دور الحسين (ع) في تثبيت العقيدة

السؤال: ما هو دور الإمام الحسين (عليه السلام) في تثبيت العقيدة؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى أنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد ولد في أحضان جدِّه المصطفى (صلَّى الله عليه وآله) وأبيه وأمّه (عليهما السلام)، أولئك الذين يُعَدُّون المنابع الأصيلة للمعارف الإلهيَّة في الإسلام.

ومن هنا، فلا غرابة في أنْ يُغني الإمام الحسين (عليه السلام) الساحة العلمية بمختلف العلوم والمعارف الإسلاميَّة. غير أنَّا نقتصر في حديثنا على الجانب العقديّ بالخصوص ـ من قبيل بيان العقائد الحقَّة ودفع الشبهات المثارة حولها وما شاكل من شؤون العقيدة ـ إذْ هو محلُّ السؤال وموضع الحاجة.

1ـ التوحيد وما يتعلَّق به:

من البيِّن أنَّ أهم الأصول الإعتقادية في الإسلام هو أصل التوحيد وما يتعلَّق به من أبحاثٍ عقائديَّةٍ كالبحث عن الصفات الإلهيَّة ونفي التشبيه الذي يعتقد به بعض المنسوبين إلى الإسلام، وقد كان للإمام الحسين (عليه السلام) دورٌ مهمٌ في بيان العقيدة وتثبيتها وإزالة ما يعلق فيها من أفكارٍ منحرفةٍ عن جادِّة الصواب، منها:

ما رواه ابن شعبة الحرانيّ، وفيه: «أيُّها الناس، اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبِّهون الله بأنفسهم، يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب، بل هو الله ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير ... لا كفو له يعادله، ولا ضد له ينازعه، ولا سميَّ له يشابهه، ولا مثل له يشاكله. لا تتداوله الأمور، ولا تجري عليه الأحوال، ولا تنزل عليه الأحداث، ولا يقدر الواصفون كنه عظمته، ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته ... لا يوصف بشيءٍ من صفات المخلوقين، وهو الواحد الصمد، ما تُصوِّر في الأوهام فهو خلافه ... فذلك الله لا سميَّ له، سبحانه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير» [تحف العقول ص244].

وما رواه الصدوق، وفيه: «فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين، فقال له الحسين: يا نافع، إنَّ من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الارتماس، مائلاً عن المنهاج، ظاعناً في الاعوجاج، ضالاً عن السبيل، قائلاً غير الجميل، يا بن الأزرق، أصفُ إلهي بما وصف به نفسه، وأعرِّفه بما عرَّف به نفسه، لا يُدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، فهو قريبٌ غير ملتصق، وبعيدٌ غير متقص، يوحَّد ولا يبعض، معروٌف بالآيات، موصوفٌ بالعلامات، لا إله إلَّا هو الكبير المتعال» [التوحيد ص80].

2ـ العدل وما يتعلَّق به.

من جملة الأصول التي يعتقد بها شيعة أهل البيت (عليهم السلام) هو العدل الإلهيّ وتنزيه الباري تعالى عن الظلم والقبيح، إذْ هو سبحانه غنيٌّ عن العالمين، لا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضرُّه معصية العاصين، وكان لكلمات الإمام الحسين (عليه السلام) حضورٌ في بيان بعض المسائل المتعلِّقة بالعدل الإلهي، نذكر منها:

ما جاء في فقه الرضا (عليه السلام)، وفيه: «كتب الحسن بن أبي الحسن البصريّ إلى الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) يسأله عن القدر؟ فكتب إليه: اتبع ما شرحتُ لك في القدر، ممَّا أفضي إلينا أهل البيت، فإنَّه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر، ومن حمل المعاصي على الله (عزَّ وجلَّ) فقد فجر وافترى على الله افتراءً عظيماً، إنَّ الله تبارك وتعالى لا يُطاع بإكراه، ولا يعصى بغلبة، ولا يهمل العباد في الهلكة، ولكنَّه المالك لما ملَّكهم، والقادر لما عليه أقدرهم، فإنْ ائتمروا بالطاعة لم يكن لهم صاداً عنها مبطئاً، وإنْ ائتمروا بالمعصية، فشاء أنْ يمُنَّ عليهم فيحول بينهم وبين ما ائتمروا به، فإنْ فعل، وإنْ لم يفعل فليس هو حاملهم عليهم قسراً، ولا كلَّفهم جبراً بتمكينه إياهم بعد إعذاره وإنذاره لهم، واحتجاجه عليهم...الحديث» [فقه الرضا ص408].

وما رواه ابن شعبة الحرانيّ عنه (عليه السلام)، وفيه: «ما أخذ الله طاقة أحد إلَّا وضع عنه طاعته، ولا أخذ قدرته إلَّا وضع عنه كلفته» [تحف العقول ص246].

3ـ النبوَّة ما يتعلَّق بها:

وهي من أهم الأصول الاعتقاديَّة ـ بعد التوحيد ـ التي بها قوام الدين الإسلاميّ؛ ولذلك يقرن التشهُّد بها بالتشهُّد لله تعالى بالوحدانيَّة والربوبيَّة، وقد كان لكلمات الإمام الحسين (عليه السلام) دورٌ فيها أيضاً، نذكر منها.

ما روي في تفسير الإمام العسكريّ عن أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وفيه: «وأمَّا ما قاله اليهود، فهو أنَّ اليهود ـ أعداء الله ـ لما قدم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا، فقال: يا محمَّد، كيف نومك، فإنَّا قد أخبرنا عن نوم النبيّ الذي يأتي في آخر الزمان؟ فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): تنام عيني وقلبي يقظان، قال: صدقت يا محمَّد) [تفسير الإمام العسكري ص453].

4ـ الإمامة ما يتعلَّق بها:

وهي من أهم الأصول الاعتقادية ـ بعد التوحيد والنبوَّة ـ التي بها قوام الإيمان الذي يورث الجنان، في حين أنَّ إنكارها وجحودها يفضي إلى النار، وقد كان للإمام الحسين (عليه السلام) إسهامٌ بارزٌ في بيانها بكلماته، نذكر منها:

ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «خرج الحسين بن علي (عليهما السلام) على أصحابه فقال: أيَّها الناس، إنَّ الله (جلَّ ذكره) ما خلق العباد إلَّا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه، فقال له رجلٌ: يا بن رسول الله، بأبي أنت وأمي فما معرفة الله؟ قال: معرفة أهلِّ كلِّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته» [علل الشرائع ج1 ص9].

وكذلك روي عنه (عليه السلام) الكثير في إبطال أمر المتقدِّمين على أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) وبيان زيفهم وضلالهم [يُنظر: الاحتجاج ج2 ص13]، وغيره من المصادر الناقلة لكلماته (عليه السلام) في هذا الشأن.

القضية المهدويَّة:

وأمَّا دوره (عليه السلام) في القضية المهدويَّة فواضحٌ أيضاً، نذكر قسماً منه طلباً للاختصار.

فقد روى الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن الصادق جعفر بن محمَّد، عن أبيه محمَّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: قال الحسين بن علي (عليهما السلام): «في التاسع من ولدي سنةٌ من يوسف، وسنةٌ من موسى بن عمران (عليهما السلام)، وهو قائمنا أهل البيت، يصلح الله (تبارك وتعالى) أمره في ليلةٍ واحدةٍ» [كمال الدين ص316].

وروى (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن عبد الله بن شريك، عن رجلٍ من همدان قال: سمعتُ الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) يقول: «قائم هذه الأمَّة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يقسَّم ميراثه وهو حيٌّ» [كمال الدين ص317].

وروى (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن عبد الرحمن بن سليط قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام): «منَّا اثنا عشر مهدياً، أوَّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كلِّه ولو كره المشركون، له غيبةٌ يرتدُّ فيها أقوامٌ ويثبت فيها على الدين آخرون، فيؤذون ويقال لهم: (متى هذا الوعد إنْ كنم صادقين). أما إنَّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)» [كمال الدين ص317].

5ـ إسهاماته بشكلٍ عامٍ:

وإمَّا إسهامه (عليه السلام) في تثبيت العقائد الحقَّة بشكلٍ عامٍ فظهر جلياً في نهضته المبارك التي لولاها لكان على الإسلام السلام كما عبَّر هو (عليه السلام)؛ وذلك لأنَّ الحكم الأموي أشاع الكثير من العقائد الباطلة والسلوكيَّات المنحرفة، وخصوصاً في عصر الطاغية يزيد بن معاوية الذي كان يعلن ذلك أمام الملأ من دون خوفٍ أو خجل، خلافاً لسيرة أبيه الذي كان يتستَّر ـ نوعاً ما ـ أمام الناس.

ومن هنا قيل: (إنَّ الدين محمديُّ الوجود حسينيُّ البقاء)؛ وذلك لعظم الدور الذي قام به (عليه السلام) في تثبت الدين والعقيدة، كما هو واضح.

والنتيجة النهائية من كلِّ ذلك، أنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) كانت له جملةٌ من الإسهامات في تثبيت العقيدة الحقَّة، فضلاً عن نهضته المباركة التي أحيت الأمَّة بأكملها، وذلك بعد موتها على يد الحكم الأموي الخبيث.. والحمد لله ربِّ العالمين.