ضرب الجارية التي تغطّي رأسَها!
السؤال: يقول مخالفونا: (إنَّ الشيعة يشنّعون علينا بأنَّ عمر كان يضرب الجارية إذا ارتدت الحجاب، لكنَّنا وجدنا ما يؤيده في كتب الشيعة عن بعض أئمتهم)، فهل بالإمكان الإجابة؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر المشار إليه هو ما نقله الشيخ البرقيّ والشيخ الصدوق بالإسناد عن حمّاد بن عثمان، عن حمّاد اللحّام قال: «سألت أبا عبد الله (ع) عن المملوكة تقنع رأسها إذا صلّت؟ قال: لا، قد كان أبي (ع) إذا رأى الخادمة تصلّي مقنَّعةً ضربها لُتعرَف الحرّة من المملوكة»» [المحاسن ج٢ ص٣١٨، علل الشرائع ج٢ ص٣٤٥].
ويُلاحظ في خصوص هذه الرواية وجوهٌ:
الوجه الأوّل: ضعف إسناد الرواية؛ فإنّ راوي الرواية هو (حمّاد اللحّام)، وهو مردّدٌ بين ابن بشير وابن واقد، وكلاهما مهمل، ليس لهما توثيقٌ. وقد نصّ جمعٌ من العلماء على ذلك، قال السيّد الطباطبائيّ: (ولكنّه ضعيفٌ؛ لضعف السند بالجهالة) [رياض المسائل ج3 ص245]، ونحوه ذكر المحقّق النراقيّ في [مستند الشيعة ج4 ص249].
الوجه الثاني: احتمال تحريف الرواية، فنسبة الضرب للإمام الباقر (ع) ليست صحيحة، وإنّما كان الباقر (ع) يقول: «كُنّ يُضرَبن» كنايةً عن الخليفة الثاني الذي كان يضرب الجواري، كما يشهد لذلك رواية أبي خالد القمّاط [ينظر: ذكرى الشيعة ج3 ص10].
قال الشيخ التستريّ: (كما أنّ ضرب الباقر (ع) الخادمة - أي المملوكة - فيهما ليس بصحيح، وأنّ الباقر (ع) إنّما قال: «كُنّ يضربن على التّقنيع»؛ ففي الذّكرى: روى عليّ بن إسماعيل الميثميّ في كتابه ، عن أبي خالد القمّاط، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الأمة أتقنّع رأسها؟ قال: إن شاءت فعلت وإن شاءت لم تفعل، سمعتُ أبي يقول: كنّ يضربن، فيُقال لهنّ: لا تشبّهن بالحرائر») [النجعة في شرح اللمعة ج2 ص119].
الوجه الثالث: الرواية محمولة على التقيّة؛ وذلك لأنّه – إضافةً إلى عدم حرمة ستر الجارية رأسها حتّى تستحقّ الضرب - الثابت من سيرة أئمّة الهدى (ع) في تعاملهم مع العبيد والإماء خلاف ما ورد هذا الخبر من ضرب الخادمة؛ حيث كانوا يحسنون للعبيد ليكونوا قدوة للآخرين، من ذلك: أنّ أحد غلمان الإمام الباقر (ع) لـمّا عمل عملاً صالحاً، فقال له الإمام: «اذهب فأنت حرّ، فإنّي أكره أن أستخدم رجلاً من أهل الجنة» [من لا يحضره الفقيه ج1 ص27]، ومنها: أنّ جارية للإمام السجّاد (ع) كانت تسكب له الماء، فسقط الإبريق من يدها فشجّه، فرفع رأسه إليها، فقالت: والكاظمين الغيظ، قال: قد كظمت غيظي، قالت: والعافين عن الناس، قال: عفا الله عنك، قالت: والله يحبّ المحسنين، قال: فاذهبي فأنت حرّة لوجه الله [مشكاة الانوار ص137].
ولهذا ذكر العلماء أنّ هذه الرواية تحتمل بل يغلب على الظنّ صدورها على نحو التقيّة، وإليك بعض كلماتهم:
قال المحدّث البحرانيُّ: (ويقرّب حمل أخبار الضرب الظاهرة في التحريم على التقيّة، كما تقدّم نقله عن عمر، ويشير إليه قوله (ع) - في رواية القماط بعد إفتائه بالتخيير -: «سمعت أبي يقول: كنّ يُضرَبن»؛ إذ الظاهر كونه إشارةً إلى ما رواه العامّة عن عمر، ويؤيّده إسناد الحكم إلى أبيه في أكثر هذه الأخبار) [الحدائق الناضرة ج7 ص19].
وقال السيّد الطباطبائيّ: (ولكنّه ضعيف؛ لضعف السند بالجهالة، مع احتمال الحمل على التقيّة كما يشعر به نسبته ضربهنَّ إلى أبيه، ويعضده نقل ذلك عن عمر: أنّه ضرب أمةً لآل أنس رآها مقنّعة) [رياض المسائل ج3 ص210].
وقال المحقّق الجواهريّ: (الغالب في الظنّ صدور ذلك مصدر التقية؛ لأنّ المحكيَّ عن عمر أنّه كان يضرب الأمة لذلك، وقد ضرب أمةً لآل أنس، وقال لها: لا تشبّهي بالحرائر، بل في الخبر المزبور إشارة إلى ذلك، بل قد يؤيّده أيضاً: أنّ الضرب أذيّةٌ لا يجوز أن يرتكب إلّا لفعل حرامٍ أو ترك واجب، وليس عدم الستر واجباً.. وقد ورد النهي الشديد عن ضرب المملوك والأمر بالعفو عنه حتّى أنّهم أمروا بالعفو عنه سبعين مرّة، وعن ضربه في النسيان والزلّة، فضلاً عن إرادة الستر والعفاف والحياء، مع أنّ ظاهر الروايات: أنّ الضرب كان من دون أن يتقدّم إليهنّ بالمنع، ولا كان منهنّ إصرار، كما صنع عمر بأمة آل أنس، ومعرفة المملوكة من الحرّة في الصلاة ما الباعث عليها؟ على أنّها معروفة بلا شبهة، وكلّ ذلك وغيره شواهد على التقيّة، اللّهمّ إلّا أنْ يكون هناك حكمة خفيّة) [جواهر الكلام ج8 ص225].
ثـمّ إنّـه لا يصحّ قياس هذا الفعل من الإمام الباقر (ع) بما كان يفعله عمر بن الخطّاب؛ وذلك الرواية تفيد كون الجارية ملك الإمام، وللمالك تأديب مملوكه لو صدر منه فعلٌ يستحقّ عليه التأديب، بينما المرويّ في كتب العامّة: أنّ عمر بن الخطّاب كان يضرب حتّى مملوكة الغير.
قال ابن حجر: (المعروف عن عمر أنه ضرب أمةً رآها مقنَّعةً وقال: اكشفي رأسك ولا تتشبّهي بالحرائر.
أخرجه عبد الرَّزَّاق بإسنادٍ صحيح.
وعن عبد الرزّاق عن ابن جريح حدّثت: أنّ عمر ضرب عقيلةَ، أمة أبي موسى في الجلباب أنْ تَتَجلْبَب... وروى ابن أبي شيبة من وجهٍ آخرَ صحيحٍ عن أنس: رأى عمر أمةً عليها جلباب، فقال: عتقتِ؟ قالت: لا، قال: ضعيه عن رأسك، إنّما الجلباب على الحرائر، فتلكأت، فقام إليها بالدرّة فضرب رأسها حتّى أقته. وأخرج محمّد بن الحسن في الآثار عن أبي حنيفة عن حمّاد عن إبراهيم: أنّ عمر كان يضرب الإماء أن يتقنّعن ويقول: لا تتشبّهن بالحرائر) [الدراية في تخريج أحاديث الهداية ج1 ص124].
نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً.
اترك تعليق