طهارة آباء الأنبياء (ع).
السؤال: من المؤكَّد في عقيدتنا الإماميَّة أنَّ الأنبياء والأئمَّة (ع) ينحدرون من نسل طاهر وصالح، والسؤال: هل المقصود بالطهارة هنا هي الطهارة من الشرك أم الطهارة من الذنب؟ وعليه، كيف نفسِّر قاعدة السلالة الطاهرة في أنبياء بني إسرائيل؟ فإذا كان الأنبياء ينتمون إلى سلالة يوسف (ع)، فلا يوجد إشكال في ذلك. أمَّا إذا كانوا من سلالة يهوذا وإخوته المعروفين بأخطائهم، فكيف يُمكننا فهم مفهوم السلالة الطاهرة في هذه الحالة؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
يعتقد أتباع أهل البيت (ع) بأنَّ آباء الأنبياء والحجج (ع) طاهرون من الشرك والكفر، وكذلك طاهرون من حيث الأنساب، فهم من أصلابٍ طاهرةٍ، وأرحامٍ مُطهَّرةٍ وإنْ تأمَّل بعض الأعلام في ذلك.
قال السيِّد عبد الله شبَّر(طاب ثراه): (المشهور بين الإماميَّة، بل حُكي عليه الإجماع أنَّه يجب تنزيه الأنبياء عن كفر الآباء والأمهات وعهرهنَّ، لئلَّا يُعيَّروا ويُعابوا في ذلك، ولئلَّا يُتنفَّر عنهم، فإنَّ ما في الآباء من العيوب يعود إلى الأبناء عرفاً...وعندي في ذلك تأمُّل، إذ لم يتم دليلٌ عقليٌّ قطعيٌّ على اشتراط ذلك، والدليل النقليُّ إنَّما صحَّ بالنسبة إلى آباء النبيّ (ص) دون سائر الأنبياء...فالتوقُّف في ذلك أولى) [حق اليقين ص144].
وعلى كلِّ حال ـ فسواء كان ذلك شاملاً لكلِّ الأنبياء (كما عليه المشهور) أم كان خاصاً بنبيِّنا الأعظم (ص) فقط (كما يظهر من السيِّد شبَّر) ـ نذكر جملةً من كلمات الأعلام في هذا المجال.
1ـ قال الشيخ الصدوق (طاب ثراه): (اعتقادنا في آباء النبيّ أنَّهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد الله، وأنَّ أبا طالب كان مسلماً، وأُمُّه آمنة بنت وهب كانت مسلمة، وقال النبيّ (ص وسلَّم): «خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم»، ورُوي أنَّ عبد المطَّلب كان حُجة، وأبا طالب كان وصيُّه) [الاعتقادات ص110].
2ـ وقال الشيخ المفيد(طاب ثراه): (آباء النبيّ (ص) إلى آدم (ع) كانوا موحِّدين على الإيمان بالله، حسب ما ذكره أبو جعفر (رحمه الله)، وعليه إجماع عصابة الحق. قال الله تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء: 218ـ 219]، يريد به تنقُّله في أصلاب الموحِّدين، وقال نبيه (ص وسلَّم): «ما زلتُ أتنقَّل من أصلاب الطَّاهرين إلى أرحام المطهَّرات، حتَّى أخرجني الله تعالى في عالمكم هذا»، فدلَّ على أنَّ آباءَه كلَّهم كانوا مؤمنين، إذ لو كان فيهم كافر لما استحقَّ الوصف بالطهارة، لقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: 28]، فحكم على الكفَّار بالنجاسة، فلما قضى رسول الله (ص) بطهارة آبائه كلِّهم ووصفهم بذلك، دلَّ على أنهم كانوا مؤمنين) [تصحيح الاعتقاد ص139].
3ـ وقال (طاب ثراه) أيضاً: (اتَّفقت الإماميَّة على أنَّ آباء رسول الله (ص) من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطَّلب مؤمنون بالله (عزَّ وجلَّ)، موحِّدون له، واحتجُّوا في ذلك في القرآن والأخبار. قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء: 218ـ 219]، وقال رسول الله (ص): «لم يزل ينقلني من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهَّرات حتَّى اخرجني في عالمكم هذا»، وأجمعوا على أنَّ عمَّه أبا طالب (رحمه الله) مات مؤمناً، وأنَّ آمنة بنت وهب كانت على التوحيد، وأنَّها تحشر في جملة المؤمنين) [أوائل المقالات ص45].
4ـ وقال الشيخ الطبرسيُّ (طاب ثراه): (وهذا الذي قال الزجَّاج، يقوِّي ما قاله أصحابنا: إنَّ آزر كان جدَّ إبراهيم لأمِّه، أو كان عمَّه، من حيث صحَّ عندهم أنَّ آباء النبيّ إلى آدم كلِّهم كانوا موحِّدين، واجتمعت الطائفة على ذلك، وروي عن النبيّ (ص وسلَّم) أنه قال: «لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين، إلى أرحام المطهَّرات، حتَّى أخرجني في عالمكم هذا، لم يدنسني بدنس الجاهلية»، ولو كان في آبائه كافرٌ لم يصف جميعهم بالطهارة، مع قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: 28]، ولهم في ذلك أدلَّةٌ ليس هنا موضع ذكرها) [مجمع البيان ج4 ص90].
5ـ وقال العلَّامة المجلسيُّ (طاب ثراه): (اتَّفقت الإماميَّة (رضوان الله عليهم) على أنَّ والدي الرسول (ص) وكلَّ أجداده إلى آدم (ع) كانوا مسلمين، بل كانوا من الصدِّيقين: إمَّا أنبياء مرسلين، أو أوصياء معصومين، ولعلَّ بعضهم لم يظهر الإسلام لتقية، أو لمصلحة دينيَّة) [بحار الأنوار ج15ص ١١٧].
أقول: من خلال ما مرَّ في كلمات الأعلام يتبيَّن أنَّهم لم يشترطوا في آبائهم (ع) أنْ يكونوا معصومين من الخطأ، وعليه يُمكن أنْ يصدر من بعض آبائهم ـ كيهوذا وإخوته ـ الذنب والخطأ، لعدم اشتراط العصمة فيهم. وعليه، تكون الطهارة المقصودة في المقام هي الطهارة من الشرك والكفر وليس الطهارة من الذنب.
نعم، من ثبت أنَّ أباه من الأنبياء، كما في نبي الله يوسف (ع) وغيره من الأنبياء، أو كان من الأوصياء والحجج، فهذا لابدَّ فيه من العصمة، مضافاً لما مرَّ.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق