شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
السؤال: ما هو الدليل على شهادة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا في جوابٍ سابق تحت عنوان «ما منَّا إلَّا مقتول أو مسموم»: أنَّ المستفاد من جملةٍ من الروايات المعتبرة والمؤيَّدة بكلمات الأعلام: أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) وسائر المعصومين (عليهم السلام) قد خرجوا من الدنيا بالقتل أو السُّم، ومنهم سيِّدنا ومولانا الإمام الكاظم (عليه السلام)، كما هو واضح.
هذا، وقد ورد في جملةٍ كبيرة من المصادر التصريح بشهادة الإمام الكاظم (عليه السلام) على وجه الخصوص نذكر منها ما يأتي:
1ـ ما رواه الشيخ الكلينيّ والحميريّ والصدوق والطوسيّ (طاب ثراهم) بإسناد صحيح عن الحسن بن محمَّد بن بشَّار، قال: « حدَّثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامَّة ببغداد، ممَّن كان يُنقل عنه، قال: قال لي: قد رأيتُ بعضَ مَن يقولون بفضله من أهل هذا البيت، فما رأيتُ مثله قطّ في فضله ونسكه، فقلت له: مَن؟ وكيف رأيته؟ قال: جُمعنا أيّام السنديّ بن شاهك ثمانين رجلاً من الوجوه المنسوبين إلى الخير، فأُدخلنا على موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فقال لنا السنديّ: يا هؤلاء، انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدثٌ، فإنَّ الناس يزعمون أنَّه قد فُعل به، ويكثرون في ذلك، وهذا منزله وفراشه، موسَّع عليه غير مضيَّق، ولم يرد به أمير المؤمنين سوءاً، وإنَّما ينتظر به أنْ يقدم فيناظر أمير المؤمنين، وهذا هو صحيح موسَّع عليه في جميع أموره، فسلوه، قال: ونحن ليس لنا همٌّ إلَّا النظر إلى الرجل وإلى فضله وسَمْته، فقال موسى بن جعفر (عليهما السلام): أمَّا ما ذكر من التوسعة وما أشبهها فهو على ما ذكر، غير أنّي أخبركم أيُّها النفر: أنِّي قد سُقيتُ السُّمَّ في سبع تمرات، وأنا غداً أخضرُّ، وبعد غدٍ أموت، قال: فنظرتُ إلى السنديّ بن شاهك يضطربُ ويرتعد مثل السعفة» [الكافي ج1 ص258، قرب الإسناد ص333، الأمالي للصدوق ص213، عيون أخبار الرضا ج1 ص91، الغيبة للطوسيّ ص56].
2ـ وما رواه الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن عليّ بن محمَّد بن سُليمان النوفليّ قال: سمعتُ أبي يقول: «لما قَبض الرشيد على موسى بن جعفر (عليهما السلام) قبض عليه وهو عند رأس النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) قائماً يصلِّي....فما مضت ذلك إلَّا أيّام يسيره حتَّى حمل موسى بن جعفر (عليهم السلام) سرَّاً إلى بغداد وحبس، ثمَّ أطلق، ثمَّ حبس، ثمَّ سُلِّم إلى السنديّ بن شاهك فحبسه وضيَّق عليه، ثمَّ بعث الرشيد بسمٍّ في رطب وأمره أنْ يُقدِّمه إليه، ويحتِّم عليه في تناوله منه، ففعل فمات (صلوات الله عليه)» [عيون أخبار الرضا ج1 ص82].
3ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن أحمد بن عبد الله الفرويّ، عن أبيه، قال: «دخلتُ على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح....إلى قوله: فقال: هذا أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)....إلى قوله: فرفع (عليه السلام) يده إلى السماء، فقال: «يا رب، إنّك تعلم أنِّي لو أكلتُ قبل اليوم كنتُ قد أعنتُ على نفسي». قال: فأكل فمرض، فلمَّا كان من غدٍ بعث إليه بالطبيب ليسأله عن العلَّة. فقال له الطبيب: ما حالك؟ فتغافل عنه، فلمَّا أكثر عليه أخرج إليه راحته فأراها الطبيب، ثمَّ قال: هذه علَّتي، وكانت خضرة في وسط راحته تدلُّ على أنّه سمّ، فاجتمع في ذلك الموضع، قال: فانصرف الطبيب إليهم، وقال: والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم، ثمَّ توفّي (عليه السلام)» [الأمالي ص210، عيون أخبار الرضا ج1 ص99].
4ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن عتاب بن أسيد، عن جماعة من مشايخ أهل المدينة، قالوا: «لمّا مضى خمسة عشر سنة من ملك الرشيد استشهد وليّ الله موسى بن جعفر (عليهما السلام) مسموماً، سمَّه السنديّ بن شاهك بأمر الرشيد في الحبس المعروف» [عيون أخبار الرضا ج1 ص92].
5ـ وما رواه الشيخ المفيد (طاب ثراه) بالإسناد عن أحمد بن محمَّد بن سعيد وأبي محمَّد الحسن بن محمَّد بن يحيى، عن مشايخهم قالوا: «كان السبب في أخذ موسى بن جعفر (عليهما السلام)... ثمَّ خرج يحيى بن خالد على البريد حتَّى وافى بغداد، فماج الناس وأرجفوا بكلِّ شيءٍ، وأظهر أنّه ورد لتعديل السواد والنظر في أمر العمَّال، وتشاغل ببعض ذلك أيّاماً، ثمَّ دعا السنديّ فأمره فيه بأمره فأمتثله. وكان الذي تولَّى به السنديّ قتله (عليه السلام) سُمَّـاً جعله في طعام قدَّمه إليه، ويقال: إنّه جعله في رطب أكل منه فأحسَّ بالسمّ، ولبث ثلاثاً بعده موعوكاً منه، ثمَّ مات في اليوم الثالث» [الإرشاد ج2 ص237].
6ـ وما نقله ابن الصبّاغ المالكيّ، ونصُّه: «روي أنَّ شخصاً من بعض العيون التي كانت عليه في السجن رفع إلى عيسى بن جعفر أنّه سمعه يقول في دعائه: «اللّهُمّ إنّك تعلم أنّي كنتُ أسألك أنْ تفرِّغني لعبادتك، اللّهُمّ وقد فعلت فلك الحمد». فلمَّا بلغ الرشيد كتاب عيسى بن جعفر كَتَب إلى السنديّ بن شاهك أنْ يتسلَّم موسى بن جعفر الكاظم من عيسى، وأمره فيه بأمرٍ، فكان الذي تولَّى به قتله السنديّ أنْ يجعل له سمَّـاً في طعام، وقدَّمه إليه، وقيل في رطبٍ، فأكل منه موسى بن جعفر (عليه السلام) ثمَّ إنّه أقام موعوكاً ثلاثة أيّام ومات» [الفصول المهمَّة ج2 ص954].
7ـ وقال الشيخ الطوسيّ (طاب ثراه): (هو موسى بن جعفر بن محمَّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) الكاظم الإمام العبد الصالح إمام المؤمنين. كنيته أبو الحسن، ويكنَّى أبا إبراهيم، ويكنَّى أيضاً أبا عليّ. ولد بالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة من الهجرة. وقبض قتيلاً بالسمّ ببغداد في حبس السنديّ بن شاهك) [تهذيب الأحكام ج6 ص81].
8 ـ وقال ابن الطقطقيّ في تاريخه: (وأمَّا الرشيد، فإنّه حجَّ في تلك السنة، فلمَّا ورد المدينة قبض على موسى بن جعفر (عليهما السلام) وحمله في قبَّة إلى بغداد، فحبسه عند السنديّ بن شاهك، وكان الرشيد بالرقَّة فأمر بقتله فقُتل قتلاً خفيَّاً، ثمَّ أدخلوا عليه جماعة من العدول بالكوخ ليشاهدوه، إظهاراً أنّه مات حتف أنفه (صلوات الله عليه وسلامه)) [الفخريّ ص196].
9ـ وقال السيِّد ابن طاووس في الصلاة عليه: (اللّهُمّ صلِّ على محمَّد وأهل بيته، وصلِّ على موسى بن جعفر، وصيّ الأبرار، وإمام الأخيار، وعيبة الأنوار، ووارث السكينة والوقار، والحكم والآثار، الذي كان يُحيي الليل بالسهر إلى السحر بمواصلة الاستغفار، حليف السجدة الطويلة، والدموع الغزيرة، والمناجاة الكثيرة، والضراعات المتَّصلة، ومقرّ النهى والعدل، والخير والفضل، والندى والبذل، ومألف البلوى والصبر، والمضطهد بالظلم، والمقبور بالجور، والمعذَّب في قعر السجون وظلم المطامير، ذي الساق المرضوض بحلق القيود، والجنازة المنادى عليها بذل الاستخفاف، والوارد على جدِّه المصطفى، وأبيه المرتضى، وأمِّه سيِّدة النساء، بإرثٍ مغصوب، وولاءٍ مسلوب، وأمرٍ مغلوب، ودمٍ مطلوب، وسمٍّ مشروب) [مصباح الزائر ص382].
10ـ وقال الشيخ محمَّد بن مكِّي العامليّ، الشهيد الأوَّل (طاب ثراه): (الإمام الكاظم، أبو الحسن، وأبو إبراهيم، وأبو عليّ، موسى بن جعفر الصادق (عليه السلام)، وأمُّه حميدة البربريَّة، ولد بالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة، وقيل: سنة تسع وعشرين ومائة، يوم الأحد، سابع صفر، وقُبض مسموماً ببغداد في حبس السنديّ بن شاهك) [الدروس الشرعيّة ج2 ص13]. إلى غيرها من الكلمات الكثيرة الواردة في هذا الشأن، كما لا يخفى على المطالِع.
والنتيجة المتحصَّلة من كلِّ ذلك، أنَّ الأدلَّة ـ العامَّة والخاصَّة ـ الدالَّة على استشهاد سيَّدنا وإمامنا موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) كثيرةٌ جدَّاً، تجاوزت حدَّ الاستفاضة.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق