هل أمير المؤمنين هو الحاكم يوم القيامة؟
السؤال: قال الله تعالى في شأن يوم القيامة:﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لله﴾ [الإنفطار:19]، وأنتم تقولون بأنَّ عليّاً قسيم الجنَّة والنار يوم القيامة، فهل عليٌّ هو الله تعالى؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
للجواب عن هذا السؤال ينبغي الكلام في جملة موارد، الأوَّل: في عقيدة الشيعة بسلطان الله تعالى وسعة حكمه، والثاني: عقيدتهم في أمير المؤمنين (عليه السلام)، والثالث: في كونه قسيم الجنَّة والنار، ولأجل ذلك يقع الكلام في ذكر أمور:
الأمر الأوَّل: (عقيدة الشيعة بسلطان الله تعالى).
يعتقد شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بأنَّ الله تعالى هو الحاكم والسلطان المطلق، لا حاكم في الدنيا أو الآخرة غيره، ولكنَّ الله تعالى قد يُشرِّف بعض (عباده) الصالحين بأنْ يُعطيهم بعض المقامات والمهام تكريماً لهم وتشريفاً، ولذلك فكلُّ ما يملكونه هو في (طول) سلطان الله تعالى وحكمه.
وعليه، فلو ثبت بأنَّ الله تعالى أعطى أحداً من (أوليائه) بعض الصلاحيّات فهو لا ينافي الاعتقاد بسعة سلطانه وكمال قدرته، ونحن نعتقد بأنَّ الله تعالى شرَّف أهل البيت (عليهم السلام) بجملة من تلك المقامات والمكرمات.
قال المحقّق الشيخ جعفر السبحانيّ (حفظه الله): (لقد وجَّه القرآن الكريم عناية خاصَّة إلى (التوحيد في الحاكميّة) بحيث يتبيَّن بوضوح أنَّ الحكم والولاية في منطق القرآن ليس إلَّا لله تعالى وحده، وأنَّه لا يحقّ لأحدٍ أنْ يحكم العباد دونه، وأنَّه لا شرعيّة لحاكميّة الآخرين إلَّا إذا كانت مستمدّة من الولاية والحاكميّة الإلهيّة، وقائمة بأمره تعالى...فما لم تكن مستندة إلى هذا الإذن لم تكن مشروعة، ولم يكن لها أيّ وزن، ولا أيّ قيمة مطلقاً) [مفاهيم القرآن ج1 ص21].
الأمر الثاني: (عقيدة الشيعة في أمير المؤمنين).
يعتقد الشيعة أعزَّ الله دعوتهم بأنَّ أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) هو عبدٌ من عبيد الله تعالى، اختاره الله تعالى واصطفاه للإمامة بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وبعده أحد عشر من أولاده الطاهرين، كلُّ ذلك بالنصوص والمعجزات التي أكرمهم الله تعالى بها.
قال العلَّامة المظفَّر (طاب ثراه): (عقيدتنا في الأئمَّة...أنَّهم بشرٌ مثلنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وإنَّما هم عباد مكرمون، اختصَّهم الله تعالى بكرامته وحباهم بولايته، إذ كانوا في أعلى درجات الكمال اللّائقة في البشر، من العلم، والتقوى، والشجاعة، والكرم، والعفَّة، وجميع الأخلاق الفاضلة، والصفات الحميدة، لا يدانيهم أحدٌ من البشر فيما اختصُّوا به، وبهذا استحقُّوا أنْ يكونوا أئمَّة وهداة، ومرجعاً بعد النبيّ في كلِّ ما يعود للناس من أحكام وحكم، وما يرجع للدين من بيان وتشريع، وما يختصُّ بالقرآن من تفسيرٍ وتأويل) [عقائد الإمامية ص73].
الأمر الثالث: (في كونه قسيم الجنّة والنار).
من جملة مناقب وكرامات أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قسيم الجنّة والنار، وقد ثبت ذلك في النصوص الكثيرة عندنا وعند غيرنا، نكتفي بذكر بعض الأخبار، وعلى الراغب بالتوسُّع مراجعة ما كتبه الأعلام في هذا المجال.
1ـ ما جاء في الصواعق المحرقة لابن حجر، ونصُّه: (أخرج الدارقطنيّ أنَّ عليّاً قال للستّة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاماً طويلاً من جملته: «أنشدكم بالله، هل فيكم أحدٌ قال له رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): «يا عليّ، أنت قسيم الجنَّة والنار يوم القيامة غيري»، قالوا: اللّهُمّ لا» ومعناه ما رواه غيره عن عليّ الرضا أنّه (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) قال له: (أنت قسيم الجنَّة والنار، فيوم القيامة تقول النار: هذا لي وهذا لك) [الصواعق المحرقة ج2 ص369].
2ـ وجاء في ينابيع المودَّة، ونصُّه: (وفي المناقب: عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ـ وهو آخر من مات من الصحابة بالاتّفاق ـ عن عليّ (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه و آله و سلَّم):«يا عليّ، أنت وصيي...يا عليّ، لو أنَّ رجلاً أحبَّك وأولادك في الله لحشره الله معك ومع أولادك، وأنتم معي في الدرجات العلى، وأنت قسيم الجنَّة و النار، تُدخل محبِّيك الجنَّة و مبغضيك النار») [ينابيع المودَّة ج1ص252].
3ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزلي: (وقوله فيه: «خازن علمي»، وقال تارة أُخرى: «عيبة علمي». ويُمكن أنْ يريد خزنة الجنَّة وأبواب الجنَّة، أي: لا يدخل الجنَّة إلَّا من وافى بولايتنا، فقد جاء في حقِّه الخبر الشائع المستفيض: إنّه قسيم النار والجنّة) [شرح نهج البلاغة ج9 ص ١٦٥].
4ـ وما جاء في (ترجمة محمَّد بن منصور الطوسيّ) قال: (كنَّا عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبد الله، ما تقول في هذا الحديث الذي روي: «أنَّ علياً قال: أنا قسيم النار»؟ فقال: ما تنكرون من ذا؟ أليس روينا أنَّ النبيّ (صلَّى الله عليه[وآله] وسلَّم) قال لعليّ: «لا يحبّك إلَّا مؤمن ولا يبغضك إلَّا منافق»؟ قلنا بلى، قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنَّة، قال: وأين المنافق؟ قلنا: في النار، قال: فعليٌّ قسيم النار) [طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ج1 ص320].
والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ الشيعة ـ أعلى الله كلمتهم ـ يعتقدون بأنَّ الله تعالى هو المالك والحاكم المطلق، ولكنَّه تعالى أعطى أهل البيت (عليهم السلام) بعض المقامات والكرامات تشريفاً وتكريماً لهم.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق