من معجزات رأس سيّد الشهداء (ع)

السؤال: ورد في كتاب ( الدمعة الساكبة - البهبهانيّ - ج٥ - ص٧ ) رواية فيها أنّ رأس الحسين عليه السلام قد كلَّم الشمر لعنه الله فقام الشمر بضرب الرأس وهذا نصُّ الرواية : وروي لمّا اجتزّ الشمر لعنه الله رأس الحسين (عليه السلام) أخذه وعلّقه على فرسه، فسمعت أذناي، ونظرت عيناي، ووعى قلبي، ورأس الحسين (عليه السلام) يكلّمه بلسان فصيح، ويقول: يا شمر! يا شقي الأشقياء! يا عدوّ الله ورسوله! فرّقت بين رأسي وجسدي، فرّق الله بين لحمك وعظمك، وجعلك نكالا للعالمين. قال: فرفع اللّعين سوطا كان بيده ولم يزل يضرب الرأس حتّى سكت عن الكلام، فقلت: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، وأنا والله! لا أستطيع قتال اللّعين بن اللّعين الذي يضرب رأس الحسين، وليس بيدي سيف ولا كعب ولا رمح ولكن صبرت حتّى يحكم الله تعالى، وهو خير الحاكمين. فما صحّة هذه الرواية وهذه الحادثة؟!

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنّ من القضايا المعروفة والمشهورة في مصادر الفريقين: أنّه ظهرت كرامات كثيرة ومعجزات عظيمة لرأس سيّد الشهداء (عليه السلام) في مواطن عديدة: في مدينة الكوفة، ثـمّ في الطريق إلى الشام، ثـمّ في الشام نفسها، كسطوع عمود النور من السماء إلى الإجانة التي فيها الرأس المقدّس ورفرفة الطير الأبيض حولها، وتعفّن فخذ ابن زياد من قطرة دم الرأس، وتلاوته لـمّا صُلب بالكوفة بعد تنحنحه سورة الكهف إلى قوله: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}، وتلاوته لـمّا صلب على الشجرة: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}، ولـمّا كانوا في أوّل ليلة من المسير إلى دمشق خرجت كفّ من حائط كتبت سطراً بدم: (أترجو أمّةٌ قتلتْ حسيناً * شفاعةَ جدِّه يومَ الحساب)، والنور المتلألئ الذي ظهر للراهب النصرانيّ وكلامه معه، ومخاطبته مع ابن وكيدة، وتلاوته في الشام سورة الكهف ولـمّا وصل إلى قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} قال: (أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي)، وقوله في مجلس يزيد: (لا حول ولا قوّة إلّا بالله)، وغير ذلك ممّا ورد في كتب السير والتاريخ والمناقب والمقاتل.

ومن جملة الكرامات المنقولة:

مخاطبة رأس سيّد الشهداء (عليه السلام) مع حامله الذي علّقه على فرسه، ودعائه عليه بـ: (فرّقتَ بين رأسي وجسدي، فرَّقَ الله بين لحمك وعظمك، وجعلك نكالاً للعالمين)، وقد ورد السؤال عنه، فنقول:

إنّ هذه الرواية نقلها المولى محمّد باقر البهبهانيّ في [الدمعة الساكبة ج5 ص7]، فإنّه قال – بعدما نقل خبراً سيأتي ذكره -: (أقول: وفي نقلٍ آخر: روى الحميريّ – وهو من الثقات – أنّه قال: سمعت يوم أُصيب به الحسين (عليه السلام) بكربلاء أصواتاً حوله، وبكاءً عالياً، ما سمعت أذناي ولا رأت عيناي أمراً أعظم منه، ولا أكثر بكاءً من ذلك اليوم. قال صاحب الحديث: لـمّا اجتزّ الشمر (لعنه الله).... أخذه وعلّقه على فرسه، فسمعت أذناي ونظرت عيناي ووعى قلبي ورأس الحسين (عليه السلام) يكلّمه بلسان فصيح، ويقول: « يا شمر، يا شقي الأشقياء، يا عدوّ الله ورسوله، فرَّقت بين رأسي وجسدي، فرَّقَ الله بين لحمك وعظمك، وجعلك نكالاً للعالمين». قال: فرفع اللّعين سوطاً كان بيده ولم يزل يضرب الرأس حتّى سكت عن الكلام).

ولَـم نعثر على هذا الخبر في مصدرٍ أقدم من [الدمعة الساكبة] فيما بين أيدينا من مصادر، وظاهر كلام المولى البهبهانيّ أنّه ينقل الخبر من أحد المصادر غير المتداولة بين أيدينا.

والذي ينبغي التنبيه عليه في المقام: أنّ المولى البهبهانيّ نقل روايةَ هلال بن معاوية - التي سيأتي ذكرها-، وعقّب عليها بقوله: (أقول: وفي نقلٍ آخر..) منبّهاً على وجود رواية أخرى مقاربة للرواية التي ساقها أوّلاً، والرواية هي:

عن هلال بن معاوية قال: (رأيت رجلاً يحمل رأس الحسين (عليه السلام) في مخلاة فرسه، فسمعت أذناي ووعى قلبي والرأس يقول: « فرَّقتَ بين رأسي وجسدي، فرَّقَ الله بين لحمك وعظمك، وجعلك آية ونكالاً للعالمين »، فرفع سوطاً كان معه ولم يزل يضرب به الرأس حتّى سكن. قال: فرأيت ذلك الرجل وقد أُتي به إلى المختار بن أبي عبيد، فشرح لحمه، وألقاه للكلاب وهو حيّ، وكلّما قطعت منه قطعة صاح وغلب على عقله، فيتوسّل حتّى يؤب إليه عقله، ثمّ يفعل به مثل ذلك حتّى جعله عظاماً مجرّدة، ثمّ أمر به فقطعت مفاصله، فأتيتُ المختارَ فأخبرتُه بفعله وبما سمعتُ من كلام الرأس).

وهذه الرواية نقلها السيّد هاشم البحرانيّ في [مدينة المعاجز ج4 ص100]، والسيّد محمّد الحسينيّ في [شرح شافية أبي فراس ص378]، ونقلها المولى البهبهانيّ في [الدمعة الساكبة ج5 ص7] عن شرح الشافية.

أقول: وهاتان الروايتان مختلفتان، فقد تضمّنت إحداهما ذكر الشمر، في حين تضمّنت الأخرى تحقّق الدعاء على يد المختار الثقفيّ في الدنيا ولم تذكر الشمر، ولَـم نعثر في كتب التاريخ أنّ المختار فعل ذلك بالشمر، فهذا الاختلاف إمّا أنّه ناشئ من تعدّد الواقعة بأن يكون الخطاب قد حصل تارة لرجلٍ وأخرى للشمر، وإمّـا أنّه ناشئ من اختلاف نقلة الحادثة الواحدة فحصلت زيادة ونقيصة، والله العالم بحقائق الأمور.