ما مدى صحة دعوى زواج يعقوب (ع) من الأختين ؟
4. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورد في منهج التربية الاسلامية للصف الرابع اعدادي الدرس3 ص21 في قصة يعقوب عليه السلام انه تزوج من الاختين وقد كان ذلك جائزا في شريعتهم فلما جاء الاسلام حرم ذلك ؟ ما مدى صحة هذه الرواية وكيف يمكن الجمع بينها وبين الحديث (حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرام محمد حرام الى يوم القيامة) افيدونا مأجورين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه المسألة عرض لها كثيرٌ من أهل العلم وناقشوها عند تفسير قوله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلّا ما قد سلف أنّه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا، حُرِّمتْ عليكم أُمّهاتكم وبناتكم وأخواتكم ... إلى قوله تعالى: وأنْ تجمعوا بيت الأختين إلّا ما قد سلف). [النساء:21-23].
ولذا سنبيّن ذلك في مقدّمات، منها:
أوّلاً: في سبب النزول. إذْ ورد في تفسير عليّ بن إبراهيم (ج1/ص160) : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في هذه الآية: أنّه كان في الجاهلية في أوّل ما أسلموا في قبائل العرب إذا مات حميم الرجل وله امرأة ألقى الرجل ثوبه عليها وورث نكاحها بصداق حميمه الذي كان أصدقها، يرث نكاحها كما يرث ماله ، فلمّا مات أبو قيس بن الأشلت ألقى محصن ابن أبي قيس ثوبه على امرأة أبيه، وهي كبيشة ابنة معمر بن سعيد ، فورث نكاحها ، ثمّ تركها لا يدخل بها ولا ينفق عليها ، فأتت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله) فقالت : يا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله) مات أبو قيس بن الأشلت فورث ابنه محصن نكاحي ، فلا يدخل عليَّ ، ولا ينفق عليَّ ولا يخلي سبيلي فألحق بأهلي ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله): ارجعي إلى بيتك فإنْ يحدث الله في شأنك شيئا أعلمتكه ، فنزل قوله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلّا ما قد سلف أنّه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ). فلحقت بأهلها. وبهذا يكون التعبير بـ(إلّا ما سلف) ناظر لما يفعل في جاهليّة العرب. وإليه ذهب السيّد العلّامة في تفسير الميزان.
وعليه: فلا معنى لتوجيه الحرمة أو الإباحة إلى نكاح سابق قد جمع بين الأختين إذا ماتتا مثلا أو ماتت إحداهما أو حلّ الطلاق بهما أو بإحديهما.
: وثانياً: في الجمع بين الأختين في جاهليّة العرب
قال الشهرستانيّ في الملل والنحل (ج2/ص245): وكان أقبح ما يصنعون أن يجمع الرجل بين الأختين أو يختلف على امرأة أبيه وكانوا يسمّون من فعل ذلك، الضيزن. قال أوس بن حجر التميميّ: يعيّر قوما من بنى قيس بن ثعلبة تناوبوا على امرأة أبيهم ثلاثة واحدا بعد الاخر والفارسيّة فيكم غير منكرة.
وثالثاً: في ما نسب ليعقوب (عليه السلام) من الجمع بين أختين في نكاح.
لم يثبت ذلك بدليل قاطع، نعم أورد الشيخ الصدوق (ره) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج1/ص219) خبراً تضمّن سؤالاً عن هذه الواقعة، جاء فيه: حدّثنا أبو الحسن محمّد بن عمرو بن عليّ بن عبد الله البصريّ بايلاق قال : حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن أحمد بن جبلة الواعظ قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائيّ قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال : حدّثنا أبي موسى بن جعفر قال : حدّثنا أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثنا أبي محمّد بن عليّ قال : حدّثنا أبي عليّ بن الحسين قال : حدّثنا الحسين بن عليّ عليهما السلام قال: كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة في الجامع إذْ قام إليه رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين: إنّي أسألك عن أشياء؟ فقال: سَلْ تفقّهاً، ولا تسأل تعنّتاً، فأحدق الناس بأبصارهم فقال: أخبرني عن أوّل ما خلق الله تعالى؟ إلى أن قال: وسأله عن من جمع بين الأختين؟ فقال عليه السلام: يعقوب بن إسحاق جمع بين حبار وراحيل، فحرّم بعد ذلك فأنزل : (وأنْ تجمعوا بين الأختين).
قلت: وهذا موجود في نسخة من عيون أخبار الرضا (ع)، لكنْ صاحب البحار في (ج10/ص84) نقلها – حسب ما هو ظاهر- عن نسخته من (عيون أخبار الرضا عليه السلام) دون هذه الزيادة، [أعني السؤال عن الجمع بين الأختين]، وهو مـمّا يورد مجالا للشكّ في وجودها، مع كونها مـمّا انفرد الصدوق بنقلها، وضعفها بابن جبلة الواعظ على أقلِّ التقادير. خصوصاً مع تعارضها مع المذكور في بعض مصادرنا كمجمع البيان للشيخ الطبرسيّ (ج5/ص363)، أنَّ يعقوب (ع) تزوَّج من راحيل أمِّ يوسف بعد وفاة أختها المسمَّاة بـ(ليَّا)، فقد كانت (ليَّا) هي الكبرى وراحيل والدة يوسف هي الصغرى.
والحاصل: أنّ اضطراب الخبر وضعف سنده لا يورث اطمئناناً بصدوره، ومقتضى الصناعة هو الاقتصار على ظاهر الآية الكريمة ذات المدلول الواحد، من أنّ يوسف عليه السلام قد رفع أبويه الواقعيين على العرش، ساكتة عن كون يعقوب عليه السلام مـمنْ جمع بين الأختين في الأنبياء، كما نسبه إليه جملة من الفقهاء والمفسّرين، وصرّح به كثير من الأصوليون في مبحث النسخ.
ويرى بعض أهل العلم أنّ ما ذُكِرَ في تبرير ذلك بأنَّ الجمع بين الأختين لم يكن محرّماً في شريعتهم ثمَّ نُسخ هذا الحكم في شريعة موسى (ع). لو صحَّ ما نقلوه من جمع يعقوب (ع) بين الأختين لكان ذلك توجيهاً صحيحاً، إلّا أنَّه لا اعتداد بهذه النقولات لعدم صلاحيّتها للإثبات التاريخيّ، بل لا يبعد أنَّها من الإسرائيليّات التي تسرَّبت إلى التراث الإسلاميّ بواسطة من أسلم من اليهود.ودمتم سالمين.
اترك تعليق