هل تجوز النافلة جماعة؟
السؤال: ورد في الحديث: عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (ع) قال: «صلِّ بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة، فإنّي أفعله». فهل هذا الحديث يدلُّ على مشروعية التراويح؟ وهل إسناد الحديث صحيح؟ وقد علق أحد المحققين على سند الرواية: أن راوي الحديث عن المعصوم بصريٌّ، وكانت لديه روابط مع العامة، ولهذا نجد أنَّ كثيراً من رواياته موافقة مع روايات العامة، فهل هذا الكلام صحيح وعليه شواهد؟
الجواب:
اعلم أخي السائل أنَّ المشهور لدى الإماميَّة هو عدم جواز الإتيان بالنافلة جماعة، ولا سيّما في شهر رمضان؛ لما ورد من الأدلة المانعة فيه بالخصوص، بل قيل: إنّ عليه الإجماع، ومن الأخبار في المقام:
ما رواه الطوسيُّ عن محمد بن سليمان قال: «إنَّ عدَّةً من أصحابنا اجتمعوا على هذا الحديث منهم: يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع). وصباح الحذاء، عن إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن (ع). وسماعة بن مهران عن أبي عبد الله (ع). قال محمد بن سليمان: وسألتُ الرضا (ع) عن هذا الحديث، فأخبرني به.
وقال هؤلاء جميعاً: سألنا عن الصلاة في شهر رمضان كيف هي؟ وكيف فعل رسول الله (ص)؟ فقالوا جميعاً: إنّ النبيَّ (ص) قال في نافلة شهر رمضان: أيُّها الناس، إنَّ هذه الصلاة نافلة، ولن يجتمع للنافلة، وليصلِّ كلّ رجلٍ منكم وحده، وليقل ما علمه الله من كتابه، واعلموا أنْ لا جماعة في نافلة» [التهذيب ج3 ص65].
وما رواه الصدوق والطوسيّ: أنّه سأل زرارةُ ومحمد بن مسلم والفضيل أبا جعفر وأبا عبد الله (ع) عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل جماعة، فقالا: «إنَّ النبيَّ (ص) كان إذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله، ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد، فيقوم فيصلّي، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلي كما كان يصلي، فاصطف الناس خلفه، فهرب منهم إلى بيته وتركهم، ففعلوا ذلك ثلاث ليال، فقام (ص) في اليوم الثالث على منبره، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس، إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعةٍ بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل، ولا تصلّوا صلاة الضحى، فإنّ تلك معصية، ألا فإنّ كلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلّ ضلالةٍ سبيلها إلى النار» [الفقيه ج2 ص137، التهذيب ج3 ص69، الاستبصار ج1 ص467].
والأحاديث الواردة في ذلك وفيرة، ينظر: الكافي ج4 ص154، ج8 ص58-63، التهذيب ج3 ص70، مستطرفات السرائر ص146، تفسير العياشيّ ج1 ص272-275، تحف العقول ص419، وغيرها.
وأما ما رواه الطوسيُ – وهي الرواية الواردة في السؤال – بإسناده عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان، عن عبد الرحمن ابن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (ع) قال: «صلِّ بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة، فإنّي أفعله» [التهذيب ج1 ص329]، فيلاحظ بشأنها:
أنّها غير ظاهرة ولا دالّة في جواز الإتيان بالنافلة جماعة؛ إذ معنى: «صلِّ بأهلك..» هو: صلِّ في أهلك، أي: صلِّ عند أهلك، يعني في البيت لا في المسجد.
ولو سلّمت دلالتها على جواز الجماعة، فلا مجال للاعتماد عليها؛ لمخالفتها لصريح الأخبار الصحيحة المستفيضة، خصوصاً مع إعراض الأصحاب عن العمل بمقتضاها، ومع موافقتها للعامّة، وعليه إمّا أنْ يحمل الحديث على التقيّة أو يُردّ علمه إلى أهله.
هذا خلاصة ما ذكره فقهاء الطائفة، وإليك جملةً من كلماتهم:
قال المحدّث البحرانيّ: (وقد عرفت استفاضة الأخبار بتحريم الجماعة فيها [أي نافلة شهر رمضان]. وحينئذٍ فالواجب حمل هذا الخبر على التقيّة، وبذلك يسقط الاستناد إليه بالكليّة) [الحدائق الناضرة ج11 ص86-87].
وقال السيّد الطباطبائيّ – بعد ذكر هذه الرواية ورواية أخرى –: (لكنَّها غير ظاهرة الدلالة ولا واضحة؛ لعدم تصريح في الأوّل منها بالجماعة؛ لاحتمال كون المراد بالصلاة بالأهل: الصلاة في الأهل، بمعنى: في البيت، يعني: لا في الخارج.. ولو سُلّم فهي محمولة على التقيّة) [رياض المسائل ج4 ص295].
وقال المحقّق النراقيّ: (مضافا إلى أنّهما غير دالّتين على ذلك أصلاً.. وأمّا الثانية: فلاحتمال كون المراد من الصلاة بالأهل، الصلاة معهم أو فيهم، أي: في البيت لا في الخارج؛ فإنّ الصلاة بالأهل ليست حقيقةً ولا ظاهرةً في الائتمام لهم. وحينئذٍ يكون الأمر بذلك لأجل ردع الراوي عن الابتلاء بالدخول في البدعة؛ حيث إنّ الصلاة في الخارج في شهر رمضان جماعة في الفريضة والنافلة كانت توجب البدعة، وفي الفريضة خاصّة توجب البليّة. ويؤكّده: التخصيص برمضان الذي هو زمان البدعة، وذكر الفريضة مع أنّها في المسجد تتضمن ما لا يحصى من الفضيلة) [مستند الشيعة ج8 ص17-18].
وقال السيد الحكيم: (مخالفٌ لصريح الصحاح الدالّة على كون الاجتماع في نافلة شهر رمضان بدعة، التي يجب تقديمها عليه، مع قرب دعوى: إرادة الصلاة في بيته لا في المسجد) [مستمسك العروة ج7 ص171].
وقال السيد الخوئيُّ: (فلا مناص من ارتكاب التأويل بحمل الباء في قوله (ه): «بأهلك»، على معنى (عند)، وصرفها عن ظاهرها – وهو كونها بمعنى (مع) الظاهر في الجماعة –، فيكون المراد بها: صلّ عند أهلك وفي دارك لا في المسجد.. وإنْ أبيت عن ذلك، فلا محيص من طرحها وردّ علمها إلى أهله؛ لمنافاة ظاهرها مع النصوص الكثيرة المتقدّمة، مع عدم التكافؤ بينهما؛ لكثرة تلك وعدم العمل بمضمون هذه الرواية أيضاً كما عرفت) [المستند ج7 ص28ـ29].
وأمّا الراوي عبد الرحمن بن أبي عبد الله ميمون:
فهو بصريّ، وكانت البصرة آنذاك بيئة مخالفة لأهل البيت (ع). ذكره الطوسيّ في أصحاب الصادق (ع) وذكر أنّ جماعةً من محدّثي العامّة – كشعبة بن الحجّاج – رووا عنه [ينظر: رجال الطوسيّ ص236].
والملاحظ أنّ مثل ابن ماجه روى له في السنن، وترجمه بعض علماء العامّة، كالبخاريّ في [التاريخ الكبير ج6 ص453]، والمزيّ في [تهذيب الكمال ج17 ص453]، وغيرهما.
وهذا الكلام لا يضرّ وثاقته – إذ إنّه ثقة بتنصيص النجاشيّ في [الفهرست ص30] –، وإنّما يؤيّد دعوى صدور الرواية تقيّة.
والحمد لله ربّ العالمين ودمتم في رعاية الله سالمين.
اترك تعليق