عائشةُ ما هيَ قصّةُ زواجِها وكيفَ تعرّفَ عليها النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله؟

"""السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عائشة كيف ولماذا زوجة لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ما هي قصة زواجهما وكيف تعرف عليها النبي"""

«الجوابُ»:

بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

قبلَ البدءِ بالكلام عن سببِ زواجِ عائشةَ بنتِ أبي بكرٍ لابدَّ مِن ذكرِ طُرقِ تزويجِ نساءِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وهيَ على ثلاثِ كيفيّاتٍ نذكرُها:

▪️ بعضُهنَّ حرائرُ وهبنَ أنفسهنَّ للنبيّ –صلّى اللهُ عليهِ وآله- لنيلِ شرفِ خدمتِه إذ يقولُ اللهُ في الآية 50 مِن سورةِ الأحزاب " وَامرَأَةً مُّؤمِنَةً إِن وَهَبَت نَفسَهَا لِلنَّبِيِّ" 

▪️ وبعضُهنَّ نكحَها النبيُّ ومهرُها أجرُها إذ يقولُ تعالى في الآيةِ 50 مِن سورةِ الأحزاب " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحلَلنَا لَكَ أَزوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيتَ أُجُورَهُنَّ " 

▪️ وبعضُهنَّ مُلكُ اليمين إذ يقولُ اللهُ تعالى في سورةِ النور "وَليَستَعفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبتَغُونَ الكِتَابَ مِمَّا مَلَكَت أَيمَانُكُم"

وعائشةُ بنتُ أبي بكرٍ منَ القسمِ الثاني فقد رُغّبَ بها النبيُّ فقبِلَ التزويجَ مِنها ولا يخفى أنّهُ الكريمُ الذي ما قالَ لا قطُّ إلّا في تشهّدِه ولم يأتِ نهيٌ إلهيٌّ فيهِ فقبل.

وأمّا الحكمةُ مِن هذا التزويجِ فقد ذكرَ العامّةُ أنَّ النبيَّ –صلّى اللهُ عليهِ وآله- بعدَ وفاةِ السيِّدةِ خديجة حزنَ عليها حُزناً شديداً، فجاءَت خولةُ بنتُ حكيم وخيَّرَت النبيَّ –صلّى اللهُ عليهِ وآله- بالزّواجِ مِن امرأةٍ بكرٍ أم ثيّبٍ، وأخبرَته أنَّ الثيّبَ هيَ سودةُ بنتُ زمعة والبِكرَ هيَ عائشةُ بنتُ أبي بكر فرضيَ بها وذهبَت خولةُ إلى بيتِ أبي بكرٍ فأخبرَهَا أبو بكرٍ أنَّ النبيَّ أخوهُ، في الجاهليّةِ فكيفَ يتزوجُّها؟ وقد كانوا في الجاهليّةِ قبلَ الإسلامِ لا يَتزوّجونَ بناتَ أخيهم بالتآخي؛ فأخبرَه الرّسولُ -صلّى اللهُ عليهِ وآله- أنَّه أخوهُ في الإسلامِ، وذلكَ يختلفُ عن الأخوةِ في الدّم، ومِن هُنا يُفهَمُ علّةُ زواجِه مِنها وهيَ: القضاءُ على عادةِ التآخي، المُحرّمةِ للتزويجِ في الجاهليّةِ بمعنى أنَّه إذا تآخى رجلانِ ليسَ بينَهُما صِلةُ الدَّمِ يُصبحانِ إخوةً على الحقيقة، وبزواجِ النبيّ - صلّى اللهُ عليهِ وآله - مِن عائشةَ قضى هذهِ العادةَ الجاهليّة.

لكنَّ هذا لا يصحُّ البتّةَ فعندَ مؤاخاةِ النبيّ بينَ المُهاجرينَ بمكّةَ وبينَ المُهاجرينَ والأنصارِ بالمدينةِ لم يؤاخِ بينَ نفسِه وأبي بكرٍ إنّما آخاهُ وعُمر.

ولو تفحّصنا أقوالَ النبيّ فيها وسلوكيّاتِها عرَفنا أنَّ زواجَ النبيّ - صلّى اللهُ عليهِ وآله – مِنها إنّما هوَ امتحانٌ وابتلاءٌ له ولأمّته وقد عبّرَ عمّارُ بنُ ياسرٍ به حينَ خرجَت عائشةُ إلى البصرة قالَ: ”إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى ابتلاكُم بها ليعلمَ إيّاهُ تُطيعونَ أم هي“. (1).

وقد روى البُخاريُّ في صحيحِه، عن عبدِ اللهِ بنِ عُمر أنّه قالَ: ”قامَ النبيُّ خطيباً فأشارَ نحوَ مسكنِ عائشة فقالَ: هاهُنا الفتنة! هاهُنا الفتنة! هاهُنا الفتنة! - ثلاثاً- مِن حيثُ يطلعُ قرنُ الشيطان“ (2) وفي صحيحِ مُسلِمٍ قالَ: ”خرجَ رسولُ الله مِن بيتِ عائشة فقالَ: رأسُ الكُفرِ مِن هاهُنا! مِن حيثُ يطلعُ قرنُ الشيطان“ (3).

وقد ابلتيَ بعضُ الأنبياءِ بمثلِ ما ابتليَ النبيّ - صلّى اللهُ عليهِ وآله – بزوجتيهِ حفصةَ وعائشة حتّى نزلَ فيهما قرآنٌ فعَن ابنِ عبّاس، قالَ: لم أزَل حريصاً أن أسألَ عُمرَ عَن المرأتينِ مِن أزواجِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم اللتينِ قالَ اللهُ تعالى: {إن تتوبا إلى اللهِ فقَد صغَت قلوبكُما} [التحريم: 4]؟ فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، مَن المرأتانِ مِن أزواجِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم اللتانِ قالَ اللهُ عزَّ وجل لهُما: {إن تتوبا إلى اللهِ فقد صغَت قلوبُكما} [التحريم: 4]؟ قالَ عُمر: «هيَ حفصةُ وعائشة» (4).

فمَثلُهما كمثلِ امراتي نوحٍ ولوط فقد قالَ تعالى في سورةِ التحريم: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمرَأَةَ نُوحٍ وَامرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحتَ عَبدَينِ مِن عِبَادِنَا صَالِحَينِ فَخَانَتَاهُمَا﴾.

قالَ يحيى بنُ سلام : قولهُ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} مثلٌ ضربَه اللهُ يُحذّرُ بهِ عائشةَ وحفصة في المُخالفةِ حينَ تظاهرتا على رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وسلّم (5).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- البُخاري ج2 ص171

2- صحيحُ البُخاري ج‏4 ص‏100.

3- صحيحُ مُسلِم ج2 ص560

4- صحيحُ مُسلِم كتابُ الطلاقِ بابٌ في الإيلاءِ واعتزالُ النساء تخييرهنَّ، وقوله تعالى: {وإن تظاهرا عليه} (حديث رقم: 2615 ).

5- الجامعُ لأحكامِ القرآن ج18ص202.