مَعنى: ما خلقتُ سماءًا مبنيَّةً ولا أرضاً مدحيَّةً ... إلا لأجلكم.
سجّاد الباسِمي: السَّلامُ عليكم.. ما مَعنى الواردِ في حديثِ الكساءِ ما خلقتُ سماءًا مبنيةً ولا ارضاً مدحيةً وووو.... الا لأجلِكم؟
الأخُ سَجّادٌ المُحترمُ، السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.
بغضِّ النَّظرِ عنْ تَماميِّةِ سَنَدِ هذا الحَديثِ ، وقد تَطرَّقنْا في مُناسبَةٍ سابقةٍ إلى سَندهِ وقُلنا بِعدمِ تَماميَّتِهِ ، إلاّ أنّهُ منْ حيثُ المَضمونُ صَحيحٌ في فقراتِهِ ، ومِنها الفَقرةُ الّتي تَسألونَ عنها ، فقد ثَبتَ في القُرآنِ الكريمِ أنَّ السّماواتِ والأرضَ والشَّمسَ والقمَرَ والبِحارَ وغيرَها كُلُّها مُسَخَّرَةٌ لأجلِ الإنسانِ ، قالَ تَعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ) الجاثيةُ : 13، وقالَ تَعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ) النحلُ : 12، وقالَ تَعالى : ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ) النحلُ : 14، فإذا وَرَدَ في بعضِ الأحاديثِ أو الرِّواياتِ أنَّ اللهَ سُبحانَهُ ما خَلَقَ الأرضَ والسَّماواتِ والشَّمسَ والقَمَرَ والبِحارَ إلّا لأجلِ أهلِ البيتِ ( عليهِمُ السَّلامُ ) فهوَ معنى صحيح ؛ لا يتنافى مع القرآن الكريم ، بل يتلائم معه تمام الإلتئام ، فهذا الوجود قد خلقه الله سبحانه وتعالى - بِمقتَضى الآياتِ المُتقدّمَةِ - مِنْ أجلِ الإنسانِ ، وهذا الإنسانُ قَدْ خُلِقَ مِنْ أجلِ عبادتِهِ سُبحانَهُ ، قالَ تَعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذارياتُ : 56، والعِبادَةُ لا تتمُّ إلاّ عنْ طريقِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، قالَ تَعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) الأنعامُ : 153 ، وثبتَ عنهُ ( صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ ) أنَّهُ قالَ : { إنّي تارِكٌ فيكُم خَليفَتَينِ : كتابَ اللهِ ، حَبلٌ مَمدودٌ ما بَينَ الأرضِ والسَّماءِ،وعِترَتي أهلَ بَبتي ، وأنَّهما لنْ يتَفَرَّقا حتّى يَرِدا عليَّ الحوضَ }[ صَحيحُ الجامِعِ الصَّغيرِ للألباني 1: 482، مسنَدُ أحمدِ بنِ حنبَلَ ، بِرَقمِ : 21654، تَصحيحُ شُعَيبٍ الأرنَؤوط].
فَيَكُونُ مُقْتَضَى هَذَا التَّرَابُطِ بَيْنَ خَلْقِ هَذَا الْوُجُودِ وَمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد( عَلَيْهُمِ السَّلامُ) هُوَ التَّرَابُطُ الْعِلِّيُّ ؛ أي أَنَّهُمْ عِلَّةُ الْخَلْقِ وَسَبَبُهُ، وَلَولّاهُمْ لَمْ يَخْلَقِ اللهُ هَذَا الْخَلْقَ وَلَا أَوجَدَهُ، وَهُوَ مَا أَثْبَتَتْهُ مَروِيّاتُ أهْلِ السُّنَةِ بِخصوصِ النَّبِيّ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ)، فَقَدْ رَوَى الْخلَاّلُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ 1: 261، قَالَ:( ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِصْمَةَ قَالَ ثَنَا جَنْدَلُ قَال ثَنَا عُمْرُو بْنُ أُوسٍ الْأَنْصَارِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرُوبَةٍ عَنْ قَتَادَةٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ فِيمَا أَوْحَى أَنْ صَدِّقْ مُحَمَّدَاً وَأَمُرْ أُمَّتَكَ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْهُمْ أَنْ يُؤمِنُوا بِهِ فَلَوْلَا مُحَمَّدٍ مَا خَلَقْتُ آدَمَ وَلَوْلَا مُحَمَّدٍ مَا خَلَقْتُ النَّارَ، وَلَقَد خَلَقتُ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ فَاضْطَرَبَ فَكَتَبْتُ لَا إلهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ فَسَكَنَ
قَالَ أَبُو بِكْرٍ: فَأَلْقَيْتُهُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشرِ بْنِ شَرِيكٍ فَأَقَرَّ بِهِ وَقَالَ هُوَ عِندي عَنْ جَنْدَلِ بْنِ وَاِلْق).
اِنْتَهَى
وَجَاءَ عَنِ اِبْنِ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيِّ:( وَمِمَّا صَحَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْضًا عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) قَالَ:...
فَلَوْلَا مُحَمَّدٍ مَا خَلَقتُ آدَمَ وَلَوْلَا مُحَمَّدٍ مَا خَلَقتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَقد خَلَقتُ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ فَاضْطَرَبَ فَكَتَبْتُ عَلَيهِ لَا إلهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ فَسَكَن).
[الْفَتَاوَى الْحَديثِيَّةُ، ص 455]
وَجَاءَ عَنِ الْفَخْرِ الرَّازِيّ فِي ذَيْلِ تَفْسِيرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمَاً فَآوَى ﴾ الضُّحَى: 6، فَيَقُولُ اللهُ: حِينَ كُنْتَ صَبِيًّا ضَعِيفَا مَا تَرَكْنَاكَ، بَلْ رَبَّيْنَاكَ وَرَقَّينَاكَ إِلَى حِينِ صِرْتَ مُشْرِفاً عَلَى شُرُفَاتِ الْعَرْشِ، وَقُلْنَا لَكَ: لَولاكَ مَا خَلَقنا الْأَفْلَاكَ، أَتَظُنُّ أَنَّا بَعْدَ هَذِهِ الْحَالَةِ نَهْجُرُكَ ونَتركُكَ.
[ مُفَاتِحُ الْغَيْبِ 31: 196].
وَجَاءَ عَنِ اِبْنِ تِيمِيَّة فِي مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى 11: 96، قَولُهُ:( وَقَدْ ظَهَرَ فَضْلُ نَبِيِّنَا عَلَى الْمَلَاَئِكَةِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ لَمَّا صَارَ بِمُسْتَوىً يَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ وَعَلَا عَلَى مَقَامَاتِ الْمَلَاَئِكَةِ وَاللهُ تَعَالَى أَظْهَرَ مِنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَعَجِيبِ حِكْمَتِهِ مِنْ صَالِحِي الْآدَمِيِّينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ مَا لَمْ يُظهِرْ مِثْلَهُ مِنَ الْمَلَاَئِكَةِ حَيْثُ جَمْعَ فِيهِمْ مَا تَفَرَّقَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ فَخَلْقَ بَدَنَهُ مِنَ الْأرْضِ وَروحَهُ مِنَ الْمَلأِ الْأعْلَى وَلِهَذَا يُقَالُ هُوَ الْعَالِمُ الصَّغِيرُ وَهُوَ نُسْخَةُ الْعَالَمِ الْكَبِيرِ
وَمُحَمَّدٌ سَيِّدُ وُلدِ آدَمَ وَأفضَلُ الْخَلْقِ وَأكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ وَمِنْ هُنَا قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللهَ خَلْقَ مِنْ أَجَلِهِ الْعَالَمَ أَوِ اِنَّهُ لَوْلَاهُ لَمَّا خَلَقَ عَرْشَاً وَلَا كُرْسِيَّاً وَلَا سَمَاءًا وَلَا أرضاً وَلَا شَمْسَاً وَلَا قَمَرَاً...
ويُمكنُ أنْ يُفَسَّرَ بِوجهٍ صَحيحٍ كقولهِ: (سَخَّرَ لكُم ما في السَّماواتِ وما في الأرضِ)، وقولِهِ : (وسَخَّرَ لكُمُ الفُلْكَ لِتَجرِيَ في البَحرِ بأمرِهِ وسَخَّرَ لكُمُ الأنهارَ وسَخَّرَ لكُمُ الشَّمسَ والقَمَرَ دائِبَينِ وسَخَّرَ لكُمُ اللَّيلَ والنَّهارَ وآتاكُم مِنْ كُلِّ ما سَألتموهُ وإنْ تَعُدّوا نِعمَةَ اللهِ لا تُحصوها)، وأمثالُ ذلكَ مِنَ الآياتِ الَّتي يُبَيِّنُ فيها أنّهُ خَلَقَ المخلوقاتِ لبَني آدمَ ومَعلومٌ أنَّ للهِ فيها حِكَماً عَظيمةً غيرَ ذلكَ وأعظمَ مِنْ ذلكَ ولكِنْ يُبَيِّنُ لِبَني آدمَ ما فيها مِنَ المَنفعةِ وما أسبغَ عَليهِم...
فإذا كانَ الإنسانُ هوَ خاتمَ المخلوقاتِ وآخِرَها وهوَ الجامِعَ لِما فيها وفاضِلَهُ هوَ فاضِلُ المَخلوقاتِ مُطلَقاً ومُحَمَّدٌ إنسانُ هذا العَينِ وقُطبُ هذهِ الرَّحى وأقسامُ هذا الجَمعِ كانَ كأنَّها غايَةُ الغاياتِ في المَخلوقاتِ فَما يُنكرُ أنْ يُقالَ أنّهُ لأجلهِ خُلِقَتْ جَميعُها وأنّهُ لَولاهُ لَما خُلِقَتْ، فإذاً فُسِّرَ هذا الكلامُ ونحوُهُ بِما يدُلُّ عليهِ الكتابُ والسُّنَّةُ قبلَ ذلكَ ) . إنتَهى
ومِنْ مَرويّاتِنا ، ماجاءَ في " بحارِ الأنوارِ " : ( فلولاكُم ما خلقْتُ الدُّنيا والآخرةَ وَلا الجَنَّة ولا النّار ) [ بحارُ الأنوارِ 36 : 302] .
وَفي " الكافي " للكُلينيّ بإسنادهِ عَنْ جابرِ بنِ زيدٍ قالَ : قالَ لي أبو جعفرٍ علَيهِ السّلامُ :
( انّ اللهَ أوّلَ ما خلقَ خلقَ مُحمّداً وعِترتَهُ الهداةَ المُهتدينَ ، فَكانوا أشباحَ نورٍ بينَ يَدَي اللهِ ، قلتُ : وما الأشباحُ ؟ قالَ : ظِلُّ النّورِ ، أبدانٌ نورانيّةٌ بِلا أرواحٍ ، وكانَ مؤيّداً بنورٍ واحدٍ وهيَ روحُ القُدُسِ ) . انتَهَى
ودُمتُم سَالمينَ.
اترك تعليق