زيارةُ الأربعين
642 - السّلامُ عليكم هل صحيحٌ أنَّ زينبَ عليها السّلام لم تذهَب إلى كربلاء؟ بل ذهبَت إلى المدينةِ مُباشرةً؟ الشَّيخُ المُفِيد وَالطّوسِيّ وَالكَفعَمِيّ قَالُوا: [إنّ حَرَمَ أبِي عَبدِ اللهِ الحُسَين (عَلَيهِم السَّلام) رَجَعُوا مِن الشَّام إلَى المَدِينَة]}!![مُنتَهَى الآمَال(621)]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
( 1 )
وعليكم السّلامُ ورحمةُ الله،
المشهورُ بينَ الشيعةِ أنّ موكبَ السبايا مرّوا بكربلاءَ أثناءَ رجوعِهم منَ الشامِ إلى المدينة، ووصلوا في يومِ العشرينَ مِن صفر، وهيَ زيارةُ الأربعين، والتقوا بجابرٍ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاري فيها، والمشهورُ أنّ الإمامَ زينَ العابدين (ع) ردّ رأسَ الإمامِ الحُسين (ع) لبدنهِ الشريفِ في الأربعينِ أيضاً.
قالَ أبو الرّيحانِ البيروني (ت 440 هـ): وفي العشرين (يعني مِن صفر) رُدّ رأسُ الحسينِ إلى مجثمِه (جثّتِه خ ل) حتّى دُفنَ معَ جُثّتِه، وفيهِ زيارةُ الأربعين، وهُم حرمُه بعدَ انصرافِهم من الشام. (الآثارُ الباقيةُ منَ القرونِ الخالية لأبي الريحانِ البيروني، ص422).
وقالَ ابنُ نما الحلّي ( ت 645 هـ): ولمّا مرَّ عيالُ الحُسينِ (ع) بكربلاءَ وجدوا جابراً بنَ عبدِ اللهِ الأنصاري رحمةُ اللهِ عليه وجماعةً مِن بني هاشمٍ قدموا لزيارتِه في وقتٍ واحدٍ فتلاقوا بالحُزنِ والاكتئابِ والنوحِ على هذا المُصابِ المُقرّحِ لأكبادِ الأحباب. (مثيرُ الأحزانِ لابنِ نما، ص86).
وقالَ السيّدُ ابنُ طاووس (ت 664 هـ): قالَ الرّاوي: لمّا رجعَت نساءُ الحُسينِ عليهِ السّلام وعيالهُ منَ الشامِ وبلغوا العراق، قالوا للدّليل: مُرَّ بنا على طريقِ كربلاء، فوصلوا إلى موضعِ المصرع، فوجدوا جابراً بنَ عبدِ اللهِ الأنصاري (ره) وجماعةً مِن بني هاشم، ورجالاً مِن آلِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلم) قد وردوا لزيارةِ قبرِ الحُسين (عليه السلام) فوافوا في وقتٍ واحدٍ وتلاقوا بالبكاءِ والحُزنِ واللطم، وأقاموا المآتمَ المُقرّحةَ للأكباد، واجتمعَ إليهم نساءُ ذلكَ السّواد، فأقاموا على ذلكَ أيّاماً. (اللهوفُ لابنِ طاووس، ص114).
ونقلَ السيّدُ مُحسنٌ الأمين عن بعضِ نُسخِ بشارةِ المُصطفى تتمّةً لخبرِ زيارةِ جابرٍ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاري في يومِ الأربعين، قالَ: كتابُ بشارةِ المُصطفى وغيرُه بسندِه عن الأعمشِ عَن عطيّةَ العوفي قالَ خرجتُ معَ جابرٍ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاري رضيَ اللهُ عنه زائراً قبرَ الحُسينِ عليهِ السلام فلمّا وردنا كربلاءَ دنا جابرٌ مِن شاطئِ الفراتِ فاغتسلَ ثمَّ اتّزرَ بإزارٍ وارتدى بآخر ... قالَ عطيّة : فبينما نحنُ كذلكَ وإذا بسوادٍ قد طلعَ مِن ناحيةِ الشام، فقلتُ يا جابر هذا سوادٌ قد طلعَ مِن ناحيةِ الشام، فقالَ جابرٌ لعبدِه انطلِق إلى هذا السّوادِ وائتِنا بخبرِه فإن كانوا مِن أصحابِ عُمرَ بنِ سعد فارجِع إلينا لعلّنا نلجأ إلى ملجأ وإن كانَ زينُ العابدينَ فأنتَ حرٌّ لوجهِ اللهِ تعالى . قالَ فمضى العبدُ فما كانَ بأسرعِ مِن أن رجعَ وهوَ يقول: يا جابرُ قُم واستقبِل حرمَ رسولِ اللهِ هذا زينُ العابدينَ قد جاءَ بعمّاتِه وأخواتِه ، فقامَ جابرٌ يمشي حافي الأقدامِ مكشوفُ الرّأسِ إلى أن دنا مِن زينِ العابدينَ عليهِ السّلام فقالَ الإمام: أنتَ جابرٌ؟ فقالَ: نعَم يا ابن رسولِ الله فقال: يا جابرُ ههُنا واللهِ قُتلَت رجالُنا وذُبحَت أطفالنا وسُبيَت نساؤنا وحُرقَت خيامُنا اهـ . (أعيانُ الشيعةِ: 4 / 47، لواعجُ الأشجان، ص241).
وقالَ الشيخُ الصدّوق: حدّثني بذلكَ محمّدٌ بنُ علي ماجيلويه (رحمَه الله) ، عن عمّه محمّدٍ بنِ أبي القاسم ، عَن محمّدٍ بنِ عليٍّ الكوفي ، عن نصرٍ بنِ مزاحم ، عن لوط بنِ يحيى ، عن الحارثِ بنِ كعب ، عن فاطمةَ بنتِ عليٍّ (صلواتُ اللهِ عليهما) : ثمَّ إنَّ يزيد (لعنَه الله) أمرَ بنساءِ الحُسينِ (عليه السّلام) فحُبسنَ معَ عليٍّ بنِ الحُسين (عليهما السّلام) في محبسٍ لا يكنُّهم مِن حرٍّ ولا قر حتّى تقشّرَت وجوهُهم، ولم يُرفَع ببيتِ المقدسِ حجرٌ عن وجهِ الأرضِ إلّا وُجدَ تحته دمٌ عبيط، وأبصرَ الناسُ الشمسَ على الحيطانِ حمراءَ كأنّها الملاحفُ المُعصفرة، إلى أن خرجَ عليٌّ بنُ الحُسين (عليهما السلام) بالنسوةِ، وردَّ رأسُ الحُسينِ (عليه السّلام) إلى كربلاء. (الأمالي للصّدوق، ص231).
ونقل العلّامةُ المجلسيّ أنّهُ المشهورُ وذلكَ عندَ ذكرِ الأقوالِ في علّةِ استحبابِ زيارةِ الحُسينِ (ع) يومَ الأربعين: والمشهورُ بينَ الأصحابِ أن العلّةَ في ذلكَ رجوعُ حرمِ الحُسينِ صلواتُ اللهِ عليه في مثلِ ذلكَ اليوم إلى كربلاء عند رجوعِهم منَ الشام، وإلحاقُ عليٍّ بنِ الحُسين صلواتُ اللهِ عليه الرّؤوسَ بالأجساد. (بحارُ الأنوار: 93 / 334).
ثمَّ ذكرَ أقوالاً أخرى.
وقالَ القزويني ( ت 682 هـ): صفر: ... اليومُ الأوّلُ منهُ عيدُ بني أميّةَ أدخلَت فيهِ رأسَ الحُسينِ بدمشق، والعشرونَ منه ردَّت رأس الحُسين رضيَ اللهُ عنهُ إلى جُثّته. (عجائبُ المخلوقاتِ وغرائبُ الموجودات للقرزويني، ص٦٨).
وقالَ النويريّ (ت 733 هـ) عندَ ذكرِ الأقوالِ في مدفنِ الرّأسِ الشريف: وأمّا مَن قال: إنّهُ أعيدَ إلى الجسدِ ودُفنَ معه، فمنهم مَن يقول: إنَّ يزيد أعادَه بعدَ أربعينَ يوماً. (نهايةُ الإربِ في فنونِ العرب للنويري: 20 / 477).
وقالَ ابنُ حجرٍ الهيتمي (ت 973 هـ): وقيلَ أعيدَ إلى الجثّةِ بكربلاءَ بعدَ أربعينَ يوماً مِن قتله. (الصّواعقُ المُحرقة، ص199).
وغيرُها منَ النصوصِ الكثيرة.
وهذه النصوصُ كافيةٌ لإثباتِ هذه القضيّةِ التاريخيّة.
( 2 )
ذهبَ بعضُ العلماءِ أمثالُ السيّدِ ابنِ طاووس والعلّامةِ المجلسي، إلى استبعادِ وصولِ موكبِ السبايا في العشرينَ مِن صفر بادّعاءِ أنّ الزمانَ لا يسعُ لذلك، بل كانَ ذلكَ في السنةِ اللاحقةِ وليسَ في نفسِ السنة، أو كانَ في يومٍ آخر بعدَ العشرين مِن صفر.
وقد بيّنا إمكانَ ذلكَ في منشورٍ سابق.
( 3 )
وما نُقلَ عن الشيخِ المُفيدِ والطوسي والكفعمي، مِن عدمِ ذكرِهم وصولَ موكبِ السّبايا إلى كربلاء في يومِ العشرينَ مِن صفر، فهؤلاءِ لم يُنكروا أصلَ زيارةِ موكبِ السبايا لقبرِ أبي عبدِ اللهِ الحُسين (ع) عندَ رجوعِهم منَ الشامِ إلى المدينة، فهُم ساكتوَن عنه، والسّكوتُ غيرُ الإنكار، ولعلّه لم يصِلهم خبرٌ مُسندٌ عن مشايخِهم يعوّلونَ عليه، هذا معَ أنّ الشيخَ المُفيدَ بنى كتابَه على الاختصار.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق