طول عمر سلمان المحمدي (رض)

السؤال: العَلّامةُ النوري الطبرسي في ترجمته لـسلمان الفارسي يقول: هو "عاش أكثر من 400 سنة؛ التقى بالنبي عيسى "عليه السلام" وبقيَ حيّاً حتّى نبوّةِ محمد "صلّى الله عليه وآله"..!. كلُّ هذا لأنّه فارسي! ، سؤال: إذا كانت هذه ترجمتهم لشخصية معروفة ومع ذلك يكذبون بهذه الطريقة الفاحشة، فكيف نصدق تراجمهم لأصحاب أئمّتهم الذين نجهلهم ولا نعرف عنهم شيء؟!

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

يشير السائل إلى ما جاء في كتاب (نفس الرحمن في فضائل سلمان) من كلام للميرزا حسين النوري (قُدّس سرّه). والإجابة عمّا ذكره في سؤاله تظهر بذكر بعض الأمور:

الأمر الأوّل: فيما يتعلّق بطول عُمرِ مولانا سلمان المحمّدي (رضوان الله عليه) وإدراكه للنبيّ عيسى (عليه السلام) أو لوصيّه، فقد ذكر ذلك بعض علماء الطائفة، كالشيخ الطوسيّ حيث قال: (وروى أصحاب الأخبار أنّ سلمان الفارسيّ (رضي الله عنه) لقي عيسى بن مريم (عليه السلام) وبقي إلى زمان نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخبره مشهور) [الغيبة ص113]، وقال السيد ابن طاووس: (ويُروى أنّ سلمان كان من بقايا أوصياء عيسى عليه السلام) [مهج الدعوات ص313]، وتمام كلامه هذا نقله الميرزا النوري أيضاً [ينظر: نفس الرحمن في فضائل سلمان ص39 ]، والملاحظ هنا أنّ عباراتهم صريحة في أنّ ذلك هو مدلول الأخبار وما يروى كحدث تأريخيّ مشهور عند أهل العلم من دون التبنّي له أو الجزم به كما هو واضح.

وبالرجوع إلى كتب المذاهب الأخرى نجد أنّ مسألة طول عمر سلمان المحمّديّ ليست من النقول المختصّة بعلماء الشيعة، بل هي ممّا ذكره علماء العامّة أيضا، حيث نصّ غير واحد منهم على أنّه عمَّر (350) سنة، أمّا مائتان وخمسون فلا يشكّون فيها [ينظر: تاريخ أصفهان ج1 ص74، تاريخ بغداد ج1 ص509، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ج5 ص27، تهذيب الكمال ج11 ص254، وغيرهم العشرات]، ونقل بعضهم أنّه أدرك عيسى بن مريم (عليه السلام) [ينظر: بهجة المحافل ج1 ص172، لمعات التنقيح ج9 ص769]. في حين ذكر بعض آخر أنّه أدرك وصيَّ عيسى ع [ينظر: تاريخ أصفهان ج1 ص74، تاريخ بغداد ج1 ص509، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ج5 ص27، الكمال في أسماء الرجال ج1 ص278].

وإليك نماذج من كلماتهم في ذلك قال الحافظ ابن حجر في ترجمته له (رضي الله عنه): (.. ويقال: إنّه أدرك عيسى بن مريم، وقيل: بل أدرك وصيَّ عيسى....) [الإصابة ج3 ص119]. وعن ابن الأثير أيضاً قال: (قال أهل العلم: عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيه، قال أبو نعيم: كان سلمان من المعمرين، يقال: إنّه أدرك عيسى بن مريم، وقرأ الكتابين) [أُسد الغابة ج2 ص332].

ومن هنا يظهر لك أخي القارئ الكريم أنّ المسألة برمّتها ليست من غرائب الشيعة أو مختصّاتهم، بل هي ممّا اتّفق على نقله علماء الفريقين، فلا يُدرى - والحال هذه - ما السبب الحامل للسائل لكي يجعلها من مثالب الشيعة فيشنّع عليهم!.

الأمر الثاني: من الواضح أنّ اعتقاد جميع المسلمين قائم على ارتباط مسالة طول العمر بالإدارة والقدرة الإلهيتين، فإنّه تعالى متى أراد ذلك لعبد من عبيده لم يمتنع عليه ذلك؛ فهو أمر ممكن في حدّ ذاته ولا مانع منه؛ ولأجل ذلك فإنّه عندما أثبت الذهبيّ طول عمر سلمان المحمّدي ثمّ عاد فأنكره وقال: (.. وقد نقل طول عمره أبو الفرج ابن الجوزي وغيره..، وما عَلِمتُ في ذلك شيئاً يُركن إليه..، وقد ذكرت في تاريخي الكبير أنّه عاش مائتين وخمسين سنة، وأنا الساعة لا أرتضي ذلك، ولا أصحّحه.) [سير أعلام النبلاء ج1 ص254 -256]، إنّه عندما فعل ذلك ردّ عليه الحافظ ابن حجر العسقلانيّ بقوله: (لكنْ إن ثبت ما ذكروه: يكون ذلك من خوارق العادات في حقّه، وما المانع من ذلك؟!) [الإصابة ج3 ص119].

وكيفما كان فإنّ مسالة طول العُمر من المسائل الرائجة في زمن الجاهلية وعلى نطاق واسع بين العرب. قال المؤرّخ جواد علي: (وقد عَمَّرَ بعض أهل الجاهلية عُمرًا طويلاً، فعُدّوا من المعمّرين في الجاهلية....، ولا يُعد المُعمِّر مُعَمِّرًا عندهم إلّا إذا عاش مائة وعشرين سنة وصاعداً. ولهذا، فلا نستغرب ما يرويه أهل الأخبار عن بعضهم من أنّهم عاشوا فوق المائة بكثير) [المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص248].

كما أنّ المؤرّخين ذكروا كثيراً من الشخصيّات العربيّة المعمّرة، لأكثر من 330 عام، منهم: رُبَيع بن ضبُع، والمستوغر بن ربيعة، وأكثم بن صيفي الذي أدرك الإسلام وغيرهم.[ينظر: كتابه المعمّرون من العرب]. بل قد ذكر بعض علماء العامّة ما هو أكثر من ذلك، فقد قال الحسنيّ الهنديّ في نزهة الخواطر: (الشيخ الصالح المعمِّر عبد العزيز الصالحيّ المكيّ المشهور بعبد الله علمبردار - أي صاحب لواء النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، يقال: إنّه أدرك زمان الخليل ومَن بَعده من الأنبياء، وقيل: إنّه لم يدرك الخليل، بل ‌أدرك ‌عيسى ‌بن ‌مريم فآمن به ثمّ أدرك النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وأسلم على يده ولازمه وصار من أهل الصفة..، فلما ورد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذلك المقام في حرب الجمل أو حرب صفين انتبه من ضوضاء الناس وسأل عنه فقيل: هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، فقام وبايعه وخدمه في الحرب..) [نزهة الخواطر ج1 ص105]، ومن الواضح أنّ نقل علماء المسلمين لهذه الأقوال لا يقتضي تبنِّيهم لها أو احتسابها عليهم وعدادها مثالب لهم.

بقي لنا وقفة ختاميّة مع كلمتين للسائل:

الأولى: قوله: (... كلّ هذا لأنّه فارسيّ!)، ومن الواضح أنّها جزء من مشروع السلفيّة الوهابيّة القائم على بَثِّ سموم التفرقة بين المسلمين، وإلّا فإنّه لا فرق بين عربيّ وأعجميّ إلّا بالتقوى، كما أنّ سلمان المحمّديّ غنيٌّ عن أن الانتساب إلى قوميّة بعينها؛ سواء كانت هي العروبة أو الفارسيّة أو غيرهما، إذ يكفيه فضلاً وفخراً ما قاله النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في حقّه حينما تنازع المهاجرين والأنصار فيه يوم الخندق وكلٌّ يقول: (سلمان منّا)، فحسم النبيّ(صلّى الله عليه وآله) النزاع وأفهم الجميع أنّ مكانة سلمان ترفعه عمّا يتوهّمون؛ إذ لا يَصُحُّ لمثله إلّا أن يُنسب إلى أطهر بيت في الوجود منذ بدء الخليقة حتّى منتهاها حيث قال: « سلمان منّا أهل البيت » [ينظر: المستدرك للحاكم ج3 ص598 ، مجمع الزوائد ج6 ص130، المعجم الكبير ج6 ص213، الجامع الصغير للسيوطي ج2 ص52، عمدة القارئ للعيني ج2 ص168].

والأخرى: ترتبط بقوله: (إذا كانت هذه ترجمتهم... إلخ)، وفيه: أنّ قضية طول عمر سلمان المحمديّ مما توافقت عليه كتب الفريقين شيعة وسنة، ولم تختص بها كتب الشيعة، مع أنّنا نرى – نحن الشيعة – أنّ ما يُذكر في المصادر الرجالية والتاريخية تحتاج لتمحيص وتدقيق، ولا يؤخذ بجميع ما فيها، بما في ذلك كتاب (نفس الرحمان في فضائل سلمان)، هذا.. فضلاً عن أنّ ما ذكره الميرزا النوري لا يُغيّر من عقيدة المسلمين في مكانة سلمان المحمّدي شيئاً ولا يضفي على فقههم حكماً شرعيّاً حتّى يؤاخذ سماحته بما جاء في كتابه!. ختاماً هذا ما وفّقنا الله تعالى لتحريره، والحمد لله ربّ العالمين.