ تخفى عليَّ فيمَ أُنزلت، ولا أين أُنزلت، ولا ما عُني بها، والله لا تلقوا أحداً يحدّثكم ذاكم بعدي حتّى تلقوا نبيّكم (صلّى الله عليه [وآله]وسلّم)» [تاريخ دمشق ج42 ص397-400].

3ـ وقال (عليه السلام) في خطبةٍ له: «أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم..» [ينابيع المودّة ج3 ص450].

سادساً: ما اتّفق عليه علماء الأمّة:

اتفق علماء الأمّة من الفريقين على احتياج الصحابة إليه، وعدم احتياجه إلى أحد منهم في شيء من جميع أنواع العلوم على الإطلاق؛ قال الإمام النوويّ: (وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات مشهورٌ) [تهذيب السماء واللغات ج1 ص346]. ولعلمائهم كلمات أخرى كثيرة تركناها رعاية للاختصار [ينظر: نفحات الأزهار ج12 ص48].

وفي المقام شواهد أخرى كثيرة جدّاً ذكرها علماء الفريقين فلتطلب من محالّها [ينظر: نفحات الأزهار ج10 ص319- 417، فتح الملك العليّ ص65، دفع الارتياب عن حديث الباب ص186].

الخلاصة: حديث مدينة العلم صحيح ومعتبر بنفسه كما صرّح بذلك جمع من علماء أهل السنّة، ولمركزنا جواب منفرد حول ذلك بعنوان: (صحّة حديث: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»)، وقد دلّت على صحّة معناه وصدق مضمونه الشواهد من القرآن الكريم والسنّة المطهّرة وتصريحات الصحابة وشهادات التابعين وغير ذلك، كما أوضحناه هاهنا.

ويستفاد من هذا الحديث الشريف وشواهده الكثيرة هو كون أمير المؤمنين (عليه السلام) إماماً معصوماً، وأنّه أعلم الأمّة، وأنّ جميع العلوم الإلهيّة المودعة عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد انتقلت إليه فانحصرت فيه، فصار الطريق الأوحد الذي يهدي إليها، الأمر الذي يعني وجوب رجوع المسلمين إليه وتمسّكهم به (عليه السلام)؛ لأجل تحصيل تلك العلوم، وإلّا وقعوا في الاختلاف والفتنة والضلال، كما أوضحناه في جواب منفرد بعنوان: (دلالات حديث مدينة العلم).

هذا غيض من فيض، والحمد لله ربّ العالمين.