هل حادثة الهجوم على دار الزهراء (عليها السلام) متواترة؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

من أجل استيفاء الجواب للأخ السائل، وبيان الحق في هذه المسألة نعقد الكلام في عدَّة جهاتٍ إنْ شاء الله تعالى.

الجهة الأولى: أنَّ ثبوت الحقائق ـ ومنها الحقائق التأريخيّة ـ لا ينحصر بالتواتر فقط، بل يكفي في ذلك تحقّق الاطمئنان بثبوت الواقعة، وهذا الأمر كما يحصل من تحقّق التواتر، يحصل من خلال جمع القرائن والشواهد المفيدة للاطمئنان، وإلَّا كان باب العلم مسدوداً في كثير من المسائل، لعدم تحقّق التواتر فيها. وعلى هذا، فلا يعني عدم تحقّق التواتر في قضيّةٍ من القضايا أنّ تلك القضيّة كذب، لاحتمال تحقّق الاطمئنان فيها، وهو كافٍ في ذلك كما أسلفنا.

والمتحصَّل من هذه الجهة أنَّ التواتر ليس الملاك الوحيد في ثبوت الحقائق، بل مجال البحث أوسع من ذلك بكثير، وهذا من الركائز المهمَّة والسيَّالة في مجال البحث العلميّ بكافَّة ألوانه وأنواعه، فلاحظ.

الجهة الثانية: لقد عُرِّف التواتر عند أهل الفن بأنّه: ما يخبر به القوم الذين يبلغ عددهم حدَّاً يُعلم عند مشاهدتهم بمستقرّ العادة أنَّ اتّفاق الكذب منهم محال، وأنَّ التواطؤ منهم في مقدار الوقت الذي انتشر الخبر عنهم فيه مُتعذِّر، وأنَّ ما أخبروا عنه لا يجوز دخول اللّبس والشبهة في مثله، وأنَّ أسباب القهر والغلبة والأمور الداعية إلى الكذب منتفية عنهم [الكفاية في علم الرواية ج1ص16، الخطيب البغداديّ].

والتواتر ـ كما قُرِّر ذلك ـ إذا تحقّق بشروطه أفاد العلم واليقين بصدق ما دلَّ عليه من مضمون، كما لا يخفى.

قال الخطيب البغداديّ بعد تعريف التواتر المشار إليه آنفاً ما هذا نصُّه: فمتى تواتر الخبر عن قومٍ هذه سبيلهم قُطع على صدقه، وأوجب وقوع العلم ضرورة [الكفاية في علم الرواية ج1ص16].

ثمَّ إنَّ التواتر إذا تحقَّق فعلاً فلا يشترط في آحاده صحَّة السند والطريق، لأنّه ـ بحسب الفرض ـ يفيد العلم بثبوت مضمونه، وإذا تحقّق العلم كان حُجَّة.

قال الشيخ الوحيد (دام ظلُّه): الثابت من الناحية الفنيَّة والرجاليَّة أنه لو بلغ تعداد الخبر إلى هذا الحدِّ من الكثرة فلا حاجة حينئذٍ إلى البحث السنديّ، لأنَّ هذه الكثرة المتنوِّعة المرويّة عن جماعة مختلفة من الرواة، وفي عصورٍ متباعدة، وعن مصادر مختلفة، تُوجِب اليقين عند العقلاء، وتنفي إمكان فرض التواطؤ على الكذب [يُنظر: التكفير في ضوء الفقه الشيعيّ ص78].

والمتحصَّل من هذه الجهة أنَّ التواتر لو تحقّق فعلاً أفاد العلم بصدق مضمونه بلا حاجة إلى الفحص السنديّ لآحاد الطرق والأسانيد.

الجهة الثالثة: أنَّ الملاحِظ لتراث الفريقين (العامَّة والخاصَّة) يجد أنَّ حادثة الهجوم على دار الصدِّيقة الزهراء (عليها السلام) بلغت حدَّ التواتر المعنويّ، وبذلك يحصل العلم بصدقها، كما تبيَّن ممّا سبق.

وهَاكَ نماذج من تلك الروايات الدالَّة على هجوم القوم على دارها:

1ـ روى المحدِّث ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح عن زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم قال: حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) كان عليٌّ والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطَّاب خرج حتَّى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)، والله ما من الخلق أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندك أنْ أمرتهم أنْ يحرَّق عليهم البيت. قال: فلما خرج عمر جاؤوها، فقالت: تعلمون أنَّ عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقنَّ عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فرءوا رأيكم ولا ترجعوا إليَّ، فانصرفوا عنها، فلم يرجعوا إليها حتَّى بايعوا لأبي بكر [المصنَّف ج21ص143، دار كنوز إشبيليا].

2ـ وروى المؤرِّخ الطبريّ بسنده عن عبد الرحمن بن عَوف، وفيه: أنّه دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفّي فيه، فقال أبو بكر: إنّي لا آسى على شيءٍ من الدنيا إلَّا على ثلاث فعلتهنَّ وددتُ أني تركتهنَّ...إلى أنْ قال: فأمَّا الثلاث اللاتي وددتُ أني تركتهنَّ، فوددتُ أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيءٍ وإنْ كانوا قد أغلقوه على الحرب [تأريخ الطبريّ ج2 ص 619].

3ـ وقال محبُّ الدين الطبريّ: قال ابن شهاب: وغضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر، منهم عليّ بن أبي طالب والزبير، فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح، فجاءهما عمر بن الخطَّاب في عصابةٍ من المسلمين، منهم أسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة ابن وقش، وهما من بني عبد الأشهل. ويقال: منهم ثابت بن قيس بن شماس من بني الخزرج، فأخذ أحدهم سيف الزبير فضرب به الحجر حتَّى كسره. ويقال: إنّه كان فيهم عبد الرحمن بن عوف، ومحمَّد بن مسلمة، وإنَّ محمَّد بن مسلمة هو الذي كسر سيف الزبير، والله أعلم [الرياض النظرة ج1 ص 241].

4ـ وقال المؤرِّخ اليعقوبيّ: [وبلغ أبا بكر وعمر أنَّ جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع عليّ بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتَّى هجموا [على] الدار،...]. [تأريخ اليعقوبيّ ج2 ص 126].

5ـ وروى الطبري الإماميّ بسندٍ معتبر عن أبي عبد الله جعفر بن محمَّد (عليه السلام) قال: ولدتْ فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة، يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبي (صلَّى الله عليه وآله). وأقامتْ بمكَّة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوماً. وقبضتْ في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة ... وكان الرجلان من أصحاب النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) سألا أمير المؤمنين أنْ يشفع لهما إليها، فسألها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأجابت، فلمّا دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول الله؟ قالت: بخير بحمد الله. ثمَّ قالتْ لهما: ما سمعتما النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) يقول: فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله؟ قالا: بلى. قالتْ: فو الله، لقد آذيتماني. قال: فخرجا من عندها وهي ساخطةٌ عليهما [دلائل الإمامة ص134].

إلى غير ذلك من الأخبار الدالَّة على تحقّق الهجوم على الدار.

قال السيِّد العاملي (طاب ثراه): هناك روايات كثيرة واردة عن المعصومين تصرِّح بمظلوميّة الزهراء (عليها السلام) فيما يرتبط بالهجوم على بيتها، وقصد إحراقه، بل مباشرة الإحراق بالفعل، ثمَّ ضربها وإسقاط جنينها، وسائر ما جرى عليها في هذا الهجوم، وهي روايات متواترة [مأساة الزهراء ج2 ص31].

والنتيجة النهائية من كلِّ ما تقدَّم: هي تحقّق هجوم القوم على دار عليٍّ وفاطمة (عليهما السلام). والحمد لله ربِّ العالمين.