هل يعدُّ الشاعرُ الكُميتُ بنُ زيدٍ الأسديّ مِن شعراءِ السياسة؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،
في بادئِ الأمر، لا بُدّ أن نعرفَ ما المرادُ بالشعرِ السياسيّ، ومِن ثَـمَّ سنعرفُ أنّ إطلاقَ هذا الوصفِ على هذا الشاعرِ صحيحٌ أو لا. فنقولُ: الشعرُ السياسيّ هوَ الكلامُ الموزونُ الذي يكونُ الحُكمُ والخلافةُ وشؤونُ الرعيّةِ موضوعًا له. فإذا تبيّنَ ذلكَ، فيصحُّ أن نُطلقَ على الشاعرِ الكُميتِ أنّه مِن شعراءِ السياسة ، لأنّ ذلكَ واضحٌ في شعرِه وقصائدِه خصوصاً قصيدتَه التي تُسمّى بالهاشميّاتِ، إذ إنّه وظّفَ شعرَه وقصائدَه نُصرةً لأهلِ البيتِ عليهم السلام، كما كانَ يصنعُ بعضُ شُعراءِ بني أميّةَ كجريرٍ والأخطلِ وغيرِهما معَ حُكّامِ بني أميّةَ.
ثُمَّ إنّه كانَ مُتميّزاً بشعرِه على جميعِ الشعراءِ، فقد سُئلَ معاذُ الهرّاء: مَن أشعرُ الناس؟ قالَ: أمِنَ الجاهليّينَ أم مِن الإسلاميّين؟ قالوا: بل منَ الجاهليّين. قالَ: امرؤ القيس، وزهيرٌ، وعبيدٌ بنُ الأبرص. قالوا: فمِنَ الإسلاميّين؟ قالَ: الفرزدقُ، وجريرٌ، والأخطلُ، والرّاعي. فقيلَ له: يا أبا محمّد، ما رأيناكَ ذكرتَ الكُميتَ فيمَن ذكرت. قالَ: ذاكَ أشعرُ الأوّلينَ والآخرين. [الأغانيّ للأصفهانيّ ج17/ص26].
وقالَ السيّدُ محسنٌ الأمين العامليّ في كتابِه أعيانُ الشيعة (ج9/ص36): الحقيقةُ التي لا مراءَ فيها ولا جدالَ أنّ شعرَ الكُميتِ شيءٌ جديدٌ على شعرِنا العربي، فهوَ يدلُّ على الخطواتِ العقليّةِ التي خطاها العربُ والاحتجاجُ في الشعر، ذلكَ الطابعُ الجديدُ في شعرِنا العربي في دولةِ بني أميّة اشتهرَ به الكُميت، وهوَ أوّلُ شاعرٍ رصدَ أكثرَ شعرِه لخدمةِ فكرةٍ عقائديّةٍ مُعيّنةٍ في العهدِ الأموي.
فهوَ- إذن – معروفٌ بقصائدِه الهاشميّاتِ في مدحِ أهلِ البيتِ عليهم السلام، وممَّن ذاعَ صيتُهم في البلادِ، وعرّضَ نفسَه للمخاطرِ، فلذلكَ استأذنَ الإمامَ الباقرَ عليهِ السلام في مدحِ بني أميّة صوناً لنفسِه ودمِه، فيقولُ صاحبُ كتابِ الأغاني في ذلكَ نقلاً عن وردٍ بنِ زيدٍ أخي الكُميت قالَ: أرسلني الكُميتُ إلى أبي جعفرٍ عليهِ السلام ، فقلتُ له: إنّ الكميتَ أرسلني إليك، وقد صنعَ بنفسِه ما صنع، فـهل تأذنُ له أن يمدحَ بني أميّة؟ قالَ: نعم، هو في حلٍّ فليقل ما شاء. فنظمَ قصيدتَه الرائيّةَ التي يقولُ فيها:
فالآنَ صرتُ إلى أميّة والأمورُ إلى المصاير. [الغديرُ للأمينيّ ج2/ص200].
اترك تعليق