علم الجفر من مختصات أهل البيت (ع)

السؤال: يقال إنّ الجفر وعلومه من مختصَّات أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن لم نرَ الإمام عليَّاً (عليه السلام) أو غيره من الأئمة (عليهم السلام) يتكلمون بما يحتويه الجفر للناس لنعرف ما هو.

:  الشيخ أمير الخزاعي

الجواب:

لقد وردت في العديد من الروايات إشارةٌ صريحةٌ إلى اختصاص أهل البيت (عليهم السلام) بعلمٍ يُعرف بـ «علم الجفر». هذه الروايات - وإن تفاوتت في ألفاظها وسياقاتها - إلّا أنّها تشترك في مضمونٍ واحد، ممّا يُعطيها قوة التواتر الإجماليّ، وقد تضمّنت بعض هذه النصوص بياناً لخصائص هذا العلم ومميّزاته، ممّا يستدعي عرضها قبل الدخول في الجواب عن السؤال.

فنقول: الجفر - كما ورد في الروايات - هو كتابٌ أملاه النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) في أواخر حياته المباركة على وصيّه وخليفته أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد جُمعت فيه علوم الأولين والآخرين، واشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا، وما كان وما يكون إلى يوم القيامة، مكتوباً على جلد شاة، فقد ورد عن الصادق (عليه السلام): «إنّي نظرتُ في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم - وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الذي خصّ الله تقدّس اسمه به محمداً والأئمة من بعده (عليه وعليهم السلام) -، وتأمّلتُ فيه مولد قائمنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره...» [كمال الدين ص353].

وكما جاء في حديثٍ طويلٍ رواه الصفّار أنّه أُوحي إلى النبي ﷺ أنْ يذهب إلى أُحد مع عليٍّ عليه السلام، فيذبح جفرةً مخصوصةً، ويُستخرَج من داخلها جلدٌ مدبوغ ومدادٌ غير أرضي. ينزل جبرئيل والروح، ويُملي النبيُّ الوحي على عليٍّ، فيكتب ما سيكون إلى يوم القيامة من الملاحم والأسرار. هذا الكتاب هو أصل علم الجفر، وفيه رموز الغيب محفوظةٌ لا تبلى.[ينظر: بصائر الدرجات ص505].

وقد أشارت بعض الروايات إلى أنواع الجفر:

منها: الجفر الأبيض:

فقد روى الشيخ الكلينيُّ بسنده إلى الحسين بن أبي العلاء قال: «سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ عندي الجفر الأبيض. قال: قلتُ: فأيُّ شيءٍ فيه؟ قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحيف إبراهيم، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أنّ فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجَلْدَة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش» [الكافي ج1 ص240].

ومنها: الجفر الأحمر:

فقد رَوى الشيخ المُفيد وغيره عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «...وأما الجفر الأحمر فوعاءٌ فيه سلاح رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، ولن يظهر حتى يقوم قائمنا أهل البيت...» الإرشاد ج2 ص186].

وأمّا عن حقيقة الجفر وكيفيّته:

فقد روى الكلينيّ بسنده عن أبي بصير، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في حديثٍ طويلٍ أنّه قال: «..وعندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر، قلتُ: وما الجفر؟ فقال (عليه السلام): هو وعاءٌ من أَدَم فيه علم النبيّين والوصيّين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل...»[الكافي ج1 ص239].

تؤكّد النصوص أيضاً أنّ هذه الجفار إنّما هي من مختصّات أئمة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام)، يتوارثونها وينظرون فيها، ولا يطّلع على علومها أحدٌ سواهم، فقد رَوى نُعَيْمٍ الْقَابُوسِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السَّلام أَنَّهُ قَالَ : « إِنَّ ابْنِي عَلِيّاً أَكْبَرُ وُلْدِي وأَبَرُّهُمْ عِنْدِي وأَحَبُّهُمْ إِلَيَّ و هُوَ يَنْظُرُ مَعِي فِي الْجَفْرِ ولَمْ يَنْظُرْ فِيهِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ» [الكافي ج1 ص311].

من خلال ما تقدّم وعرض بعض الروايات يتبيّن أنّ أهل البيت عليهم السلام قد تكلّموا عن الجفر وما يشتمل عليه بوجهٍ إجماليٍّ، حيث نصّت الروايات على أنّه يحتوي على علم ما كان وما يكون، بل يشمل أدقّ الجزئيات حتّى أرش الخدش.

فإن كان مراد السائل عدم معرفتنا حتّى إجمالاً فهو باطلٌ حيث ذكرته الروايات وتحدَّثت عن بعض خصائصه.

وأمّا إن كان المقصود عدم معرفتنا بحقيقته أو تفاصيله فهو كذلك ولا إشكال فيه؛ إذ لو كان إدراك حقيقته وتفاصيله ميسوراً ومذكوراً لعامّة الناس لما بقي اختصاصه بأهل البيت (عليهم السلام).

ومن هنا يتّضح أنّ السؤال المطروح -لو كان هذا مراده- ينطوي على تناقضٍ داخليٍّ؛ إذ من جهة يُسلّم صاحبه بأنّ الجفر من مختصّات الأئمة (عليهم السلام)، ثمّ من جهةٍ أخرى يطالب بكشف تفاصيله لعامة الناس! وهذا الجمع بين الأمرين غير منطقيّ؛ لأنّ اختصاصه بالأئمة يستلزم بالضرورة خفاء حقيقته عن غيرهم.

وأمّا إذا كان المقصود من الإشكال أنّ الجهل بتفاصيل الجفر وجزئياته أو عدم إدراك ماهيته يستلزم إنكاره أو يقدح في أصل وجوده، فهذا أوهن من سابقه؛ لأنّه مبنيٌّ على مغالطةٍ واضحةٍ، هي التمسّك بالجهل؛ فإنّ عدم معرفتنا التفصيليّة بشيءٍ لا يساوي عدم وجوده أو بطلانه، بل غايته أنّه خارجٌ عن نطاق إدراكنا المباشر، وكما أنّ الإنسان قد يجهل تفاصيل عوالم الغيب أو دقائق العلوم الطبيعية ومع ذلك لا ينفي وجودها، فكذلك الأمر في شأن الجفر. فإنّ منطق السائل مبنيٌّ على شرطيَّةٍ باطلةٍ وهي: أنّ وجود الشيء يتوقّف على أن يصرّح به الإمام لعامَّة الناس.