ما معنى قول الإمام: "لكل سرٍّ ثوابٌ إلّا الدمعة فينا"؟

السؤال: روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: «لكل سرٍّ ثوابٌ إلّا الدمعة فينا»، فما معنى: «لكلِّ سرٍّ ثواب»؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى على المتتبّع للآثار أنّ هذه الرواية رواها شيخ المحدّثين ابن قولويه القمّيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لكلِّ شيءٍ ثواب إلّا الدمعة فينا» [كامل الزيارات ص211 ب33 ح6]، ونقله عنه الحرّ العامليّ في [وسائل الشيعة ج14ص597].

ونقل العلّامة المجلسيّ هذه الرواية عن ابن قولويه بلفظ: «لكل سرٍّ ثوابٌ إلّا الدمعة فينا» [بحار الأنوار ج44 ص287]؛ وذلك أنّها وردت كذلك في النسخة الخطّيّة التي اعتمد عليها والمحفوظة في خزانة مجلس الشورى الإسلاميّ بطهران بالرقم (12430). ثـمّ إنّه احتمل أن تكون كلمة «سرّ» مصحّفة عن «شيء»، فقال: (ويحتمل أن يكون تصحيف «شيء»..).

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ معنى الرواية - كما أفاده المجلسيّ -: أنّ لكلِّ شيءٍ من أفعال الطاعات ثواباً مقدَّراً إلّا البكاء على أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّه لا تقدير لثوابه، أي لَـم يُبيّن بعدُ ثوابُها؛ إذْ لا حدّ يُذكَرُ لها، وفي ذلك كنايةٌ عن الوعد بكثرة الثواب، كما دلّت على ذلك الآثار الكثيرة، نذكر منها:

عن الربيع بن المنذر، عن أبيه، عن الحسين بن عليّ (عليه السلام) قال: «ما من عبدٍ قطرت عيناه فينا قطرة، أو دمعت عيناه فينا دمعة إلّا بوّأه الله بها في الجنّة حقباً». [بحار الأنوار ج44 ص279].

ورُوي: «أنّه لـمّا أخبر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) ابنتَه فاطمة (عليها السلام) بقتل ولدها الحسين، وما يجري عليه من المحن، بكت فاطمة بكاءً شديداً، وقالت: يا أبتِ متى يكون ذلك؟ قال (صلّى الله عليه وآله): في زمان خالٍ منّي ومنكِ ومن عليّ، فاشتدّ بكاؤها وقالت: يا أبتِ، فمَن يبكي عليه؟ ومَن يلتزم بإقامة العزاء له؟ فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): يا فاطمة، إنّ نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان القيامة تشفعين أنتِ للنساء، وأنا أشفع للرجال، وكلُّ مَن بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنة. يا فاطمة، كلُّ عينٍ باكيةٌ يوم القيامة إلّا عين بكت على مصاب الحسين، فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنّة». [بحار الأنوار ج44 ص293].

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليّ حتّى تسيل على خدّه، بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً». [بحار الأنوار ج44 ص281].

وعن أبي عمارة المنشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: «يا أبا عمارة، أنشدني في الحسين بن علي، قال: فأنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، قال: فوالله ما زلتُ أنشده ويبكي حتّى سمعتُ البكاء من الدار. قال: فقال (عليه السلام): يا أبا عمارة، مَن أنشد في الحسين بن عليّ شعراً فأبكى خمسين فله الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنّة». [بحار الأنوار ج44 ص282].

وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «مَن تذكّر مصابنا وبكى لِـمَا ارتُكِبَ منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومَن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومَن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب». [بحار الأنوار ج44 ص278].

وعن الريّان بن شبيب قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) في أوّل يوم من المحرّم فقال لي: يا ابن شبيب، إنّ المحرّم هو الشهر الذي كان أهل الجاهليّة فيما مضى يحرّمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الأمّة حرمة شهرها ولا حرمة نبيّها، لقد قتلوا في هذا الشهر ذرّيّته، وسبوا نساءه، وانتهبوا ثقله، فلا غفر الله لهم ذلك أبدا.يا ابن شبيب، لإن كنتَ باكياً لشيء فابكِ للحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، فإنّه ذبح كما يُذبَح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً، ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره، فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره، وشعارهم (يا لثارات الحسين).

يا ابن شبيب، لقد حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، أنّه لـمّا قتل جدي الحسين أمطرت السماء دماً وتراباً أحمر.

يا ابن شبيب، إنْ بكيتَ على الحسين حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر الله لك كل ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً.

يا ابن شبيب، إنْ سرّك أن تلقى الله (عزّ وجلّ) ولا ذنب عليك، فزر الحسين (عليه السلام).

يا ابن شبيب، إنْ سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فالعن قتلة الحسين (عليه السلام).

يا ابن شبيب، إنْ سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته: (يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً).

يا ابن شبيب، إنْ سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أنّ رجلاً تولّى حجراً لحشره الله معه يوم القيامة». [بحار الأنوار ج44 ص286].

وأما معنى لفظ: «لكلِّ سرّ» هو أنّ كلّ مصيبة أسرّها المؤمنُ في نفسه فلم يُبدِها، ولم يُظهرها، بل صبرَ عليها وكتمَها فإنّه يكون له على ذلك الإسرار والكتمان ثوابٌ، إلّا مصيبة المؤمن بأهل البيت (عليهم السلام)، فإنّ الثواب يكون بإظهارها؛ لكون ذلك من مظاهر الإحياء لأمر أهل البيت (عليهم السلام)، كما أفاد العلّامة المجلسيّ في [بحار الأنوار ج44 ص287].

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً.