لماذا تحدي النبي (ص) عن طريق الكلام
الجواب :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لقد مثّلَتِ المعاجزُ التي أجراها اللهُ على أيدي أنبيائِه تحدّياً لكلِّ مَن يعترضُ أو يتمرّدُ على دعواهم، فإنكارُ رسالةِ النبيّ في واقعِ الأمرِ هوَ إنكارٌ لوجودِ صلةٍ بينَ الرسولِ وبينَ اللهِ تعالى، وبالتالي حِكمةُ المُعجزةِ وفلسفتُها هيَ قطعُ الطريقِ أمامَ كلِّ مَن يُشكّكُ في صلةِ النبيّ باللهِ تعالى، فعندَما يأتي النبيُّ بما هوَ مُخالفٌ للسّننِ الطبيعيّةِ أو بما يعجزُ الآخرونَ عن الإتيانِ بمثلِه فإنَّ ذلكَ يدلُّ على تأييدِ اللهِ ورضاهُ عنه، ومِن هُنا عندَما نتحدّثُ عن إعجازِ القرآنِ إنّما نتحدّثُ عن استحالةِ الإتيانِ بمثلِه حتّى لو اجتمعَ الإنسُ والجنُّ لذلكَ الغرض، وقد نصَّ القرآنُ نفسُه على ذلكَ بوضوحٍ في قولِه تعالى: (أَم يَقُولُونَ افتَرَاهُ قُل فَأتُوا بِسُورَةٍ مِثلِهِ وَادعُوا مَنِ استَطَعتُم مِن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ) . وقالَ: (أَم يَقُولُونَ افتَرَاهُ قُل فَأتُوا بِعَشرِ سُوَرٍ مِثلِهِ مُفتَرَيَاتٍ وَادعُوا مَنِ استَطَعتُم مِن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ). وقالَ: (قل لَئِن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون) وغيرُها منَ الآياتِ التي تثبتُ وقوعَ التحدّي كما أثبتَ التاريخُ عجزَهم عن معارضةِ القرآنِ والإتيانِ بمثلِه.
فمعَ أنَّ إعجازَ القرآنِ له وجوهٌ كثيرةٌ، وكلُّ واحدةٍ مِنها تمثّلُ وجهاً مقبولاً، مثلَ الإعجازِ العِلمي، والإعجازِ الغيبيّ كإخبارِه بما كانَ في الأممِ السابقةِ أو ما سيكونُ في قادمِ الأيّامِ مِن نبوّات، مُضافاً للإعجازِ المُتمثّلِ في فصاحةِ الكلماتِ وبلاغةِ النظمِ ووحدةِ الموضوعِ وتكاملِ المعاني في لوحةٍ مُتجانسةٍ تُمثّلُ روعةَ الخطابِ وجمالَ الأسلوب، إلّا أنّه حتّى لو لَم نقِف على وجهِ إعجازِه فإنَّ الأمرَ الذي يهمُّنا هوَ عجزُ البشريّةِ بأن تأتي بمثلِه.
وعليهِ فإنَّ النبيَّ لم يتحدّاهم بمُجرّدِ الكلام، وإنّما تحدّاهُم بالقرآنِ الذي عجِزوا عن مُعارضتِه، فمعَ أنّه استخدمَ نفسَ الكلماتِ ونفسَ التراكيبِ والجُمل إلّا أنّه أتى بكتابٍ لا يمكنُ مُجاراتُه، ولم يقِف التحدّي عندَ هذا الأمرِ وإنّما تحدّاهم أيضاً بأن يجدوا في القرآنِ أيَّ تناقضٍ أو اختلاف، قالَ تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ ۚ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلَافًا كَثِيرًا)، وهذا التحدّي ما زالَ ماضياً أمامَ كلِّ العلماءِ والأدباء والفُصحاء، والذي ينكرُ إعجازَ القرآنِ ليسَ أمامَه إلّا الإتيانُ بمثلِه.
وبالتالي يكونُ القرآنُ بإعجازِه دليلَ صدقٍ على نبوّةِ النبيّ محمّدٍ (ص) بوصفِه كتاباً إلهيّاً يُمثّلُ رسالةَ اللهِ لعبادِه، فإثباتُ كونِ القرآنِ منَ الله كاشفٌ على أنَّ الذي جاءَ به هوَ رسولٌ منه، ومِن هُنا يصبحُ إثباتُ نسبةِ القرآنِ إلى اللهِ قضيّةً محوريّةً وبخاصّةٍ أمامَ مَن يدّعي أنَّ القرآنَ هوَ فعلُ البشر، فكانَ التحدّي بالإتيانِ بمثلِه يقطعُ الريبةَ ويزيلُ الشكوكَ، فبعجزِهم عن ذلكَ تتمُّ النسبةُ ويتحقّقُ المَطلوب.
والفرقُ بينَ القرآنِ كمُعجزةٍ لرسولِ الله وبينَ معاجزِ الأنبياءِ السابقينَ هوَ أنّه غيرُ محكومٍ بوقتٍ مُحدّدٍ ولا مرتبطٍ بظرفٍ مُعيّن، إنّما هوَ معجزةٌ صالحةٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ وباقيةٌ ببقاءِ الإنسانِ إلى أن تقومَ الساعة.
اترك تعليق