رضاع الحسين(ع) من النبي(ص)
السؤال: ما رأيكم بالروايات التي تقول: إنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) رضع من إبهام أو لسان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد في جملة من الروايات الشريفة أنَّ النبي (صلَّى الله عليه وآله) هو من تولَّى إرضاع الإمام الحسين (عليه السلام) تارة بواسطة إبهامه الشريف، وأُخرى بواسطة لسانه المبارك، وهي التالي:
1ـ ما رواه الشيخان الكلينيُّ وابن قولويه (طاب ثراهما) بالإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنَّ جبرئيل (عليه السلام) نزل على محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) فقال له: يا محمَّد، إنَّ الله يبشِّرك بمولود يولد من فاطمة....إلى قوله: ولم يرضع الحسين من فاطمة (عليها السلام) ولا من أنثى، كان يُؤتى به النبيَّ فيضع إبهامه في فيه فيمصُّ منها ما يكفيه اليومين والثلاث، فنبت لحم الحسين (عليه السلام) من لحم رسول الله ودمه...» [الكافي ج1 ص٤٦٤، وكامل الزيارات ص124].
2ـ وما رواه الشيخ الكليني (طاب ثراه) أيضاً عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «أنَّ النبي (صلَّى الله عليه وآله) كان يُؤتى به الحسين، فيلقمه لسانه فيمصَّه فيجزئ به، ولم يرتضع من أنثى» [الكافي ج1 ص465].
3ـ وما رواه الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيه: «وكان رسول الله يأتيه في كلِّ يوم فيضع لسانه في فم الحسين (عليه السلام) فيمصَّه حتَّى يروي، فأنبت الله تعالى لحمه من لحم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، ولم يرضع من فاطمة (عليها السلام) ولا من غيرها لبناً قط» [علل الشرائع ج1 ص205].
4ـ وما رواه الحافظ ابن شهر آشوب (طاب ثراه) عن غرر أبي الفضل بن حيزانة بإسناده، وفيه: «أنه اعتلَّت فاطمة لما ولدت الحسين وجفَّ لبنها، فطلب رسول الله مرضعاً فلم يجد، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصُّها، ويجعل الله له في إبهام رسول الله رزقاً يغذوه. ويقال: بل كان رسول الله يدخل لسانه في فيه فيغره كما يغر الطير فرخه، فيجعل الله له في ذلك رزقاً، ففعل ذلك أربعين يوماً وليلة، فنبت لحمه من لحم رسول الله» [مناقب آل أبي طالب ج3 ص٢٠٩].
ولعلَّ وجه الجمع بين هاتين الطائفتين أنه (كان في بعض الأوقات يمصُّ لسانه، وفي بعضها إبهامه) [يُنظر: مرآة العقول ج5 ص365].
ثمَّ إنَّ الكلام في هذه الروايات ـ مع الغضِّ عن المناقشة في أسانيدها ـ واردٌ مورد الإعجاز والكرامة، فإنَّ الله تعالى أراد أنْ يُكرِّم الإمام الحسين (عليه السلام) لِـمَا سيكون له من دورٍ عظيم في الإسلام، وما سيُقدِّمه من تضحيات جسام في سبيل الله، فجعل بدنه المبارك يتغذَّى من إبهام أشرف الخلق وسيِّد البرية (صلَّى الله عليه وآله)، ولذلك ذكرها المحدِّث ابن شهر آشوب، والسيِّد هاشم البحراني ضمن معجزات سيِّد الشهداء (عليه السلام) [يُنظر: مناقب آل أبي طالب ج3 ص209، ومدينة المعاجز ج3 ص448].
هذا، وليعلم بأنه قد ورد نظير المذكور آنفاً في تراث الفريقين أيضاً، لذلك فلا داعي للاستبعاد والاستغراب.
من ذلك:
1ـ ما روي بسندٍ معتبر عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قصَّة إبراهيم الخليل(عليه السلام)، وفيه ما لفظه: «فذهبت به إلى غارٍ، ثمَّ ارضعته، ثمَّ جعلتْ على باب الغار صخرة، ثمَّ انصرفت عنه، قال: فجعل الله (عزَّ وجلَّ) رزقه في إبهامه، فجعل يمصُّها فيشخب لبنها، وجعل يشبُّ في اليوم كما يشبُّ غيره في الجمعة، ويشبُّ في الجمعة كما يشبُّ غيره في الشهر، ويشبُّ في الشهر كما يشبُّ غيره في السنة، فمكث ما شاء الله أنْ يمكث..» [الكافي ج8 ص367].
2ـ وما روي من أنه «لـمَّا وجدت أمُّ إبراهيم الطلق خرجتْ ليلاً إلى مغارة كانت قريبة منها، فولدت فيها إبراهيم (عليه السلام)، وأصلحت من شأنه ما يصنع بالمولود، ثمَّ سدَّت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها، ثمَّ كانت تطالعه لتنظر ما فعل، فتجده حيَّاً يمصُّ إبهامه. وقالت أم إبراهيم ـ ذات يوم ـ: لأنظرنَّ إلى أصابعه، فوجدتُه يمصُّ من أصبعٍ ماءً، ومن أصبعٍ لبناً، ومن أصبع عسلاً، ومن أصبع تمراً، ومن أصبع سمناً» [تفسير الطبريّ ج9 ص357، تفسير ابن أبي حاتم ج8 ص2778].
3ـ وما روي من أنَّ «أمَّ موسى لمّا رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها، فقذف الله في نفسها أنْ تتخذ له تابوتاً ثمَّ تقذف بالتابوت في اليم - إلى قوله: - قال فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نوراً لم يره غيرها، للذي أراد الله أنْ يكرمها، فعالجته ففتحت التابوت، فإذا هي فيه بصبيٍّ صغير في مهده، فإذا نورٌ بين عينيه، وقد جعل الله رزقه في البحر في إبهامه، وإذا إبهامه في فيه يمصُّه لبناً» [تاريخ دمشق ج 61ص 20].
والنتيجة من كلِّ ذلك، أنَّ الروايات المذكورة ـ مع الغض عن الأسانيد ـ ناظرةٌ إلى كرامةٍ من كرامات الإمام الحسين (عليه السلام).. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق