هل يُعدُّ إخبار النبيّ بقتل الحسين من الجبر؟
السؤال: هل يُعتبر إخبار النبيّ (ص) عن مقتل الحسين (ع) نوعاً من أنواع الجبر؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
لا ريبَ أنَّ إخبار النبيّ الأعظم (ص) عن مقتل سبطه الإمام الحسين (ع) أمرٌ ثابتٌ عند الفريقين، نذكر بعضاً منه، ثمَّ نبيِّن المراد من ذلك إنْ شاء الله تعالى.
1ـ روى ابن عساكر بسنده عن شدَّاد أبي عمَّار قال: (قالت أمُّ الفضل بنت الحارث زوجةُ العبَّاس بن عبد المطَّلب: رأيتُ ـ يا رسول الله ـ رؤيا أُعظِمكَ أنْ أذكرها لك، قال: اذكريها. قالت: رأيتُ كأنَّ بضعةً منك قُطعت فوضعت في حجري، فقال (ص): فاطمة حُبلى تلد غلاماً اسمِّيه حسيناً، وتضعه في حجرك. قالت: فولدت فاطمة حسيناً، فكان في حجري أربِّيه، فدخل عليَّ يوماً وحسينٌ معي، فأخذه يلاعبه ساعة، ثمَّ ذرفت عيناه، فقلتُ: ما يبكيك؟ قال: هذا جبريل يخبرني أنَّ أمَّتي تقتل ابني هذا) [تاريخ دمشق ج14 ص196].
2ـ وروى الخوارزميُّ بسنده عن عائشة بنت أبي بكر، قالت: (إنَّ رسول الله (ص) أجلس حُسيناً على فخذه، فجاء جبرئيل إليه، فقال: هذا ابنك؟ قال: نعم. قال: أما إنَّ أمَّتك ستقتله بعدك، فدمعت عينا رسول الله، فقال جبرئيل: إنْ شئتَ أريتُكَ الأرض التي يُقتل فيها؟ قال: نعم، فأراه جبرئيل تراباً من تراب الطف) [مقتل الحسين (ع) ج1ص233].
اذا اتَّضح هذا ـ عزيزي السائل ـ فنقول: إنَّ إخبار النبيّ (ص) بقتل الإمام الحسين (ع) لا يعني أنَّ القَتَلَة مجبورون في ذلك، وإنَّما عنى أنَّهم سوف يقتلونه بكامل إرادتهم واختيارهم.
وبعبارة أُخرى: إنَّ اخبار النبيّ الأعظم (ص) عن مقتل الإمام الحسين (ع) كاشفٌ عن تحقّقه في الخارج فقط، وليس موجِباً للجبر، لأنَّ العلم بالشيء لا يكون علَّة لإيجاد ذلك الشيء.
ونظير ذلك، علم الله تعالى بأفعالِ خلقه، فعِلْمُ الله تعالى بأنَّ زيداً ـ مثلاً ـ سوف يفعل معصية في أحدِ الأيام ليس معناه الجبر، وإنَّما يعني أنَّ الله تعالى عالمٌ بأنَّ زيداً سوف يعمل تلك المعصية باختياره وإرادته، لأنَّ جبر الإنسان على الفعل ومن ثُمَّ عقابه عليه نوعٌ من أنواع الظلم، والله تعالى منزَّه عن الظلم، كما لا يخفى.
قال الشيخ جعفر السبحانيُّ (دامت بركاته): (علمه الأزلي لم يتعلَّق على صدور كلِّ فعلٍ عن فاعله على وجه الاطلاق، بل تعلَّق علمه بصدور كلِّ فعلٍ عن فاعله حسب الخصوصيات الموجودة فيه. وعلى ضوء ذلك، تعلَّق علمه الأزلي بصدور الحرارة من النَّار على وجه الجبر، بلا شعور ولا اختيار، كما تعلَّق علمه الأزلي بصدور الرعشة من المرتعش على وجه الجبر عالماً بلا اختيار. ولكنْ تعلَّق علمه سبحانه بصدور فعل الإنسان الاختياري منه بقيد الاختيار والحريَّة، فتعلَّق علمه بوجود الإنسان وكونه فاعلاً مختاراً، وأنَّ كلَّ فعلٍ منه يصدر اختياراً، ومثل هذا العلم يؤكِّد الاختيار، ويدفع الجبر عن ساحة الإنسان) [الإلهيات ص631].
وعليه، يكون علم النبيّ (ص) وإخباره بمقتل الحسين (ع) عبارة عن كشفه لما سوف يفعله المجرمون بإرادتهم واختيارهم، وليس جبراً لهم على ذلك الفعل القبيح الذي اهتزَّت له السماوات والأرض.
والنتيجة من كلِّ ذلك، أنَّ إخبار النبيّ الأعظم - وإنْ كان ثابتاً في الروايات- إلَّا أنَّه لا يعني الجبر بوجهٍ من الوجوه.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق