صحبة أبي بكر للنبيّ في الغار ؟

السؤال: قال تعالى : (إذْ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا) ، التوبة 40، ما صحّة ما يقال: إنّ الصاحب في هذه الآية ليس أبا بكر؟ .

: الشيخ مروان خليفات

الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم - رعاك الله - أنّ المراد بالصاحب في هذه الآية هو أبو بكر بإجماع السنّة والشيعة، مع الأخذ في الاعتبار أنْ ليس في الآية فضلٌ لهذا الصاحب كما سيأتي، ومن زعم نزولها بغيره كما ذهب إليه أحد المعاصرين فقد خالف المشهور وما ثبت من الأدلّة. إذْ روى الشيخ الكلينيّ في الكافي بإسناده عن : (حميد بن زياد ، عن محمّد بن أيّوب ، عن عليّ بن أسباط ، عن الحكم بن مسكين ، عن يوسف بن صهيب ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أقبل يقول لأبي بكر في الغار : أسكن فإنّ الله معنا وقد أخذته الرعدة وهو لا يسكن فلمّا رأى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) حاله، قال له : تريد أن أريك أصحابيّ من الأنصار في مجالسهم يتحدّثون فأريك جعفراً وأصحابه في البحر يغوصون ؟ قال : نعم ، فمسح رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : بيده على وجهه فنظر إلى الأنصار يتحدّثون ونظر إلى جعفر ( عليه السلام ) وأصحابه في البحر يغوصون ...) . [الكافي، ج ٨، الشيخ الكلينيّ، ص ٢٨٦].

وقال الشيخ المفيد ( ت 413هـ) : ( أمّا خروج أبي بكر مع النبيّ صلّى الله عليه وآله فغير مدفوع ، وكونه في الغار معه غير مجحود ، واستحقاق اسم الصحبة معروف، إلّا أّنه ليس في واحدة منها ولا في جميعها ما يظنّون له من الفضل...). [الإفصاح، الشيخ المفيد، ص ١٨٥].

وقال الشهيد نور الله التستريّ ( ت 1019هـ ) : (وإنّما أخذه لأنّه لقيه في طريقه فخاف أن يظهر أمره من جهته فأخذه معه احتياطا). [الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة، ، ص ٣٠٧].

وقال الشيخ المجلسيّ : (لا يخفى دلالة هذه الآية التي استدلّ بها المخالفون على فضل أبي بكر على ضعف إيمانه ويقينه وإضراره في مصاحبته للرسول صلّى الله عليه وآله لوجوه شتّى ، إذِ الآية ظاهرة في أنّه كان خائفا وجلا ، وما ذلك إلّا لضعف إيمانه ، وكان إظهار هذا الخوف والجبن لولا ما أنزل الله على رسوله من السكينة إضرارا به صلّى الله عليه وآله وتخويفا له . وأيضا تدلّ دلالة ظاهرة على عدم إيمانه ، لأنّ الله تعالى كلمّا ذكر إنزال السكينة على الرسول صلّى الله عليه وآله ضمّ إليه المؤمنين ...). [مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج ٢٦، العلّامة المجلسيّ، ص ٢٥٤].

ولا تدلّ الآية موضع البحث على فضيلة للرجل. إذْ قال الشيخ المفيد موضحا ذلك : (رأيت في المنام سنة من السنين كأنّي قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير ، فقلت: ما هذا ؟ قالوا : هذه حلقة فيها رجل يقصُّ . فقلت : من هو ؟ قالوا : عمر بن الخطّاب. ففرقت الناس ودخلت الحلقة ، فإذا أنا برجل يتكلّم على الناس بشيءٍ لم أحصله. فقطعت عليه الكلام، وقلت : أيّها الشيخ أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق ابن أبي قحافة من قول الله تعالى : (ثاني اثنين إذ هما في الغار ). فقال : وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستّة مواضع :

الأوّل : أنّ الله تعالى ذكر النبيّ صلّى الله عليه وآله وذكر أبا بكر فجعله ثانيه ، فقال : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار).

والثاني : أنّه وضعهما بالاجتماع في مكان واحد ، لتأليفه بينهما فقال : ( إذ هما في الغار).

والثالث : أنّه أضاف إليه بذكر الصحبة ليجمعه بينهما بما يقتضي الرتبة، فقال : ( إذ يقول لصاحبه).

والرابع : أنّه أخبر عن شفقة النبيّ صلّى الله عليه وآله عليه ورفقه به لموضعه عنده فقال : ( لا تحزن).

والخامس : أنّه أخبر أنّ الله معهما على حدٍّ سواء ناصرا لهما ودافعا عنهما، فقال : ( إنّ الله معنا) .

والسادس : أنّه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم تفارقه السكينة قطّ ، فقال : ( فأنزل الله سكينته عليه). فهذه ستّة مواضع تدلّ على فضل أبي بكر من آية الغار ، لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها .

فقلت له : حبرت بكلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه ، وإنّي بعون الله سأجعل جميع ما أتيت به كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف.

أمّا قولك : إنّ الله تعالى ذكر النبيّ صلّى الله عليه وآله وجعل أبا بكر ثانيه ، فهو إخبار عن العدد، لعمري لقد كانا اثنين، فما في ذلك من الفضل ؟ ! ونحن نعلم ضرورة أنّ مؤمنا ومؤمنا ، أو مؤمنا وكافرا، اثنان ، فما أرى لك في ذكر العدد طائلا تعتمده . وأمّا قولك : إنه وصفهما بالاجتماع في المكان ، فإنّه كالأوّل لأنّ المكان يجمع المؤمن والكافر كما يجمع العدد المؤمنين والكفّار، وأيضا : فإنّ مسجد النبيّ صلّى الله عليه وآله أشرف من الغار، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفّار، وفي ذلك قوله عزّ وجلّ : (فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين )، وأيضا : فإنّ سفينة نوح قد جمعت النبيّ، والشيطان، والبهيمة، والكلب، والمكان لا يدلّ على ما أوجبت من الفضيلة ، فبطل فضلان . وأمّا قولك : إنّه أضاف إليه بذكر الصحبة، فإنه أضعف من الفضلين الأوّلين : لأنّ اسم الصحبة يجمع بين المؤمن والكافر، والدليل على ذلك قوله تعالى : ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ثمّ سوّاك رجلا ) ، وأيضا : فإنّ اسم الصحبة تطلق بين العاقل وبين البهيمة، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم، فقال الله عزّ وجلّ : ( وما أرسلنا من رسول إلّا بلسان قومه ) ، ( والعرب) سمّوا الحمار صاحبا فقالوا: إنّ الحمار مع الحمار مطيّة * فإذا خلوت به فبئس الصاحب، وأيضا : قد سمّوا الجماد مع الحيّ صاحبا ، قالوا ذلك في السيف شعرا : زرت هندا وذاك غير اختيان * ومعي صاحب كتوم اللّسان. يعني : السيف . فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر ، وبين العاقل والبهيمة ، وبين الحيوان والجماد ، فأيُّ حجّةٍ لصاحبك فيه ؟.

وأمّا قولك : إنّه قال : ( لا تحزن ) فإنّه وبال عليه ومنقصة له ، ودليل على خطئه، لأنّ قوله : ( لا تحزن ) نهيٌ، وصورة النهي قول القائل : ( لا تفعل) لا يخلوا أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية ، فإنْ كان ( طاعة) فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها ويدعو إليها ، وإن كان معصية فقد نهاه النبيّ صلّى الله عليه وآله عنها وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنّه نهاه، وأمّا قولك : إنّه قال : (إنّ الله معنا ) فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قد أخبر أنّ الله معه ، وعبّر عن نفسه بلفظ الجمع ، كقوله : (إنّا نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون)، وقيل أيضا في هذا : إنّ أبا بكر قال : ( يا رسول الله حزني على أخيك عليّ بن أبي طالب ما كان منه ) فقال له النبيّ ص : (لا تحزن إنّ الله معنا ). أي : معي ومع أخي علي بن أبي طالب عليه السلام. وأمّا قولك : إنّ السكينة نزلت على أبي بكر ، فإنّه ترك للظاهر : لأنّ الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيّده بالجنود ، وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله: فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنود ، لم تروها ) ، فإنْ كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود ، وفي هذا إخراج للنبيّ صلّى الله عليه وآله من النبوّة ، على أنّ هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيرا، لأنّ الله تعالى أنزل السكينة على النبيّ صلّى الله عليه وآله في موضعين كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها ، فقال - في أحد الموضعين - : ( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى ) ، وقال في الموضع الآخر : (ثمّ أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها ) ، ولما كان في هذا الموضع خصّه وحده بالسكينة قال: ( فأنزل الله سكينته عليه ) ، فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين ، فدلّ إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان ، فلم يحر جوابا وتفرّق الناس واستيقظت من نومي). والحمد لله ربّ العالمين.