الرواية المعتمدة في شهادة الزهراء.

السؤال: ماهي الرواية المعتمدة في شهادة السيِّدة الزهراء (ع) عند الشيعة؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الأقوال في شهادة الصدِّيقة الزهراء (ع) بلغت حدَّاً كبيراً، أوصلها بعض المحققين إلى (21) قولاً [يُنظر: الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء ج15 ص32]. نعم المشهور من تلك الأقوال ثلاثة، وهي المعمول بها في الأوساط الشيعيَّة، إليك بيانها بالتفصيل.

القول الأوَّل: أنَّها (ع) فارقت الحياة في اليوم (الثامن) من شهر ربيع الأوَّل من العام الحادي عشر من الهجرة، وبذلك تكون قد عاشت بعد شهادة أبيها (40) يوماً فقط، وقد نصَّ على هذا القول بعض الأعلام.

1ـ فقد روى السيِّد ابن طاووس (طاب ثراه) عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ، عن سلمان الفارسيّ قال: (قلنا يوماً: يا رسول الله، من الخليفة بعدك حتَّى نعلمه؟ قال لي: يا سلمان! أدخِلْ عليَّ أبا ذر، والمقداد، وأبا أيوب الأنصاريَّ، وأمَّ سَلَمة زوجة النبيّ من وراء الباب، ثمَّ قال: اشهدوا وافهموا عنِّي: إنَّ عليَّ بن أبي طالب (ع) وصيي ووارثي...إلى أنْ قال لفاطمة (ع): وأنتِ تُظلمين، وعن حقِّكِ تُدفعين، وأنتِ أوَّل أهل بيتي لاحقٌ بي بعد أربعين) [اليقين ص487].

2ـ وقال ابن شهر آشوب (طاب ثراه): (وقُبض النبيّ (ص) ولها يومئذٍ ثماني عشر سنة وسبعة أشهر، وعاشتْ بعده اثنين وسبعين يوماً، ويقال: خمسة وسبعين يوماً، وقيل: أربعة أشهر. وقال القربانيُّ: قد قيل: أربعين يوماً، وهو أصح) [مناقب آل أبي طالب ج3ص132].

3ـ وروي في البحار عن بعض الكتب، عن ورقة بن عبد الله الأزديّ، وفيه ما نصُّه: (ثمَّ إنَّه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يُسمَّى بيت الأحزان، وكانت إذا أصبحت قدَّمت الحسن والحسين (ع) أمامها، وخرجت إلى البقيع باكيةً، فلا تزال بين القبور باكيةً، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين (ع) إليها وساقها بين يديه إلى منزلها، ولم تزل على ذلك إلى أنْ مضى لها بعد موت أبيها سبعة وعشرون يوماً، واعتلَّت العلَّة التي توفِّيت فيها، فبقيت إلى يوم الأربعين) [بحار الأنوار ج43 ص177].

القول الثاني: أنَّها (ع) فارقت الحياة في اليوم (الثالث عشر) من شهر جمادى الأولى من العام الحادي عشر من الهجرة، وبذلك تكون قد عاشت بعد شهادة أبيها (75) يوماً فقط، وقد نصَّ على هذا القول بعض الأعلام.

1ـ فقد روى الكلينيُّ (طاب ثراه) بسندٍ صحيح عن أبي عُبيدة قال: «سأل أبا عبد الله (ع) بعضُ أصحابنا عن الجفر...إلى قوله: قال: فمصحف فاطمة (ع)؟ قال: فسكت (ع) طويلاً ثمَّ قال: إنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون، إنَّ فاطمة مكثت بعد رسول الله (ص) خمسةً وسبعين يوماً، وكان دخلها حزنٌ شديدٌ على أبيها، وكان جبرئيل (ع) يأتيها فيُحسن عزاءَها على أبيها، ويطيِّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان عليٌّ (ع) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (ع)» [الكافي ج1 ص٢٤١].

2ـ وما رواه أيضاً بالإسناد نفسه مختصراً، عن أبي عبد الله (ع) قال: «إنَّ فاطمة (ع) مكثت بعد رسول الله (ص) خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزنٌ شديدٌ على أبيها، وكان يأتيها جبرئيل فيُحسن عزاءَها على أبيها، ويطيِّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان عليٌّ (ع) يكتب ذلك» [الكافي ج1 ص ٤٥٨].

3ـ وما رواه أيضاً بسندٍ معتبر عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (ع) قال: «سمعته يقول: عاشت فاطمة (ع) بعد أبيها خمسةً وسبعين يوماً لم ترَ كاشرةً ولا ضاحكةً، تأتي قبور الشهداء في كلِّ جمعة مرَّتين، الاثنين والخميس فتقول: ههنا كان رسول الله (ص)، ههنا كان المشركون» [الكافي ج3 ص228].

القول الثالث: أنَّها (ع) فارقت الحياة في اليوم (الثالث) من شهر جمادى الآخرة من العام الحادي عشر من الهجرة، وبذلك تكون قد عاشت بعد شهادة أبيها (95) يوماً فقط، وقد نصَّ على هذا القول بعض الأعلام.

1ـ فقد روى المحدِّث الخزَّاز (طاب ثراه) بسنده عن القاسم بن حسَّان، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال: (كان رسول الله (ص) في الشكاية التي قُبض فيها، فإذا فاطمة عند رأسه...قال جابر: فلمَّا قبض رسول الله (ص) فاعتلَّت فاطمة، دخل إليها رجلان من الصحابة فقالا لها: كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟ قالت: أصدقاني، هل سمعتما من رسول الله (ص) يقول: فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني؟ قالا: نعم قد سمعنا ذلك منه، فرفعتْ يديها إلى السماء وقالت: اللهمَّ إنّي أشهدك أنَّهما قد آذياني وغصبا حقِّي، ثمَّ أعرضت عنهما فلم تكلِّمهما بعد ذلك، وعاشت بعد أبيها خمسة وتسعين يوماً حتَّى ألحقها الله به) [كفاية الأثر ص62].

2ـ ورى الشيخ محمَّد بن جرير الطبريُّ (طاب ثراه) بسندٍ معتبر عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمَّد (ع) قال: «ولدتْ فاطمة (ع) في جمادى الآخرة يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبيّ (ص)، وأقامتْ بمكَّة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين [الظاهر: خمسة وتسعين] يوماً، وقبضتْ في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة...الحديث» [دلائل الإمامة ص134].

3ـ وقال المحدِّث الشيخ عبَّاس القمِّيُّ (طاب ثراه): (اختلفت الأقوال في مدَّة مكث فاطمة (صلوات الله عليها) بعد وفاة النبيّ (ص)، فالمُكثر يقول: ستة أشهر، والمُقلل يقول: أربعين يوماً، والذي أختاره: أنَّها مكثت بعد أبيها (صلوات الله عليهما وآلهما) خمسة وتسعين يوماً، وقبضت في ثالث جمادي الآخرة.

وروى محمَّد بن جرير الطبريُّ الإماميُّ بسندٍ معتبرٍ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) قال: قبضت فاطمة (ع) في جمادي الآخرة، يوم الثلاثاء لثلث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة) [بيت الأحزان ص ١٨٩].

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم: أنَّ أشهر الأقوال في شهادة الصدِّيقة الزهراء (ع) هي هـذه الثلاثة المذكورة، وهي التي عليها العمل عند الطائفة الـمُحقِّة.. والحمد لله ربِّ العالمين.