هل صلح الإمام الحسن يمنح شرعيّة لمعاوية؟

السؤال: من عناصر إيمان الرافضة - بل العنصر الأوّل في إيمانهم - اعتقادهم بعصمة الحسن وأبيه وأخيه وتسعة من ذرّيّة أخيه ومن مقتضى عصمتهم - وفي طليعتهم الحسن بعد أبيه - أنّهم لا يخطئون وأنّ كلّ ما صدر عنهم فهو حقّ، والحقّ لا يتناقض ، وأهمّ ما صدر عن الحسن بن عليّ بيعته لأمير المؤمنين معاوية ، وكان ينبغي لهم أن يدخلوا في البيعة وأن يؤمنوا بأنّها الحقّ ؛ لأنّها من عمل المعصوم عندهم لكن المشاهد من حالهم أنّهم كافرون بها ومخالفون فيها لإمامهم المعصوم ولا يخلو هذا من أحد وجهين : فإمّا أنّهم كاذبون في دعوى العصمة لأئمّتهم الاثني عشر فينهار دينهم من أساسه لأنّ عقيدة العصمة لهم هي أساسه ولا أساس له غيرها ، وإمّا أن يكونوا معتقدين عصمة الحسن وأنّ بيعته لمعاوية هي من عمل المعصوم لكنّهم خارجون عن الدين مخالفون للمعصوم فيما جنح إليه وأراد أن يلقى الله به ويتواصون بهذا الخروج عن الدين جيلا بعد جيل وطبقة بعد طبقة ليكون ثباتهم على مخالفة الإمام المعصوم عن إصرار وعناد ومكابرة وكفر ، ولا ندري أيّ الوجهين يطَوِّح بهم في مهاوي الهلكة أكثر ممّا يطوح بهم الوجه الآخر ولا ثالث لهما ! " . محبّ الدين الخطيب هامش المنتقى ص : ٦٦/٦٥

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

اعلم أخي القارئ الكريم أنّ هذا الكلام ممّا يُدندن به كثيرٌ من المخالفين بين الحين والحين ظنّاً منهم أنّه الدليل الحاسم الذي يبطل قول الشيعة بعصمة أئمّتهم، وممّا يُحيّر العقول أنّهم يجعلون صلح الإمام الحسن (ع) لمعاوية من أفضل مناقبه، إذْ في تكملة هذا النصّ في هامش كتاب (أبو بكر بن عربيّ العواصم من القواصم)، جاء فيه: "أمّا المؤمنون بنبوّة جدّ الحسن صلّى الله عليه وسلّم - يقصد بهم أهل السنّة - فيرون صلحه مع معاوية وبيعته له من أعلام النبوّة". فإن كان ما فعله الإمام الحسن في نظرهم هو الحقّ والصواب، فكيف يكون نفس الصلح دليلاً على عدم عصمته؟ والإمام لم يفعل غير الحقّ، ولم يقم بغير الصواب؟ فهل الذي يفعل الصواب يكون غير معصوم عندهم؟

وهل صلح المعصوم مع الكافر أو الظالم يُعدُّ دليلاً على إيمان الكافر وعدل الظالم؟

وهل صلح رسول الله (ص) مع كفّار قريش كان تزكية لهم واعتراف بحقّهم عليه؟

يعجب المرء كثيراً من طريقة هؤلاء في التفكير؛ كيف يُعميهم الاصطفاف الطائفيّ عن الالتزام بقواعد التفكير المنطقيّ؟

والظاهر أنّ هؤلاء لم يجدوا في سيرة أهل البيت الناصعة ما يبطلون به عصمتهم، فوقعوا في هذه المغالطة عندما استشهدوا بصلح الإمام الحسن لمعاوية، ولكي تتّضح هذه المغالطة يجب أن نفرّق بين أمرين، الأوّل: الموضوعات والعناوين الخارجيّة، والثاني: موقف الإنسان وما يقوم به اتّجاه تلك الموضوعات والعناوين.

والسؤال المحوريّ الذي يكشف التناقض الذي وقع فيه هؤلاء يتعلّق بتعريف ما هو الحقّ وما هو الباطل، وما هو الصحيح وما هو الخطأ؟

إذْ لا يخفى على المتتبّع وجود بعض العناوين ظاهرة البطلان مثل الظلم، وعناوين ظاهرة الحقّ مثل العدل، فالعدل مطلقاً حسن، والظلم مطلقاً باطل، إلّا أنّ العناوين التي تشكّل موضوعات لفعل الإنسان ليست جميعها بهذا الوضوح، بل يمكن أن نقول: إنّ معظم ما يبتلى به الإنسان في سلوكه الحياتيّ لا يخلو من تعقيد وغموض، ولذا يحصل التباين والاختلاف بين البشر في جميع الأمور تقريباً، وفي ما يتعلّق بموضوعنا في هذا السؤال؛ هل يمكننا أن نقول: إنّ الصلح مطلقاً حقّ وصواب، والحرب مطلقاً باطل وخطأ؟ أو أنّ الأمر يختلف من ظرف لآخر فتارة تكون الحرب هي عين الصواب وتارة يكون الصلح هو عين الخطأ؟

والذي يتّفق عليه الجميع هو أنّ الصلح بذاته ليس حسناً كالعدل، والحرب بذاتها ليست قبيحة كالظلم، وإنّما يدور الأمر فيهما مدار العنوان، فإن كان الصلح عنواناً للخير والفلاح والصلاح يكون الصلح حقّاً وصواباً، وإن كان عكس ذلك تصبح الحرب هي الحقّ والصواب، وتحديد مثل هذه العناوين ليس أمراً يسيراً، لكونه يخضع لتعقيدات الواقع والظروف الموضوعيّة، بل قد يكون خيار الحرب أو الصلح خياراً تفرضه الظروف فرضاً دون مراعاة لتلك العناوين، فتارة يكون خيار الصلح هو الخيار الأفضل ولكنّ الظروف تفرض عليهم الحرب، وتارة يكون خيار الحرب هو الأفضل ولكنّ الظروف تفرض عليهم الصلح، والأمثلة على ذلك كثيرة.

فإذا اتّضح ذلك يتّضح أنّ الحق والباطل والخطأ والصواب ليست أموراً ثابتة في كلّ الظروف وفي جميع العناوين، وإنّما تتغيّر بحسب الشروط الموضوعيّة التي يفرضها الواقع، فمثلاً دخول رسول الله (ص) إلى مكّة في عام الحديبيّة كان هو الحقّ والصواب، ولذا أعدّ رسول الله (ص) العدّة وتحرّك من المدينة إلى مكّة، وعندما اقترب من دخول مكّة تراجع عن هدفه بسبب ممانعة قريش له، وبناءً على هذه الظروف المستجدّة أصبح الحقّ والصواب هو التفاوض والوصول إلى شروط متّفقة بينه وبين كفّار قريش - كما ذكرتها مصادر التاريخ - ولا يقال حينها: إنّ صلح الحديبيّة يقدح في عصمة رسول الله (ص)؛ لأنّه فعل خلاف ما أراد وخطّط له، ولا يقال أيضاً: إنّ صلح رسول الله (ص) فيه اقرارٌ بأحقّيّة قريش؛ لأنّ رسول الله (ص) كان مضطرّاً لمصالحتهم.

والحال نفسه مع صلح الإمام الحسن مع معاوية، فمحاربة معاوية كانت هي الخيار الأفضل، ولكنّ الظروف اضطرّت الإمام الحسن (عليه السلام) على المصالحة في ضمن شروط تمّ الاتّفاق عليها، فلا صلحه يقدح في عصمته لكونه تراجع من خيار الحرب إلى خيار الصلح، ولا عصمة الإمام الحسن (ع) تمنح معاوية شرعيّة أو أحقّيّة عندما صالحه، كما لم تمنح عصمة رسول الله (ص) الحقّ لقريش عندما صالحهم.