المطالبة بإرث الزهراء (ع)

السؤل: لماذا الإمام علي (عليه السلام) لم يُطالب بميراث زوجته فاطمة (عليها السلام) من الثلاثة؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

في البدء لا بدَّ أنْ يُعلم بأنَّ حكم الإرث في الإسلام عامٌّ وشاملٌ للكلّ، بمعنى: أنَّ كلَّ من مات وقد ترك مالاً فيحقُّ لورثته أنْ يرثوا ذلك المال، وهو أمرٌ جليٌّ لا يحتاج إلى مزيد بيان.

وكذلك الحال في الأنبياء وأبنائهم، فلو مات أحدُ الأنبياء، وكان له ولدٌ فيحقُّ لذلك الولد أنْ يرث أباه، كما في قوله تعالى:﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ﴾[النمل:16]. وبهذا اللّحاظ المذكور ثبت للصدِّيقة الزهراء (عليها السلام) حقُّ الإرث من أبيها (صلَّى الله عليه وآله)، كما هو واضح.

من هنا يظهر جليّاً بطلان القول المنسوب إلى النبيّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله): «ما نورث، ‌ما ‌تركناه ‌صدقة» [يُنظر: صحيح مُسلم ج5 ص152]، وذلك لكونه مخالفاً لكتاب الله تعالى بشكلٍ واضح وصريح، مضافاً إلى ثبوت مطالبة أمير المؤمنين والصدِّيقة فاطمة (عليهما السلام) بالإرث ـ كما سيأتي ـ الكاشف عن بطلان هذا القول، وإلَّا فهل يُعقل علم القوم بعدم الإرث دون الأمير وفاطمة (عليهما السلام)، وهما مَنْ هما؟!

هذا، وقد ثبت في المصادر الإسلاميَّة عكس ما قاله الأخ السائل تماماً، فإنّ الأخبار نصَّت على مُطالبة أمير المؤمنين (عليه السلام) بإرث الصدِّيقة الزهراء (عليها السلام)، وكذلك مطالبة الزهراء (عليها السلام) بحقِّها المغصوب من قبل القوم، وفيما يلي جملة من تلك الأخبار:

1ـ ما رواه مُسلم في الصحيح بسنده عن الزهريّ، أنَّ مالك بن أوس حدَّثه قال: «أرسل إليَّ عمر بن الخطَّاب...إلى قوله: ثمَّ أقبل على العبَّاس وعليٍّ...وفيه: فلمَّا توفّي رسول الله (صلَّى الله عليه[وآله] وسلَّم) قال أبو بكر: أنا وليُّ رسول الله (صلَّى الله عليه[وآله] وسلَّم) فجئتما، تطلبُ ميراثك من ابن أخيك، ويطلبُ هذا ميراث امرأته من أبيها...ثمَّ توفّي أبو بكر وأنا ولي رسول الله (صلَّى الله عليه[وآله] وسلَّم)، وولي أبي بكر...ثمَّ جئتني أنت وهذا وأنتما جميع، وأمركما واحد، فقلتما: ادفعها إلينا...الحديث [صحيح مُسلم ج5 ص152].

2ـ وما رواه البخاريّ في الصحيح بسنده عن عروة، عن عائشة، قالت: إنَّ فاطمة (عليها السلام) والعبَّاس، أتيا أبا بكر ‌يلتمسان ميراثهما، أرضه من فدك، وسهمه من خيبر...الحديث [صحيح البخاريّ ج4ص1481].

3ـ وما رواه في الصحيح أيضاً بسنده عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: إنَّ فاطمة (عليها السلام) أرسلت إلى أبي بكر، تسأله ميراثها من النبيّ (صلَّى الله عليه [وآله]وسلَّم)، ممّا أفاء الله على رسوله (صلَّى الله عليه[وآله] وسلَّم)، تطلب صدقة النبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) التي بالمدينة وفدك، وما بقي من ‌خمس ‌خيبر...الحديث [صحيح البخاريّ ج3 ص1360].

4ـ وما رواه في الصحيح أيضاً بسنده عروة بن الزبير: أنَّ عائشة...أخبرته: أنَّ فاطمة (عليها السلام) ابنة رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) سألت أبا بكر...بعد وفاة رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله]وسلَّم) أنْ يقسم لها ميراثها، ما ترك رسول الله (صلَّى الله عليه[وآله] وسلَّم) ممّا أفاء الله عليه...إلى قوله: فغضبت فاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) ‌فهجرت ‌أبا ‌بكر، ‌فلم ‌تزل ‌مهاجرته ‌حتَّى ‌توفّيت [ينظر: صحيح البخاريّ ج3 ص1126].

5ـ وروى أحمد في مُسنده عن عروة بن الزبير، أنَّ عائشة زوج النبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) أخبرته: أنَّ فاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) أنْ يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) ممّا أفاء الله عليه...إلى قوله: فغضبت فاطمة (عليها السلام)، فهجرت أبا بكر ... فلم تزل مهاجرته حتَّى توفّيت [مسند أحمد ج1ص240].

6ـ وروي من طرقنا عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار، بعث إلى فدك مَنْ أخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله منها، فجاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر فقالت: يا أبا بكر، لِمَ تمنعني ميراثي من أبي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وأخرجت وكيلي من فدك، وقد جعلها لي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بأمر الله تعالى؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود ... فقال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه وآله): يا أبا بكر، تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين...الحديث [يُنظر: بحار الأنوار ج ٢٩ ص ١٢٧].. إلى غيرها من الأخبار.

أقول: إنَّ الملاحظ في هذه النصوص المذكورة هو مطالبة أمير المؤمنين (عليه السلام) بإرث الزهراء (عليها السلام) من قبل الأوَّل، وبعدها طالب الثاني أيضاً، وكذا فعلت الزهراء (عليها السلام)، ولذلك فما يُقال: إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يطالب بإرث الزهراء (عليها السلام) عارٍ من الصحَّة، ومجانب للصواب.

ويكمن السرُّ وراء غصب حقِّ الزهراء (عليها السلام)، ما حكاه ابن أبي الحديد المعتزليّ عن ابن الفارقيّ مدرِّس المدرسة الغربيّة ببغداد، ونصُّه: قلتُ له: أكانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم. قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكاً، وهي عنده صادقة؟ فتبسَّم ثمَّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلَّة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدكاً بمجرَّد دعواها لجاءت إليه غداً وادَّعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء، لأنّه يكون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة فيما تدَّعي كائناً ما كان، من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود. وهذا كلام صحيح، وإنْ كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل [شرح نهج البلاغة ج ١٦ص ٢٨٤].

والنتيجة: أنَّ أمير المؤمنين والصدِّيقة الزهراء (عليهما السلام) قد طالبوا بإرث الزهراء (عليها السلام) الذي غصبه القوم .. والحمد لله ربِّ العالمين.