كيف دعمت السيّدة الزهراء زوجها في موضوع الخلافة؟

السؤال: هل كان للسيّدة فاطمة الزهراء (ع) موقف من الأحداث التي وقعت بعد وفاة رسول الله (ص) وبخاصّة في موضوع الخلافة، وهل كان دعمها لزوجها بدافع دينيّ أو بدافع القرابة والعلاقة الزوجيّة؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الإجابة:

لكي نفهم موقف السيّدة الزهراء عليها السلام من الأحداث التي وقعت بعد وفاة رسول الله (ص)، فلا بدّ من التعرف ولو بشكل عامٍّ على طبيعة تلك الأحداث ولماذا وقعت؟ ومن ثمّ التعرّف على الدافع الدينيّ الذي كان يقف خلف مواقف الزهراء عليها السلام.

إذِ المسار الطبيعيّ الذي كان من المفترض أن تمضي فيه الدعوة الإسلاميّة بعد وفاة رسول الله (ص) هو أن يكون أهل البيت وعلى رأسهم الإمام عليّ (عليه السلام) هم الأئمّة والقادة الذين ترجع إليهم الأُمّة، وقد عمل رسول الله (ص) جاهداً لتثبيت هذا الأمر من خلال التصريح والتلويح ومن خلال بعض المواقف العمليّة، والروايات في هذا الشأن أكثر من أن تحصى، فتعيين الخليفة من بعده يعدُّ من أهمِّ التدابير التي تعصم المسار التاريخيّ لهذه الرسالة، وهذا بخلاف ما ورد عن بعضهم أنّ أمر الخلافة والإمامة بعد رسول الله (ص) موكول للأمّة، وهذا أمر لا يمكن قبوله لِـمَا يأتي:

أوّلاً: لأنّ الأمّة بمجموعها غير مؤهّلة لتسلّم أعباء هذه المهمّة، فلا تزال حديثة عهد بالكفر، ولم تصل إلى درجة من النضج لتستوعب هذه الرسالة التي جعلت للناس كافّة.

وثانياً: لأنّ التباين والاختلاف الذي حصل بين الصحابة، والحروب التي دارت بينهم، تؤكّد على أنّ إيكال الأمر لمجموع الأُمّة هو حكم على التجربة بالفشل؛ لأنّ التنازع والاختلاف يؤثّر على البنية الموحّدة للدعوة، وهو ممّا يهدّد وجودها ومستقبلها.

وثالثاً: أنّ وجود تيار من المنافقين بين الصحابة، يهدّد مستقبل الدعوة، ولاسيّما أنّ هذا التيار يمتلك قدرة من التخفّي، لا تستطيع الأمّة معها التمييز بين المؤمن والمنافق، حتّى قال الله تعالى في حقّهم: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)، ووجود هذا التيار الذي يمثّل جزءاً من مكوّنات هذا المجتمع، يعـدُّ عقبة حقيقية أمام أيّ مشروع مستقبليّ للرسالة، فإمكانيّة تأثير هذا التيار على مصادر القرار والرأي العامّ، إمكانية كبيرة، خصوصاً أنّ هذا التيار يمثّل خطراً في نظر القرآن، ولذلك حذّر منه في كثير من الآيات، بل أمر الله نبيه (ص) أنْ يقاتل المنافقين كما أمره بقتال الكفّار: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ).

رابعاً: مستوى التفاوت في درجات العلم والفهم بين الصحابة، يفرض بالضرورة تصدّر بعضهم لموقع القيادة كنخبة تمثّل مرجعيّة فكريّة وثقافيّة لبقيّة الأمّة، فوجود جهة معيّنة ومحدّدة كمرجعيّة يمثّل الخيار الطبيعيّ للحفاظ على مسار الأمّة، وهو ممّا يرجع بنا من جديد إلى رفض أن يكون مجموع الأمّة هو المسؤول عن مستقبل الرسالة؛ لأنّه أمر لا يتماشى مع الطبيعة البشريّة، التي توكل الأمور إلى أهل الاختصاص.

خامساً: أنّ تسارع بعض الصحابة، للاجتماع في سقيفة بني ساعدة، لتعيين خليفة بعد وفاة النبيّ (ص) مباشرة، يؤكّد أنّ الأمر لا يستقيم إلّا بتعيين من يتولّى أمور الإسلام والمسلمين، ومن هنا يصبح وجود خليفة ضرورة تفرضها طبيعة الرسالة نفسها، لأنّ مستقبل الرسالة ومسيرة الدعوة، لا بدّ أن تكون منوطة بشخص محدّد، يتحمّل أعباء هذه المسيرة.

وقد كان رسول الله (ص) يخشى من انقلاب الأمّة على إمامة الامام علي (عليه السلام)، وقد كانت خشيته في محلّها؛ فعندما كان رسول الله (ص) على فراش الموت أمر بأنْ يحضروا له كتفاً ودواة ليكتب لهم كتاباً لا يضلّوا بعده، إلّا أنّ عمر بن الخطّاب قال دعوه فقد غلب عليه الوجع، وفي رواية أخرى دعوه فإنّه يهجر، وتنازعوا عنده حتّى قال لهم قوموا عنّي فطردهم من محضره، وبادر رسول الله (ص) إلى إجراء آخر لمنع الطامعين في السلطة، بإبعادهم إلى منطقة بعيدة عن المدينة، بحيث تحدث الوفاة وتنعقد البيعة للخليفة الشرعيّ وهم لا خبر لهم ولا علم، وهذا ما فعله رسول الله (ص) بالفعل، عندما عقد الراية لأُسامة بن زيد وبعثه على رأس جيش فيه كبار الصحابة الى أرض الشام، وقد يتعجّب بعضهم من إصرار النبيّ (ص) الشديد على إنفاذ هذا الجيش وهو يصارع مرض الموت، وقد كان يردّد ويقول انفذوا جيش أسامة، وفي بعض الروايات، لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة، فكان يحثّهم على الخروج ويستعجلهم في المسير كأنّه لا يريد أن يشهدوا وفاته، وهذا أمر غير واضح؛ إذْ كان بالإمكان أن يوصي رسول الله (ص) بإخراج هذا الجيش بعد وفاته، ولم يبقَ أمامه من الدنيا إلّا أيام، وهو يعلم أنّ خروج الجيش في الموعد الذي أمر فيه بالخروج يتسبّب في حرمان كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار من أن يشهدوا وفاته ويشاركوا في تشييعه ودفنه، وهو ممّا يقودنا إلى وضع علامات استفهام كبيرة أمام هذه الإصرار. ومع ذلك الإصرار لم ينفذوا أمر رسول الله (ص) وتقاعسوا عن الخروج حتّى حدثت الوفاة وبادروا بعدها إلى السقيفة، وقد حدثت هذه المخالفة والاعتراض على أمر رسول الله (ص) في نفس الفترة التي حدثت فيها رزيّة يوم الخميس، وهو ممّا يكشف عن وجود خطط مضادّة، فقد كان الرسول (ص) حريص على مستقبل الدعوة ويعمل على تثبيت دعائم الإمامة من بعده، وفي المقابل هناك خطط مضادّة تعمل على إفشال كلّ هذه الخطط الاحترازيّة.

ومن ذلك نكتشف أنّ أكبر حدث وقع بعد وفاة رسول الله (ص) هو انقلاب هذه الأمّة على إمامة أهل البيت عليهم السلام (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) ومن هذه الزاوية نتعرّف على موقف الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، مع أنّ السيّدة الزهراء سلام الله عليها لم تلبث طويلاً بعد رسول الله (ص) إلّا أنها أصبحت أيقونة المعارضة لهذا الانحراف، فقد واجهت بكلّ صلابة هذا المخطّط ودافعت بكلّ شجاعة عن حقّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد كانت سلام الله عليها تنطلق من وحي المسؤوليّة الدينيّة وليس بدافع العاطفة الزوجيّة، وكانت تعبّر عن رفضها لاغتصاب الخلافة بخروجها مع الإمام عليه السلام إلى مجالس الأنصار لتسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله (ص) قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر، ما عدلنا به، فيقول الإمام عليه السلام: "أفكنتُ أدع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيته لم أدفنه، وأخرج أُنازع الناس سلطانه؟". وكانت عليها السلام تقول: "ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم".

وتحوّل بيتها سلام الله عليها إلى مقرّ للموالين لعليّ (عليه السلام) يخطّطون فيه لإعادة الخلافة إليه. لكنّ الحزب الحاكم كان مصمّماً على ضرب المعارضة أنّى كانت ومهما كلّف الأمر. ومن هنا تجرّأوا على اقتحام بيتها وأحرقوا الباب بالنار متحدّين بذلك رسول الله (ص) في ابنته وبضعته، فلما قيل لبعضهم: أتحرق البيت وفيه ابنة محمّد؟ قال وإن تكن.

وبروز السيّدة الزهراء كمحور للمعارضة المقصود منه إتمام الحجّة على المخالفين وتذكيرهم برسول ال (ص) له، ولذا كانت تشكّل خطراً كبيراً عليهم، فقرّرت السلطة الحاكمة مصادرة فدك لتشلّ كلّ مصادر القوّة المادّية الّتي قد يستفيد منها الإمام (عليه السلام) ضدّ السلطة لإحباط الانقلاب، فسارع الخليفة لإصدار قرار بتأميم فدك وسلبها من فاطمة سلام الله عليها بحجّة أنّ رسول الله (ص) لا يورث، فقالت له: "أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً..." والظاهر أنّ السلطة كانت ملتفته فإذا أقرّت لها بفدك فلا بدّ أن تقرّ لها أيضاً بحقّ أمير المؤمنين في الخلافة ولذا كانت متشدّدة في قضيّة فدك، فليست المسألة مسألة مطالبة بأرض وإنّما استرداد حقّ مغتصب وتصحيح مسيرة أمّة انقلبت على أعقابها.

ومن أعظم المواقف التي تدلّ على موقف الزهراء عليها السلام مع الامام عليه السلام هو خطبتها المشهورة في المسجد أمام الخليفة وبين حشود المهاجرين والأنصار، فقد امتدحت فيها أمير المؤمنين (ع) وبيّنت فضله ومكانته وكشفت عن الخذلان الذي حدث منهم وتخلّيهم عن نصرة الحقّ، كما بيّنت مكانة أهل البيت باعتبارهم الوسيلة إلى الله وخاصّته ومحلّ قدسه وحجّته، وورثة أنبيائه في الخلافة والحكم.

وقد دفعت سلام الله عليها بمواقفها ضريبة كبيرة من ضربها وعصرها بين الباب والحائط وكسر ضلعها وسقوط جنينها، وقد سجلّت بذلك موقفاً أصبح دليلاً أبديّاً يدين كلّ من وقف في وجه أمير المؤمنين، وحتّى تبقى هذه المظلوميّة شاخصة إلى يوم القيامة أوصت أمير المؤمنين أن تدفن سرّاً ولا يشهد جنازتها من أغتصب حقّهم، وما زال قبرها سرّاً لا يعرف مكانه أحد، فأصبح بذلك حجّة باقية على كلّ مسلم أن يسأل عن سبب ذلك وما الذي دفعها لذلك ...والحمد لله ربّ العالمين.