شبهة: أن الله اذا قضى ان لا نعبد الا اياه فلماذا ترك عبادته كثيرا من الناس.

القرآن يخبرنا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا. وكذلك يخبرنا القرآن أن الله إذا قضى أمراً يقول له كن فيكون. فما دام الله قد قضى ألا نعبد إلا إياه، لماذا ظل أكثر من نصف سكان العالم لا يعبدونه؟ قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [الإسراء، الآية 23]. للجواب عن ذلك لا بدّ من ذكر مقدمتين مهمتين:

: اللجنة العلمية

رد الشبهة:

 

الأولى: قرآنياً:

 

الأول: قال عبد الرحمن النيسابوري في كتابه وجوه القرآن: القضاء على خمسة عشر وجهاً([1]):

1ـ الكناية: كقوله تعالى: ((إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) (البقرة / 117) (آل عمران / 47). 

2ـ الفراغ: كقوله تعالى: ((فإذا قضيتم مناسككم)) (البقرة / 200)، وقوله تعالى: ((فإذا قضيت الصلاة)) (الجمعة / 10)، وقوله: ((فإذا قضيتم الصلاة)) (النساء / 103). 

3ـ الإتمام: كقوله: ((ثم قضى أجلاً)) (الأنعام / 2)، وقوله: ((ليقضى أجلٌ مسمى)) (الأنعام / 60)، وقوله: ((فمنهم من قضى نحبه)) (الأحزاب / 23). 

4ـ الفصل: كقوله: ((لقضي الأمر بيني وبينكم)) (الأنعام / 58). 

5ـ المضي: كقوله: ((ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً)) (الأنفال / 42 و 44). 

6ـ الهلاك: كقوله ((لقضي إليهم أجلهم)) (يونس / 11). 

7ـ الوجوب: كقوله: ((لما قضي الأمر)) (إبراهيم / 22). 

8ـ بداء: كقوله: ((إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها)) (يوسف / 68). 

9ـ الإخبار: كقوله: ((وقضينا إليه ذلك الأمر)) (الحجر / 66). 

10ـ الوصية: كقوله: ((وقضى ربك ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين إحساناً)) (الإسراء / 23). 

11ـ الموت: كقوله: ((فوكزه موسى فقضى عليه)) (القصص / 15). 

12ـ النزول: كقوله: ((فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض)) (سبأ / 14). 

13ـ الخلق: كقوله: ((فقضاهن سبع سموات في يومين)) (فصلت / 12). 

14ـ العهد: كقوله: ((إذ قضينا إلى موسى الأمر)) (القصص / 44). 

15ـ  الفعل: كقوله: ((كلا لما يقض ما أمره)) (عبس / 23). 

الثاني: وكذلك الحال في كتاب المفردات للراغب الإصفهاني مادة (قضى) فليراجع، مع عدم غض النظر عن كل كتب الوجوه والنظائر القرآنية. 

الثانية: في الحديث: 

سُئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن وجوه الألفاظ في القرآن، فسألوه صلوات الله عليه عن المتشابه في القضاء ، فقال : هو عشرة أوجه مختلفة المعنى فمنه: قضاء فراغ، وقضاء عهد ، ومنه قضاء إعلام، ومنه قضاء فعل ، ومنه قضاء إيجاب، ومنه قضاء كتاب، ومنه قضاء إتمام ، ومنه قضاء حكم وفصل، ومنه قضاء خلق ، ومنه قضاء نزول الموت([2]) .

يتبين من ذلك أن كل مفردة قرآنية تخضع لعدة أمور منها: 

1ـ مقتضى الحال: 

2ـ نوع الخطاب: 

3ـ نوع المخاطب: 

4ـ السياق: 

5ـ القرائن المتصلة والمنفصلة: 

6ـ القرائن الداخلية والخارجية: 

7ـ سبب النزول: 

8ـ شأن النزول: 

9ـ خصائص النزول: 

10ـ الإحكام والتشابه القرآني: 

أما تفسير الآية (23) من سورة الإسراء فالمراد بـ(قضى) أي: وصى، والدلي على ذلك آيات قرآنية أخرى، أي قرينة داخلية، وهي: 

1ـ قال تعالى: Pوَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَO سورة العنكبوت، الآية (8). 

2ـ قال تعالى: Pوَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُO سورة لقمان، الآية (14). 

3ـ قال تعالى: Pوَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَO سورة الأحقاف، الآية (15).

______________________________________________________________________

  

 

([1]) وجوه القرآن، عبد الرحمن النيسابوري، ص 464 ـ 466. 

([2]) رسالة المحكم والمتشابه، السيد المرتضى ، ص 78 ـ 81 .