سلوا عقولكم ... الامامة بالنص ام بالاختيار؟
ان مسألة الإمامة من المسائل المهمة، وعليها جرى كثير من الخلافات في الغابر والحاضر , فصارت محل النزاع الاكبر في هذه الامة , حتى قيل: "انه ما سُلَّ سيف في الإسلام على قاعدة دينيّة مثل ما سُلَّ على الإمامة", فالعقيدة بالإمامة على ضوء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أنها كالنبوة لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان رسوله (صلى الله عليه واله), وقد نطق الكتاب وأقرّت الأحاديث بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام), بعد رسول الله(صلى الله عليه واله) بلا فصل, وأما على ضوء مدرسة الخلفاء فلابدّ وأن يكون طريق تعيّنه بالاختيار لا بالنص؛ لذا كان الخليفة بعد رسول الله(صلى الله عليه واله) هو أبو بكر بن أبي قحافة, متجاهلين كلَّ الآيات والروايات التي نصت على إمامة عليّ(عليه السلام), فتجاهلوا آية المباهلة , والتطهير, والولاية, ومئات الآيات الأخرى, وتجاهلوا حديث المنزلة, وحديث الثقلين, وحديث سفينة نوح, وأحاديث الغدير ووو... ومن هنا أقول : إن كنتم قد تجاهلتم تلك النصوص أو استعجمت عليكم طرق الوصول إلى الحقيقة فسلوا عقولكم :
أيهما أسلم من الخطأ , اختيار الله أم اختيار الناس , وأيهما خير للناس , أن يختاروا لأنفسهم , أم أن يختار لهم الرسول؟
فتخبركم: بأنّ اختيار الله للناس إمامهم وأميرهم هو أسلم لهم من الخطأ والزلل الذين يتعرضون له إذا ما وكل إليهم أمر هذا الاختيار, وأن اختيار المعصوم خير لهم .
وسلوا عقولكم أيضاً: كيف يستطيع مَنْ يَجهل تمييز مَنْ يعلم , إذ أنّ الإمام لابدّ مِنْ أنْ يكون عالماً بجميع الأحكام , حتى لا يشذّ عنه شيء منها , وإذا كان حاله كذلك فكيف يحكم الناس الذين لم يبلغوا في أنواع العلم مبلغه على مدى علمه بهذه العلوم ؟!
فتخبركم: بأنّ اختيار من يبلّغ في هذه العلوم ذلك المدى يتطلب أن يكون الذين يختارونه على معرفة بهذه العلوم جميعها حتى يحكموا على مدى علمه فيها , فيكون اختيارهم على أساس , ولما كانت معرفة ذلك بالنسبة لمن يوكل إليهم الاختيار لا تصح إلا بامتداد الأوقات , وبالتجربة والإمتحان , فإذا لم يمكن وقوف أحد من الأُمّة عليه , لم يجز أنْ يكلفوا الإجتهاد في ذلك والاختيار , فلابدّ منَ النص .
وسلوا عقولكم: أنه لو لم يكن الرسول هو الذي استخلفه فلماذا سُميّ خليفة رسول الله ؟
فتخبركم: بأنّ إطلاق لقب خليفة رسول الله على الإمام يوجب أن يكون مُستَخلَفاً مِنْ قبل الرسول, وأما استخلافه وتنصيبه لو كان من جهة الأمّة لكان خليفةً للأمّة , ولم يحدث أنْ تلّقب الخليفة بلقب خليفة الأمّة .
وسلوا عقولكم: ماذا لو جاز للأمة أن تختار الإمام ؟
فتخبركم: أنّه لو جاز ذلك لجاز لها أن تتولى مهامه, ففي القول بجواز اختيار فريق من الأمّة لإمامها ما يجوّز أنْ يقوم هذا الفريق بمهام الإمام ومسئولياته؛ لأنّ من جعل غيره يتولى بعض الأمور , فإنّه يجوز أن يتولاها بنفسه من باب أولى, ولو جاز لهم ذلك لاستغنوا عن الإمام , فصار إثبات الإمام بالاختيار يوجب الغنى عن الإمام , فبطل ذلك.
ولو جاز لها ذلك لأمكن أن تختار إماماً يظهر الإسلام ويبطن الكفر؛ لأنه لا سبيل إلى تنصيب إمام يوافق باطنه ظاهره, ويضمن الناس أنّه لا يُبطن كفراً أو فسقاً , بينما هو يُعلن الإسلام والصلاح , إلا أنْ يكون تنصيبه من طريق من يعلم السرائر والبواطن.
ولو جاز لها ذلك, فاختارت جماعةٌ منهم إماماً , وأبتْ جماعة أخرى ذلك الاختيار فاختارت إماماً آخر, وهكذا , فما المرجع والمصوّب لاختيار فريق دون فريق , طالما أنّ هذا الحق هو من حقوقهم جميعاً .. أما النص والتعيين فإنّه يمنع من تعدد الائمة بتعدد الجماعات التي تختار وفيه ضمان ضد هذه المخاطر والمحاذير .
فهذا ما يحكم به العقل, وخلاف ذلك ما لا يقبله من أُعطي سمة من المنطق السليم, والقرآن الكريم أكد على الإصغاء إلى وحي العقل السليم في قوله تعالى: { فَبَشِّرْ عِبَادِ*الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } (الزمر 17 - 18) , فالعقل لا يجوّز أنْ ينكر الإنسان ما لا يعلم حتى يعلم نفيه, كما لا يجوّز أن يقبله حتى يعلم إثباته لقوله تعالى: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } (الإسراء 36)
اترك تعليق