الآيات القرآنية الدالة على إمامة أمير المؤمنين (ع)
السؤال: هل توجد آيات قرآنية تدل على إمامة علي بن أبي طالب؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم – أيّدك الله – أنّ الشيعة الإماميّة استندوا إلى آيات قرآنيّة كثيرة، وأحاديث نبويّة وفيرة، تدلّ على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي مبثوثة في الكتب الحديثيّة والمصنّفات الكلاميّة وغيرها، وقد ذكر العلّامة الحليّ (قدّس سرّه) ثمانين آية قرآنيّة تدلّ على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه [نهج الحقّ وكشف الصدق]، وسنذكر هاهنا عشر آيات منها ونشير إلى نزولها في شأنه ثمّ نقرّر وجه الاستدلال بها على نحو الاختصار:
الآية الأولى: قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55].
المعروف عند علماء الخاصّة والعامّة نزول الآية الكريمة في حقِّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنّه هو المعنيُّ بـ {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، وقد صرّح بذلك كثيرٌ من علماء المخالفين، كالشريف الجرجانيّ والعلّامة التفتازانيّ والمفسّر الآلوسيّ وغيرهم [ينظر: شرح المواقف ج3 ص641، شرح المقاصد ج2 ص288، روح المعاني ج6 ص186]، إذا عرفتَ هذا نقول:
إنّ الآية الكريمة تقصر الولاية على الله تعالى والرسول والذين آمنوا – الذي هو أمير المؤمنين (عليه السلام) – بأداة الحصر: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}، والمراد بالولاية الأولويّة والأحقيّة وولاية الأمر، فيكون معنى الآية: أن وليّ أمركم والأحقّ بكم هو الله تعالى ورسوله وأمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو المطلوب.
الآية الثانية: قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61].
المعروف عند الخاصّة والعامّة نزول آية المباهلة في أهل البيت (عليهم السلام)، وأنّ المراد بـ {وَأَنفُسَنَا} هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونقل مسلم بن الحجّاج: «لـمّا نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي» [صحيح مسلم ج4 ص1871]. إذا عرفتَ هذا، فنقول:
إنّ الآية الكريمة تدلّ على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في مقام نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيدلّ ذلك على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) من وجهين: أحدهما: أنّه لـمّا كان (عليه السلام) في مقام نفس النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وللنبيّ مقام الولاية العامّة -كما يستفاد من قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] -، فيثبت له (عليه السلام) مقام الولاية العامّة والزعامة الكبرى، وهي الإمامة والخلافة. والآخر: أنّه لـمّا كان (عليه السلام) في مقام نفس النبيّ (صلى الله عليه وآله)، والنبيّ هو أفضل الخلق، فيثبت أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو أفضل الخلق، والأفضل هو المستحقّ لمقام الإمامة والخلافة؛ إذ العقل يحكم بعدم جواز تقديم المفضول على الفاضل.
الآية الثالثة: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [سورة النساء 4: 59].
روى الحاكم الحسكانيّ وغيره أنّ الآية الكريمة نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) [ينظر: شواهد التنزيل ج 1ص49، البحر المحيط ج3 ص278، المناقب المرتضوية ص56، أرجح المطالب ص85]. إذا عرفتَ هذا، فنقول:
تدلّ الآية الكريمة على وجوب إطاعة الله والرسول وأولي الأمر إطاعةً مطلقة، والإطاعة المطلقة تستلزم عصمة أولي الأمر؛ إذ لَـو لَـم يكن معصوماً بأن أمكن صدور المعصية عنه أو أمكن أمره بالمعصية لَـما وجبت إطاعته على نحو مطلق، وهو خلف وجوب إطاعته المطلقة الثابتة بالآية، وقد أقرّ الفخر الرازيّ – وهو من كبار مفسّري العامّة – بدلالة الآية الكريمة على عصمة أولي الأمر [ينظر تفسير الرازيّ ج10 ص144]. ومن الواضح أنّ المعصوم هو المستحقّ لمقام الإمامة والولاية.
الآية الرابعة: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:۱۱۹].
روى الخاصّة والعامّة أنّ الآية الكريمة نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) وولده المعصومين (عليهم السلام) [ينظر الكافي ج1ص208، كمال الدين ج1 ص278، تذكرة الخواص ص16]. إذا عرفت هذا، فنقول:
تدلّ الآية الكريمة على لزوم اتّقاء الله تعالى والكون مع الصادقين مطلقاً، ويُراد بالكون معهم الاتّباع والعمل شرعاً، فتدلّ الآية على عصمة أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ لوصفها له بالصدق – أي في الأعمال والأقوال – كما يقتضيه الإطلاق، ولقبح الأمر باتّباع مَن لا تُؤمَن عليه مخالفة أحكام الله عمداً أو خطأ، وللزوم اجتماع الضدّين: وجوب الاتّباع وحرمته لو فعل المعصية. فإذا ثبتت عصمته (عليه السلام) ثبتت إمامته؛ لأنّ المعصوم هو المستحقّ لمنصب الإمامة.
الآية الخامسة: قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23].
روى الفريقان أنّ المراد بـ«ذي القربى» في الآية الكريمة هم قربى النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وهم أهل البيت (عليهم السلام) [ينظر: الكافي ج1ص295، قرب الإسناد ص128، مسند أحمد ج1 ص287، سنن أبي داود ج5 ص377، تفسير الثعلبيّ ج8 ص310، تفسير البغويّ ج4 ص125]. إذا عرفتَ هذا، فنقول:
أنّ الله تعالى أوجب مودّة أهل البيت (عليهم السلام) وجعلها أجراً للرسالة، ووجوب المودّة مطلقاً يستلزم وجوب الطاعة مطلقاً - لأنّ العصيان ينافي الودّ المطلق -، ووجوب الطاعة مطلقاً يستلزم العصمة، والعصمة تستلزم الإمامة كما تقدّم.
الآية السادسة: قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [سورة الأحزاب: 33].
المعروف بين الخاصّة والعامّة نزول الآية الكريمة في أهل البيت (عليهم السلام) [ينظر: تفسير الطبري ج10 ص296، تفسير الحبري ص297، أحكام القرآن ج3 ص529، تفسير الثعلبيّ ج8 ص42، أسباب النزول ص198]. إذ عرفتَ هذا فنقول:
إنّ الآية الكريمة حصرت بـ(إنّما) إرادة الله التكوينيّة – لا التشريعيّة - في دوام إذهاب جنس الرجس الشامل لجميع أفراده - أي مطلق الذنب والمعصية -، وفي دوام ثبوت التطهير لأهل البيت، فدلّت على عصمتهم (عليهم السلام)، والعصمة تستلزم الإمامة كما بيَّنا.
الآية السابعة: قوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، الأنبياء: 7].
ورد في مصادر الفريقين أنّ المراد أهل الذكر هم أهل البيت (عليهم السلام) [ينظر: شواهد التنزيل ج 1 ص334، تفسير الطبري ج7 ص587، تفسير الثعلبي ج6 ص270، تفسير ابن كثير ج2 ص551، تفسير الآلوسي ج14 ص217]. إذ عرفتَ هذا فنقول:
إنّ الآية الكريمة تدلّ على لزوم الرجوع لأهل الذكر – وهم أهل البيت (عليهم السلام) – في كلِّ شيء لا يعلمه الناس، وذلك يقتضي أن يكونوا عالمين بكل شيء يُسألون عنه ويُراجعون فيه – لقبح الأمر بسؤال الجاهل والرجوع إليه -، وعلمهم بكلِّ شيء يقتضي أعلميّتهم على الخلق، والأعلميّة تستلزم الأفضليّة، وهي تستلزم استحقاق الإمامة والخلافة؛ إذ يقبح تقديم غير الأعلم على الأعلم.
الآية الثامنة: قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرّعد: 7].
ورد في مصادر الفريقين: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال في تفسير الآية: «أنا المنذر وعليٌّ الهادي، وبك - يا عليّ - يهتدي المهتدون» [ينظر: تفسير الطبري ج16ص357، تاريخ دمشق ج32ص159، معجم ابن الأعرابيّ ج3 ص1067]. إذ عرفتَ هذا فنقول:
إنّ الآية الكريمة قرنت بين النبيّ والأمير (صلى الله عليهما وآلهما)، بأنّ للنبيّ الإندار وللوصيّ الهداية، وتدلّ أداة العموم في قوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} على أنّ هدايته عامّة لكلّ الأقوام، ويدلّ تقديم الجار والمجرور على انحصار الهداية به بعد النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وهذا يعني أنّه الأحقّ بمقام النبيّ من بعده، والأحقّ بالاتّباع من غيره؛ لقوله: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس: 35].
الآية التاسعة: قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:10].
ورد عند الخاصّة والعامّة أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)؛ إذ إنّه سابق هذه الأُمّة إلى الإسلام [ينظر: الخصال ج2 ص199، كمال الدين ج1 ص206، أمالي الصدوق ص28، أمالي المفيد ص298، أمالي الطوسيّ ص72، تفسير الطبري ج30 ص171، حلية الأولياء ج1 ص660، تذكرة الخواص ص17]. إذ عرفتَ هذا فنقول:
إنَّ الآية تدلّ على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث إنّه سابق هذه الأُمّة، فيكون خيرهم وأفضلهم؛ لأنّ السبق إلى الإسلام والإيمان أمارة الأعرفيّة والأفضليّة كما يشهد له قوله تعالى: {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}؛ لإفادته الحصر وأنّه المقرّب دون غيره من الصحابة؛ باعتبار أنّ غيرَه لا يُعـدّ قريباً بالقياس إليه، فهو الأسبق الأقرب، فيكون بينه (عليه السلام) وبين غيره بونٌ شاسع في المعرفة والفضل والتقوى، ولا ريب أنّ مَن كان كذلك كان أحقّ الناس بالولاية والإمامة.
الآية العاشرة: قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43].
ورد عند الخاصّة والعامّة أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) [ينظر: تفسير الحبريّ ص285، تفسير الثعلبي ج5 ص303، مناقب عليّ لابن المغازليّ ص262، شواهد التنزيل ج1 ص307]. إذ عرفتَ هذا فنقول:
الآية الكريمة تدلّ على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ لاقتضائها فضله الظاهر على غيره، وعصمته؛ لجعل الله سبحانه شهادته كافية في ثبوت نبوّة نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم)، من حيث ظهور فضله ومعرفته وفهمه وكماله وعصمته، واجتنابه الكذب والنقائص، حتّى عُدَّت شهادته بِقَرْنِ شهادة الله تعالى، فلا بُدّ أن يكون هو الإمام، ولا سيّما أنّ عنده عِلمَ الكتاب.
نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً.
اترك تعليق