السُفيانيّ هويته وصفته وخروجه وحياته

السؤال: ما هي هوية السُفيانيّ، وصفته، ومكان خروجه، ومدَّة عيشه؟

: الشيخ حسين العابد

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

بما أنَّ السؤال يتضمن شقوقاً متعدّدة، فتتضح الإجابة عنها في عدة أمور:

الأمر الأول: هوية السُفيانيّ:

بدايةً فإن شخصية السُفيانيّ وما يقوده من حراكٍ من العلامات الحتميَّة لظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وأبرزها - وقد ورد ذكره في أخبارٍ كثيرة - بل يجد المتتبِع أن الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) قد سلَّطت الضوء عليه بشكلٍ أكبر قياساً بغيره من شخصيات ومحارك عشية الظهور الشريف:

روي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: «إنَّ أمر القائم حتم من الله، وأمر السُفيانيّ حتم من الله، ولا يكون قائمٌ إلَّا بسفيانيّ» [قرب الإسناد ص374].

وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «خمسٌ قبل قيام القائم (عليه السلام): اليمانيّ، والسُفيانيّ، والمنادي ينادي من السماء، وخسفٌ بالبيداء، وقتل النفس الزكية» [كمال الدين ص677].

وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «إنَّ من الأمور أموراً موقوفةً وأموراً محتومة، وإنَّ السُفيانيّ من المحتوم الذي لابد منه» [الغيبة للنعماني ص212].

وروى زرارة بن أعين عن عبد الملك بن أعين أنه قال: «كنت عند أبي جعفر (عليه السلام)، فجرى ذكر القائم (عليه السلام)، فقلت له: أرجو أنْ يكون عاجلاً ولا يكون سفيانيّ، فقال: لا والله، إنَّه لمن المحتوم الذي لا بدَّ منه» [الغيبة للنعماني ص212].

هذا وإنّ السُفيانيّ - بحسب ما تضمنته الأخبار عن أهل البيت (عليهم السلام) - شخصيةٌ معاديةٌ ترجع من حيث النسب إلى أبي سفيان بن حرب بن أمية؛ ولذا لقب بـ «السُفيانيّ»، ويلقب بـ «ابن آكلة الأكباد» نسبةً إلى جدَّته هند، وورد في بعض الأخبار: أنَّ اسمه عثمان وأبوه عنبسة.

روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنَّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادَيْنَا في الله، قلنَّا: صدق الله وقالوا: كذب الله. قاتل أبو سفيان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقاتل معاوية علي بن أبي طالب (عليهما السلام). وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي (عليهما السلام)، والسُفيانيّ يقاتل القائم (عليه السلام)» [معاني الأخبار ص346].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس... اسمه عثمان وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان» [كمال الدين ص679].

ثم يجدر التنويه إلى أنَّ بين أرباب التحقيق مباحث فرعيَّةٍ حول الهوية الشخصيَّة للسفيانيّ، مثل: هل اسم عثمان الوارد في الأخبار هو اسمٌ للسفيانيّ على نحو الحقيقة أم كنايةٌ عنه بصفةٍ فيه؟ فإنَّ بعض الروايات ظاهرها الإرشاد إلى عدم الاهتمام بالاسم كما سيأتي. وأيضاً من تلك المباحث: هل تسميته بالسُفيانيّ هو لمحض نسبه، أم لأنَّه يحمل صفات منهج أبي سفيان أيضاً؟

وأما أخواله فهم عشيرة كلب: ورد في رسالة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى معاوية: «وإنَّ رجلاً من ولدك مشؤمٌ ملعونٌ، جلفٌ جافٌ، منكوس القلب، فظٌ غليظٌ، قد نزع الله من قلبه الرأفة والرحمة، أخواله من كلب، كأنّي أنظر إليه، ولو شئتُ لسمَّيتًه ووصفتُه وابن كم هو، فيبعث جيشاً إلى المدينة فيدخلونها فيسرفون فيها في القتل والفواحش، ويهرب منه رجلٌ من ولدي زكيٌّ نقيٌّ، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً وإني لأعرف اسمه وابن كم هو يومئذ وعلامته» [كتاب سليم بن قيس ص309].

الأمر الثاني: صفة السُفيانيّ:

لم تقتصر الروايات الشريفة على بيان الصفات الشخصيَّة للسفيانيّ، بل تناولت أيضاً صفات وملامح مشروعه وهي الأهم، وحتى تلك التي تناولت صفاته الشخصيَّة فإنّها لم تقتصر على الصفات الجسديَّة، بل أشارت أيضاً إلى صفاته النفسيَّة والفكريَّة. ولكن سنقتصر ههنا على بيان صفاته الشخصيَّة بناءً على مفروض السؤال، وباعتبار أنَّ الحديث عن صفات وملامح مشروعه يحتاج إلى مقام مستقل:

عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «يقبل السُفيانيّ من بلاد الروم متنصّراً، في عنقه صليب، وهو صاحب القوم» [الغيبة للطوسي ص483]. وبلاد الروم هي بلاد الغربيين، ويظهر من الرواية أن السُفيانيّ يأتي بقوامٍ وهيئةٍ كهيئة النصارى والغربيين بادياً عليه التأثر بهم.

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «السُفيانيّ أحمر أشقر أزرق، لم يعبد الله قط، ولم يرَ مكة ولا المدينة قط، يقول: يا ربِّ ثاري والنار، يا ربِّ ثاري والنار» [الغيبة للنعماني ص316].

ويحتمل أنْ يكون مراد الإمام (عليه السلام) من قوله: «أحمر أشقر أزرق» إشارة إلى صفاته النفسيَّة، والتكنية بذلك عن اتصافه بالشدّة والخباثة، وليس بياناً للون بشرته وجسمه، حيث كانت العرب تكني عن بعض الصفات النفسيَّة الخبيثة بالألوان. ويعضد هذا الاحتمال: سياق ما رواه الصدوق (رض) عن عمر بن يزيد قال: قال لي أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «إنك لو رأيتَ السُفيانيّ لرأيتَ أخبث الناس، أشقر، أحمر، أزرق، يقول: يا ربِّ ثأري ثأري ثمّ النار، وقد بلغ من خبثه أنّه يدفن أمّ ولدٍ له وهي حيّةً مخافة أنْ تدلّ عليه» [كمال الدين ص679].

وعن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قال أبي (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «هو رجلٌ ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري، إذا رأيته حسبته أعور» [كمال الدين ص679].

الأمر الثالث: مكان خروج السُفيانيّ:

يخرج السُفيانيّ في الشام، ويكون بادئ أمره تحديداً من منطقة تدعى «الوادي اليابس» من ناحية دمشق:

ورد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا اختلف الرمحان بالشام لم تنجلِ إلَّا عن آيٍة من آيات الله. قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: رجفةٌ تكون بالشام، يهلك فيها أكثر من مائة ألف، يجعلها الله رحمةً للمؤمنين، وعذاباً على الكافرين، فإذا كان ذلك فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة والرايات الصفر تقبل من المغرب حتى تحلَّ بالشام، وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر، فإذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها حرستا، فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس حتى يستوي على منبر دمشق، فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي (عليه السلام» [الغيبة للنعماني ص315].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: قال أبي (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجلٌ ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور» [كمال الدين ص679].

وبالنظر إلى أن الروايات الحاكية عن السُفيانيّ تتحدث عن أنَّ مشروعه في الشام، فيكون المتبادر من الوادي اليابس هو المكان المعروف بهذا الاسم في ناحية دمشق، ويعضد ذلك: الرواية التي نقلها ابن حماد – وهي تشترك مع رواياتنا في غالب محتواها – عن محمّد بن جعفر عن علي قال: «السُفيانيّ من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان، رجل ضخم الهامة، بوجهه آثار جدري، وبعينه نكتة بياض، يخرج من ناحية مدينة دمشق في واد يُقال له: وادي اليابس، يخرج في سبعة نفر، مع رجلٍ منهم لواءٌ معقودٌ، يعرفون في لوائه النصر، يسيرون بين يديه على ثلاثين ميلا، لا يرى ذلك العلم أحدٌ يريده إلا انهزم» [الفتن ص166]. هذا على القول بإمكان الاستفادة في مثل هذه الموارد من روايات العامة.

الأمر الرابع: مدة عيش السُفيانيّ:

لم تنصّ مروياتنا على مدَّة حياة السُفيانيّ، ولا على مدَّة عيشه من حين خروجه وحتى مقتله على يد الإمام (صلوات الله عليه). بيد أنَّها نصَّت في موارد عديدةٍ على مدَّة خروجه وحراكه: وهي من أوله إلى آخره خمسة عشر شهر. ونصت على مدة سيطرته: وهي تسعة أشهرٍ من أصل هذه الشهور الخمسة عشر، ثم يكون ظهور الإمام (أرواحنا فداه).

ورد عن عيسى بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «السُفيانيُّ من المحتوم، وخروجه في رجب، ومن أول خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوماً» [الغيبة للنعماني ص308].

لكننا نعلم إجمالاً من خلال معطيات الروايات الشريفة: أن السُفيانيّ سيبقى حيَّاً إلى ما بعد خروج الإمام؛ لأنّها نصت على أنَّ مقتله يكون على يديه (صلوات الله عليه)، فقد ورد عن المعلى بن خنيس قال: «ذهبت بكتاب عبد السلام بن نعيم وسدير وكتب غيرُ واحدٍ إلى أبي عبد الله (عليه السلام) حين ظهرت المسودة قبل أن يظهر ولد العباس: بأنا قد قدّرنا أن يؤول هذا الأمر إليك، فما ترى؟ قال: فضرب بالكتب الأرض ثم قال: أفٍ أفٍ، ما أنا لهؤلاء بإمام، أما يعلمون أنَّه إنّما يقتل السُفيانيّ» [الكافي ج8 ص331].