الحكمة من المرض
السؤال: يقول الله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} ، ولكننا نشاهد العديد من الأشخاص الذين يتوفون بسبب الأمراض. فلماذا لم يمنحهم الله تعالى الشفاء؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
معنى الآية: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} أنَّ الله سبحانه الوحيد القادر على شفاء عبده عندما يمرض، وذلك من خلال ما يقدّره من أسباب تؤدّي إلى الشفاء، وليس المقصود أنَّ الله سبحانه ملزَمٌ بشفاء العبد عند مرضه، إذ قد يكون للمرض - الذي لا يشفى منه العبد رغم دعائه - حكمةٌ معينةٌ، هذه الحكمة تتضح من تنوع أسباب المرض في حياة الإنسان، وقد ذكر الإمام الصادق (ع) في بيان الحكمة من المرض قائلا: «إن المرض على وجوهٍ شتَّى: مرض بلوى، ومرض عقوبة، ومرض جُعِلَ علةً للفناء» [الاحتجاج ج٢ ص٨٥].
وبناءً على ذلك يمكن تصنيف هذه الأنواع إلى ثلاثة أقسام:
الأول: مرض البلوى:
يُعتبر هذا النوع من المرض اختباراً وابتلاءً من الله سبحانه للعبد المؤمن، يهدف إلى معرفة صبره وإيمانه ليرفعه الله سبحانه درجة، أو يحطَّ عنه خطيئة، ومن الآثار الدالة عليه:
١- روي عن النبيّ (ص) قال: «السقم يمحو الذنوب» [بحار الأنوار ج٦٧ص٢٤٤].
٢- روي أنَّه مرض أمير المؤمنين (ع) فعاده إخوانه فقالوا: كيف أصبحت يا أمير المومنين؟
قال: «بشر"!
فقالوا :سبحان الله هذا من كلام مثلك!
فقال (ع) "يقول الله تبارك وتعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنه وإلينا ترجعون}، فالخير الصحة والغنى والشر المرض والفقر ابتلاءٌ واختبارٌ» [الجعفريات ج۱ ص۲۳۳].
٣- روي عن الإمام الرضا (ع): «المرض للمؤمن تطهيرٌ ورحمة، وللكافر تعذيبٌ ولعنة، وإنَّ المرض لا يزال بالمؤمن حتى لا يكون عليه ذنب» [ثواب الأعمال ج١ ص٢٢٩].
الثاني: مرض العقوبة:
يُعتبر هذا المرض عقوبةً إلهيَّةً على أفعال العبد المذنب، مما يوفر له فرصة للتفكر والتوبة، ومن الآثار الدالة عليه:
١- روي عن الإمام الصادق (ع) عند ذكره لأنواع المرض قال: «مرض العقوبة» [الاحتجاج ج٢ص ٨٥].
٢- روي عن الإمام الرضا (ع) قال: «المرض للمؤمن تطهيرٌ ورحمة، وللكافر تعذيبٌ ولعنة» [ثواب الأعمال ج١ص ٢٢٩].
الثالث: مرض سبب الفناء:
يُعتبر هذا المرض عاملاً حاسماً في إنهاء حياة الإنسان، حيث يشكل سبباً مباشراً لوفاته. في هذا السياق أكَّد الإمام الصادق (ع) خلال حديثه مع طبيبٍ كان يدَّعي استطاعته منع الموت من خلال العناية السليمة بالجسد وتناول الطعام المناسب، أنَّه لا يمكن علاج المرض الذي يؤدي إلى الموت، وأشار (ع) إلى استسلام ثلاثةٍ من أبرز الأطباء والحكماء للموت، حيث قال: «لقد توفي أرسطو، معلم الأطباء، وأفلاطون، رئيس الحكماء، وجالينوس الذي شاخ وضعف بصره، ولم يتمكنوا من دفع الموت عندما حلَّ بهم، رغم أنَّهم بذلوا قصارى جهدهم للحفاظ على أنفسهم والبحث عن ما يتناسب مع صحتهم» [الاحتجاج ج٢ص ٨٥].
أقول: للمرض منافعُ للمؤمن فهو وسيلةٌ للتربية التي تذكِّر الإنسان بضعفه وفقره وقلَّة حيلته؛ فعن النبيّ (ص) أنه قال: «لولا ثلاثةٌ في ابن آدم ما طأطأ رأسَه شيءٌ : المرض ، والفقر ، والموت ، كلُّهم فيه ، وإنَّه معهنَّ لوثَّاب» [الخصال ص ١١٣].
نكتفي بهذا القدر والحمد لله أولاً وآخرا.
اترك تعليق