«ما منَّا إلَّا مقتول أو مسموم»

السؤال: هل ثبتتْ شهادة جميع الأئمَّة (عليهم السلام) بدليلٍ مُعتبرٍ، أو أنَّه مختصٌّ بالبعض منهم فقط، يُرجى بيان هذا الأمر؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

تظافرت الروايات الدالَّة على شهادة جميع الأئمَّة (عليهم السلام)، وأنَّـهم خرجوا من الدنيا ما بين مقتول أو مسموم، وفيما يلي بيان ذلك:

1ـ ما رواه الشيخان الصفَّار وسعد الأشعري (طاب ثراهما) بإسناد مُعتبر عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «فقال النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله):.. ما من نبيٍّ ولا وصيٍّ إلَّا شهيد» [بصائر الدرجات ص523، مختصر البصائر ص15].

2ـ وما رواه الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسندٍ مُعتبر عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعتُ الرضا (عليه السلام) يقول: «والله ما منّا إلَّا مقتول شهيد» [عيون أخبار الرضا ج2 ص287، الأمالي ص120، من لا يحضره الفقيه ج2 ص585].

3ـ وما رواه الصدوق أيضاً بسندٍ متَّصل عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت الهروي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «والله، لقد قُتل الحسين (عليه السلام)، وقُتل مَن كان خيراً من الحسين، أمير المؤمنين والحسن بن عليّ (عليهما السلام)، وما منَّا إلَّا مقتول، وإنِّي ـ والله ـ لمقتول بالسمّ» [عيون أخبار الرضا ج2 ص219].

4ـ وما رواه الشيخ الخزَّاز (طاب ثراه) بسنده عن هشام بن محمَّد، عن أبيه، عن مولانا الحسن المجتبى (عليه السلام) وفيه قوله: «ولقد حدَّثني جدِّي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): أنَّ الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منَّا إلَّا مقتول أو مسموم» [كفاية الأثر ص162].

5ـ وما رواه الخزَّاز أيضاً بسنده عن جنادة بن أبي أميد قال: «دخلت على الحسن بن عليّ (عليهما السلام) في مرضه الذي توفِّي فيه، وبين يديه طشت يقذف فيه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السمّ الذي أسقاه معاوية، فقلتُ: يا مولاي، ما لك لا تعالج نفسك؟ فقال: يا عبد الله، بماذا أعالج الموت؟ قلتُ: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. ثمَّ التفت إليَّ وقال: والله إنّه لعهدٌ عهده إلينا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): أنَّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً...ما منَّا إلَّا مسموم أو مقتول» [كفاية الأثر ص226].

كلمات الأعلام:

وقد صرَّح جمعٌ من العُلماء بشهادة جميع الأئمَّة (عليهم السلام) استناداً إلى هذه الروايات المذكورة، منهم:

1ـ الشيخ الطبرسيّ (طاب ثراه)، ونصُّه: (ذهب كثير من أصحابنا إلى أنَّه [الإمام الهادي] (عليه السلام) مضى مسموماً، وكذلك أبوه، وجدُّه، وجميع الأئمَّة (عليهم السلام) خرجوا من الدنيا بالشهادة. واستدلُّوا في ذلك بما روي عن الصادق (عليه السلام) من قوله: «والله ما منَّا إلَّا مقتول شهيد») [إعلام الورى ج2 ص131].

2ـ الشيخ ابن شهر آشوب (طاب ثراه)، ونصُّه: (ذهب كثيرٌ من أصحابنا إلى أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) خرجوا من الدنيا على الشهادة. واستدلُّوا بقول الصادق (عليه السلام): «والله ما منَّا إلَّا مقتول شهيد») [مناقب آل أبي طالب ج2 ص209].

3ـ السيِّد هاشم الحسنيّ (طاب ثراه)، ونصُّه: (وقيل: إنَّ مرضه [الإمام العسكريّ] كان نتيجة عمل عدواني قام به المعتمد العبَّاسيّ، فدسَّ إليه من وضع له السمّ في الطعام، وإلى ذلك ذهب جماعة من محدِّثي الشيعة وعلمائهم، واعتمد هؤلاء على روايةٍ وردت على لسان بعض المحدِّثين عن الإمام الصادق (عليه السلام) جاء فيها أنّه قال: «ما منّا إلَّا مقتول أو مسموم»، وعلى أساسها ذهبوا إلى أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) كانوا ضحايا الغدر والعدوان، وأنَّ من لم يمت منهم بالسيف مات مسموماً. وأنا لا أستبعدُ ذلك على الحكَّام مع مَن يتخوَّفون منه على عروشهم، والتاريخ مليءٌ بالشواهد على ذلك) [سيرة الأئمَّة الاثني عشر ج2 ص507].

4ـ الميرزا جواد التبريزيّ (طاب ثراه)، ونصُّه: (هل نَصِفُ رحيل المعصوم بالاستشهاد أم الوفاة؟ باسمه تعالى: ورد في النقل عن الأئمَّة (عليهم السلام) إنَّهم قالوا: «ما منَّا إلَّا مقتول أو مسموم» فيُعبَّر عنهم (صلوات الله عليهم أجمعين) بالشهداء في حفظ الدين والمذهب، من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)، حتَّى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ففي الرواية الصحيحة أنَّ الزهراء «صدِّيقة شهيدة»، فجزاهم الله عن الإسلام وأهله خير جزاء النبيّين) [صراط النجاة ج10 ص390].

وقال (طاب ثراه) أيضاً: (ما هي عقيدتنا في أنَّ الإمام إمَّا مقتول أو مسموم؟ باسمه تعالى: قد روي بطريق مُعتبر عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنَّه قال: «ما منَّا إلَّا مقتول شهيد» والله العالم) [صراط النجاة ج5 ص282].

5ـ السيِّد محمَّد صادق الروحانيّ (طاب ثراه)، ونصُّه: (هل صحيح أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) قُتل مسموماً؟ باسمه جلت أسماؤه: الذي عليه التحقيق: أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) قُبض بالمدينة مسموماً يوم الاثنين، لليلتين بقيتا من شهر صفر، سنة عشرة من الهجرة، وله ثلاث وستُّون سنة، وقد دلَّت على ذلك عدَّة من الأخبار الخاصَّة، مضافاً للعموم الوارد بسندٍ معتبر: «ما منَّا إلَّا مقتول أو مسموم») [أجوبة المسائل ج1 ص123].

ولنختم جوابنا هذا بكلام مهمّ لشيخنا الأقدم الصدوق (طاب ثراه)، فإنَّه قال بعد ذكره لشهادة النبيّ الأعظم والأئمَّة (عليهم السلام) بالقتل أو السمّ، ما هذا نصُّه: (واعتقادنا في النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّـه سُمَّ.. وأمير المؤمنين (عليه السلام) قتله عبد الرحمن بن ملجم (لعنه الله)، ودفن بالغريّ. والحسن بن عليّ (عليهما السلام) سمَّته امرأته جعدة بنت الأشعث الكنديّ، مات في ذلك. والحسين بن عليّ (عليهما السلام) قُتل بكربلاء.. وعليّ بن الحسين سيّد العابدين (عليه السلام) سمَّه الوليد بن عبد الملك فقتله. والباقر محمَّد بن عليّ (عليهما السلام) سمَّه إبراهيم بن وليد فقتله. والصادق (عليه السلام) سمَّه المنصور فقتله. وموسى بن جعفر (عليهما السلام) سمَّه هارون الرشيد فقتله. والرضا عليّ بن موسى (عليهما السلام) قتله المأمون بالسُّم. وأبو جعفر محمَّد بن عليّ (عليهما السلام) قتله المعتصم بالسُّم. وعلي بن محمَّد (عليه السلام) قتله المعتضد [المعتزّ] بالسُّم. والحسن بن علي العسكري (عليه السلام) قتله المعتمد بالسُّم) [الاعتقادات ص97].

والمتحصَّل من مجموع هذه الأخبار المستفيضة ـ وبعضها معتبرة الإسناد ـ والمؤيَّدة بكلمات الأعلام والمحقّقين هو أنَّ النبي الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) وسائر الأئمَّة (عليهم السلام) قد خرجوا من الدنيا إمَّا بالقتل وإمَّا بالسمِّ، مع قطع النظر عن الروايات الخاصَّة الواردة في سيرة كلِّ معصوم على حدة، إذ هي رواياتٌ كثيرة أيضاً، وقد جمع قِسماً منها الشيخ جعفر البياتيّ في كتابه الموسوم بـ(شهادة الأئمَّة) فراجع. والحمد لله ربِّ العالمين.