متى ولدت الزهراء (عليها السلام)؟

السؤال: هل كانت ولادة السيِّدة فاطمة (صلوات الله عليها) قبل البعثة أم بعدها، وما هو الدليل على ذلك؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

ذهبت الإماميَّة وجملة من العامَّة إلى أنَّ ولادة الصدِّيقة الزهراء (عليها السلام) كانت (بعد) البعثة النبويَّة المباركة، وذهب جمع من العامَّة إلى أنَّها ولدت (قبل) البعثة، ولعلَّه من أجلِ إنكار كونها قد تكوَّنت من ثمار الجنَّة، كما سوف يتَّضح.

ونحن ذاكرون جملة من الروايات وكلمات الأعلام من الفريقين في أنَّها ولدت (بعد) البعثة المباركة.

الطائفة الأولى: روايات الإماميَّة وكلمات علمائهم:

1ـ روى شيخنا الكليني (طاب ثراه): بسنده عن حبيب السجستاني قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «ولدت فاطمة بنت محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) بعد مبعث رسول الله بخمس سنين، وتوفيت ولها ثمان عشرة سنة، وخمسة وسبعون يوماً» [الكافي ج1 ص٤٥٧].

2ـ وروى (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن أبي حمزة، عن سعيد بن المسيَّب، وفيه: «قال: فقلت لعلي بن الحسين (عليهما السلام): فمتى زوَّج رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فاطمة من عليٍّ (عليهما السلام)؟ فقال: بالمدينة بعد الهجرة بسنة، وكان لها يومئذٍ تسع سنين، قال عليُّ ابن الحسين (عليهما السلام): ولم يولد لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) من خديجة (عليها السلام) على فطرة الإسلام إلَّا فاطمة (عليها السلام)» [الكافي ج8 ص ٣٣٨].

3ـ وروى شيخنا الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وفيه: «وقال النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله): لـمَّا عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام)، فأدخلني الجنة، فناولني من رُطبها فأكلته، فتحوَّل ذلك نطفة في صُلبي، فلما هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة، فحملتْ بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية، فكلَّمـا اشتقتُ إلى رائحة الجنة شممتُ رائحة ابنتي فاطمة» [الأمالي ص546].

إلى غيرها من الروايات الكثيرة التي رواها علماء الخاصَّة.

وإليك بعضاً من كلمات علماء الإماميَّة في أنَّها (عليها السلام) قد ولدت (بعد) البعثة المباركة:

1ـ الشيخ الكليني (طاب ثراه)، ونصُّه: (ولدت فاطمة (عليها وعلى بعلها السلام) بعد مبعث رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بخمس سنين، وتوفِّيت (عليها السلام) ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً، وبقيت بعد أبيها (صلَّى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوماً) [الكافي ج1 ص458].

2ـ الشيخ ابن شهر آشوب المازندراني (طاب ثراه)، ونصُّه: (ولدت فاطمة بمكَّة بعد النبوَّة بخمس سنين، وبعد الإسراء بثلاث سنين، في العشرين من جمادى الآخرة، وأقامت مع أبيها بمكَّة ثماني سنين، ثمَّ هاجرت معه إلى المدينة، فزوَّجها من عليٍّ بعد مقدمها المدينة بسنتين، أوَّل يوم من ذي الحجَّة، ورُوي أنَّه كان يوم السادس) [مناقب آل أبي طالب ج3 ص132].

3ـ الشيخ محمَّد بن الفتَّال النيسابوري (طاب ثراه)، ونصُّه: (اعلم أنَّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) ولدت بعد النبوَّة بخمس سنين، وبعد الإسراء بثلاث سنين، وأقامت مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بمكَّة ثمان سنين، ثمَّ هاجرت مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إلى المدينة، فزوَّجها من عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) بعد مقدمهم المدينة) [روضة الواعظين ص143].

الطائفة الثانية: روايات العامَّة وكلمات علمائهم:

1ـ روى أبو القاسم الطبراني بسنده عن عائشة بنت أبي بكر قالتْ: «كنتُ أرى رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يقبِّل فاطمة، فقلتُ: يا رسول الله، إني أراك تفعل شيئاً ما كنتُ أراك تفعله من قبل؟ فقال: يا حُميراء، إنه لما كان ليلة أُسري بي إلى السماء، أُدخلتُ الجنَّة، فوقفتُ على شجرةٍ من شجر الجنَّة لم أرَ في الجنَّة شجرة هي أحسن منها حُسناً، ولا أبيض منها ورقة، ولا أطيب منها ثمرة، فتناولتُ من ثمرتها فأكلتها، فصارتْ نطفة في صُلبي، فلما هبطتُ الأرضَ واقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة، فإذا أنا اشتقتُ إلى رائحة الجنَّة شممتُ ريح فاطمة. يا حُميراء، إنَّ فاطمة ليستْ كنساءِ الآدميين، ولا تعتل كما يَعتلُّون» [المعجم الكبير ج22 ص400].

2ـ وروى محبُّ الدين الطبري عن عبد الله بن عبَّاس أنه قال: «كان النبي (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يُكثر القُبلَ لفاطمة، فقالت له عائشة: إنك تكثر تقبيل فاطمة؟ فقال (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): إنَّ جبريل ليلة أُسرى بي أدخلني الجنَّة، فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماءً في صُلبي، فحملتْ خديجة بفاطمة، فإذا اشتقتُ لتلك الثمار قبَّلتُ فاطمة، فأصبتُ من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها» [ذخائر العقبى ص 36].

3ـ وروى أبو القاسم ابن عساكر بسنده عن أمِّ سليم ـ زوجة أبي طلحة الأنصاري ـ أنَّها قالت: «لم ترَ فاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) دماً قط في حيض ولا نفاس، وكانت تصب عليها من ماء الجنَّة، وذلك أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) لما أُسري به دخل الجنَّة، وأكل ‌من ‌فاكهة ‌الجنَّة، وشرب من ماء الجنَّة، فنزل من ليلته فوقع على خديجة فحملت بفاطمة، فكان حمل فاطمة من ماء الجنَّة» [تاريخ دمشق ج40 ص354].

4ـ وروى الحاكم النيسابوري بإسناده عن عبد الله بن محمَّد بن سُليمان بن جعفر الهاشمي، يذكُر عن أبيه، عن جدِّه، قال: «ولدت فاطمة سنة إحدى وأربعين من مولد رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)» [المستدرك ج5 ص710].

5ـ وروى بإسناده أيضاً عن جعفر بن محمَّد، قال: «ماتت فاطمة وهي ابنة إحدى وعشرين، وولدت على رأس سنة ‌إحدى ‌وأربعين من مولد النبيِّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)» [المستدرك ج5 ص715].

إلى غيرها من الروايات التي رواها علماء العامَّة.

وإليك بعضاً من كلمات علماء العامَّة في أنَّها (عليها السلام) قد ولدت (بعد) البعثة المباركة:

1ـ العلَّامة المسعودي، ونصُّه: (ووُلِدَ له (عليه [وآله] الصلاة والسلام) بعدما بُعِث: عبدُ الله ـ وهو الطيِّب والطاهر، الثلاثة الأسماء له، لأنه ولد في الإسلام ـ، وفاطمة، وإبراهيم) [مروج الذهب ج2 ص291].

2ـ العلَّامة الدياربكري، فإنَّه قال ـ بعد نقل عدَّة روايات في انعقاد نطفتها من ثمار الجنَّة: (وهذه الروايات تقتضي كون ‌ولادة ‌فاطمة بعد البعثة، لأنَّ الإسراء كان بعد البعثة، وقد صرَّح أبو عمرو بأنَّ ‌ولادة ‌فاطمة كانت سنة إحدى وأربعين من مولده (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) كما نقلنا آنفاً من سيرة مغلطاي) [تاريخ الخميس ج1 ص277].

قرائن وشواهد:

هذا، وقد تُذكر في المقام عدَّة قرائن ـ غير ما تقدَّم ـ تؤيِّد ما روي من أنَّها (عليها السلام) قد ولدت (بعد) بعثة أبيها (صلَّى الله عليه وآله)، منها:

1ـ إخبار الأئمَّة بذلك:

فقد عرفت أنَّ هناك العديد من روايات الأئمَّة (عليهم السلام) المصرِّحة بأنَّ أمَّهم الزهراء (عليها السلام) قد ولدت (بعد) البعثة وأنها تكوَّنت من ثمار الجنَّة، ومن المعلوم أنَّ أهل الدار أعلم بما فيها من غيرها. وعليه، فلو تعارض نقلهم مع نقل غيرهم لقدَّمنا نقلهم على نقل غيرهم، لعلَّة الأقربيَّة، كما هو واضح.

2ـ خطبة الشيخين لها:

فقد روي أنَّ الأوَّل وكذلك الثاني قد خطبا فاطمة (عليها السلام) من أبيها بعد الهجرة النبويَّة، وقبل زواجها من أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد اعتذر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لهما بأنها كانت صغيرة.

وعليه، فلو كانت الزهراء قد ولدت (قبل) البعثة ـ كما يُقال ـ لكان عمرها حين الخطبة أكثر من (18) عام، إذ كان بقاؤه (صلَّى الله عليه وآله) في مكَّة فقط (13) عام، فكيف يصحُّ الاعتذار بأنها كانت صغيرة؟

روى أبو عبد الرحمن النسائي بسنده عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: ‌(خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): «إنها صغيرة»، فخطب عليٌّ فزوَّجها منه) [السنن الكبرى ج7 ص452].

3ـ الله تعالى هو الذي سمَّاها:

لقد ورد في جملة من الروايات أنَّ الله تعالى هو من سمَّاها باسم (فاطمة)، وعليه فلو كانت مولودة (قبل) البعثة لما صحَّ ذلك، إذ الفرض أنَّ النبي (صلَّى الله عليه وآله) لم يبعث بعد، ولم ينزل عليه الوحي بعد حتَّى يُعلم بأنَّ الله هو الذي سمَّاها بهذا الاسم؟

روى شيخنا الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن يزيد بن عبد الملك، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لـمَّا ولدت فاطمة (عليها السلام) أوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى ملكٍ فانطق به لسان محمَّدٍ فسمَّاها فاطمة، ثمَّ قال: أني فطمتك بالعلم، وفطمتك عن الطمث، ثمَّ قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لقد فطمها الله (تبارك وتعالى) بالعلم، وعن الطمث، بالميثاق» [علل الشرائع ج1 ص179].

وروى أبو عبد الله الذهبي بالإسناد عن الشعبي، عن ابن عبَّاس قال: (لما ولدت فاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) سمَّاها المنصورة، فنزل جبرائيل، فقال: يا محمَّد، الله يقرئك السلام، ويقرئ مولودك السلام، وهو يقول: «ما ولد مولود أحب إليَّ منها، وأنه قد لقبها باسمٍ خير مما سمَّيتها، سمَّاها فاطمة، لأنها تفطم شيعتها من النار») [ميزان الاعتدال ج3 ص439].

نعم، حكم بعد ذلك بكذب الرواية واختلاقها، وذلك بحجَّة أنَّ الزهراء (عليها السلام) قد ولدت (قبل) البعثة، وهو كما ترى.

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ الصدِّيقة الزهراء (عليها السلام) قد ولدت (بعد) البعثة المباركة، للأخبار الكثيرة المعتضدة بكلمات الأعلام والقرائن المختلفة، كما أسلفنا.. والحمد لله ربِّ العالمين.