علم الغيب بالنسبة لأئمة اهل البيت (ع) إنما هو تعلم من ذي علم.
رغد /: أنتم تعدون علم الغيب من فضائل الأئمة مع أنه من الله، إن سلمنا به أي أن الله أجبرهم، فكيف يكون من الفضائل ؟
في البدء نشير إلى أن علم الغيب الموجود عند الأئمة (عليهم السلام) إنما هو تعلم من ذي علم، وليس هو علماً مطلقاً بالغيب، كما يهرطق الجاهلون من غير دليل يستندون إليه !!
وأما المستشكل هنا فكأنه يريد أن يقول: لو كان هناك علم عند الإمام (عليه السلام) بأنه سيذهب إلى المكان الفلاني في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية، فهو حتماً سيذهب إليه، وليس له مخالفة هذا العلم، وهذا هو الجبر بعينه ؟!
ونقول في الجواب على هذا الإشكال نقضاً وحلاً:
أما النقض: فقد ورد في صحاح أهل السنة كصحيح البخاري: عن طارق بن شهاب قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم . انتهى .
فهذا إخبار عن مغيبات عمن سيدخل الجنة، ومن سيدخل النار .
وفي صحيح مسلم عن عمرو بن أخطب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وما هو كائن، فأعلمنا وأحفظنا . انتهى .
وهذه الرواية (الثانية) صريحة في علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمغيبات وإخباره بها، بل إعطاء هذا العلم للصحابة أيضاً، فالرواية صريحة تقول: (فأعلمنا وأحفظنا).
وفي سنن أبي داود عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً، فما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه، فحفظه من حفظه، ونسيه من نسيه . انتهى .
وهنا نسأل - بعد اطلاعنا على هذه المرويات في صحاح أهل السنة وسننهم - هل العلم المذكور بالغيب معناه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سيكون مجبوراً في أفعاله، وهل الصحابة الذين علموا مثل هذا العلم سيكونون مجبورين في أفعالهم ؟!!
أما الجواب الحلي: لا يوجد تلازم بين العلم وحصول الحوادث، فالحوادث تكويناً تجري وفق أقدارها المقدرة لها، مع وجود كامل القدرة في الإنسان على الإختيار، فلو أخبرنا طبيب مثلاً بما يملك من علم في الطب أن فلاناً من الناس سيموت بعد ستة أشهر، لأن طبيعة المرض الذي عنده لا تحتمل بقاءه أكثر من ستة أشهر، فهل يكون لهذا العلم مدخلية في موت هذا الشخص، أم إنه إخبار وفق معرفة خاصة لا أكثر، وكذلك الحال في معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ببعض المغيبـات لا مدخلية لها بما يجري من حوادث لهم في حياتهم، وإنما هي علوم أكرمهم الله بها، مع إيمانهم المطلق بقضاء الله وقدره.
اترك تعليق